عناصر الخطبة
1/جنود الله في أحداث السيرة 2/ إرسال الريح على الأحزاب 3/ معجزة وكرامة 4/ البشارة وسط المحنة .اهداف الخطبة
بيان عظمة الله وقدرته وتسخير جنوده لنصرة المؤمنين .اقتباس
وفي الأحزاب حين اجتمعت جموع المشركين، وحاصروا المدينة، وغدرت اليهود، وخذَّل المنافقون وأرجفوا، وعظم الكرب، وزُلْزِل المؤمنون حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.. في ذلك الموقف العصيب الرهيب كان جند الله تعالى مع المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب:9].
الحمد لله القوي العزيز؛ نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يقع شيء إلا بعلمه، ولا يقضى قضاء إلا بأمره (لله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة:120] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، واستمسكوا بدينكم وإن ضل عنه أكثر الناس؛ فإنكم مسئولون عنه يوم القيامة (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزُّخرف:43-44].
أيها الناس: في الصراع بين الحق والباطل، وفي التدافع بين جند الله تعالى وجند الشيطان حِكَم وأسرارٌ لا يحيط بجميعها إلا العليم الحكيم الذي جعل التدافع بين الفريقين سنة من سننه في البشر لإصلاح الأرض ومن عليها (وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) [البقرة:251].
وكل ما جرى ويجري بين أهل الإيمان وأهل الكفر من المعارك الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية هو من هذا التدافع الذي أراده الله تعالى قدرا؛ فضلا منه سبحانه على عباده؛ ليَهْلِك من هلك عن بينة ويَحيا من حيي عن بينة، وليميز الله الخبيث من الطيب، ولْيُظهر المنافق من المؤمن، وحتى يَبين الكاذب من الصادق.
ولله سبحانه وتعالى جندٌ لا يعلمهم البشر ولا يرونهم، يسخرهم عز وجل لعباده المؤمنين؛ فيؤيدونهم وينصرونهم؛ لتكون العاقبة لهم على الكافرين والمنافقين، وهم جنود في السماء وجنود على الأرض (وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[ الفتح:7] لا يعلم عدتهم ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا أحد من الخلق (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ) [المدَّثر:31].
ومن جنده عز وجل ما هو حسي ومنها المعنوي، وفي هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ومطاردة المشركين له كانت جنود الله تعالى حاضرةً لحفظ نبيه عليه الصلاة والسلام من المشركين وعيونهم (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) [التوبة:40].
وفي غزوة بدر أيَّدَ الله سبحانه المؤمنين بملائكة من السماء مردفين يقاتلون معهم، وألقى الرعب في قلوب المشركين، وأنزل المطر تطهيرا للمؤمنين، وليذهب عنهم رجز الشيطان، ويثبت به الأقدام، وألقى النعاس تأمينا لعباده وتنشيطا لهم، وكل أولئك من جنده عز وجل.
وما من مواجهة بين الحق والباطل إلا ولله سبحانه فيها جند حاضرة لنصرة المؤمنين أو حمايتهم من الاستئصال.
وفي صلح الحديبية كان جند الله تعالى مع المؤمنين، قال الله تعالى في شأن هذا الصلح الذي سماه فتحا (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح:4].
ولما أُعجب المؤمنون في حنين بكثرتهم، وبغتهم العدو فما أغنت عنهم كثرتهم، واختلط حابلهم بنابلهم نصرهم الله تعالى بجنده، وأنزل سكينته عليهم (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) [التوبة:25-26].
وفي الأحزاب حين اجتمعت جموع المشركين، وحاصروا المدينة، وغدرت اليهود، وخذَّل المنافقون وأرجفوا، وعظم الكرب، وزُلْزِل المؤمنون حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.. في ذلك الموقف العصيب الرهيب كان جند الله تعالى مع المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب:9].
وقال حذيفة رضي الله عنه: "لقد رَأَيْتُنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ" رواه مسلم.
فَهُزمت جموع الشرك في الأحزاب بالريح وهي من جند الله تعالى، وبالملائكة عليهم السلام وهم أيضا من جنده عز وجل، وهم المراد بقوله سبحانه (وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا).
وهذه الريح تهب من الغرب، وتسمى الصبا، كما جاء عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ" متفق عليه.
قال مجاهد رحمه الله تعالى: ريح الصبا أُرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم الليل والنهار.
ومع تأييد الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين في الأحزاب بالريح والملائكة فإنه عز وجل أكرم رسوله عز وجل بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة؛ تثبيتا للقلوب، وشدَّاً للعزائم، وحفزا للهمم؛ لتمضي في نصرة دين الله تعالى، وتصبر على الأذى فيه، وتعلم أن وعد الله تعالى حق، وأن العاقبة للمتقين.
ومن المعجزات الباهرة في غزوة الأحزاب ما أجراه الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام من مباركة طعام قليل لا يشبع رهطا، فيدعو فيه النبي عليه الصلاة والسلام فيأذن الله تعالى أن يُشبع الجيش كله ويبقي منه بقية.
عن جَابِرَ بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رأيت بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا فَانْكَفَأْتُ إلى امْرَأَتِي فقلت: هل عِنْدَكِ شَيْءٌ فَإِنِّي رأيت بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا؟ فَأَخْرَجَتْ إلي جِرَابًا فيه صَاعٌ من شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ -أي:سمينة- فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا في بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ معه، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فقلت: يا رَسُولَ الله، ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لنا وَطَحَنَّا صَاعًا من شَعِيرٍ كان عِنْدَنَا فَتَعَالَ أنت وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قد صَنَعَ سُوْرًا فَحَيَّ هَلًا بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، ولا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حتى أَجِيءَ، فَجِئْتُ وَجَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ الناس حتى جِئْتُ امْرَأَتِي فقالت: بِكَ وَبِكَ، فقلت: قد فَعَلْتُ الذي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ له عَجِينًا فَبَصَقَ فيه وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إلى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قال: ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي من بُرْمَتِكُمْ ولا تُنْزِلُوهَا، وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لقد أَكَلُوا حتى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كما هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كما هو" وفي رواية " فلم يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حتى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قال: كُلِي هذا وَأَهْدِي فإن الناس أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ" رواه الشيخان.
ومن الكرامات في هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل حذيفة رضي الله عنه ليستطلع خبر المشركين وقد آذتهم الريح، وأصابهم برد شديد كان حذيفة رضي الله عنه ينعم دونهم بالدفء، ولا يجد أثر الريح والبرد لا في ذهابه إلى المشركين، ولا في رجوعه إلى المسلمين حتى قال رضي الله عنه: " فلما وَلَّيْتُ من عِنْدِهِ -أي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي في حَمَّامٍ حتى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ....وفي عودته بعد أن أنهى مهمته قال رضي الله عنه:فَرَجَعْتُ وأنا أَمْشِي في مِثْلِ الْحَمَّامِ " رواه مسلم.
فالحمد لله الذي أيده عباده المؤمنين بآياته، وأكرمهم بكراماته، وأعانهم بجنده، وكتب لهم نصره.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله تعالى لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين،والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستقيموا على دينكم، وثقوا بوعد ربكم؛ فإن الله تعالى لا يخلف وعده، ولا يخذل عباده.
أيها المسلمون: كانت غزوة الأحزاب امتحانا صعبا نجح فيه أهل الإيمان، وأخفق فيه أهل النفاق..
كان امتحانا ابتلي فيه المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولكن الله تعالى ثبت المؤمنين بصدقهم ويقينهم، وخذل المنافقين بشكهم وارتيابهم، وردَّ الكافرين بغيظهم لم ينالوا من المسلمين نصرا ولا غنيمة (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) [الأحزاب:25].
وفي أثناء حصار المشركين للمدينة، وخيانة اليهود، وتخذيل المنافقين وإرجافهم، واشتداد الكرب، وعِظَم البلاء؛ كان اليقين بالله تعالى يملأ قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فأخذ يبشر أصحابه رضي الله عنهم بما سيفتح الله تعالى عليهم من عواصم الدول الكبرى آنذاك، وهذا اليقين هو من تأييد الله تعالى للمؤمنين، وتثبيته لهم، وربطه على قلوبهم؛ فالفضل لله تعالى، عَنِ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ رضي الله عنه قال: "أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، قال: وَعُرِضَ لنا صَخْرَةٌ في مَكَانٍ مِنَ الْخَنْدَقِ لاَ تَأْخُذُ فيها الْمَعَاوِلُ، قال: فَشَكَوْهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عَوْفٌ: وَأَحْسِبُهُ قال: وَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إلى الصَّخْرَةِ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فقال: بِسْمِ الله، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ وقال: الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، والله إني لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ من مكاني هذا، ثُمَّ قال: بِسْمِ الله وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرت ثُلُثَ الْحَجَرِ فقال: الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، والله إني لأُبْصِرُ الْمَدائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ من مكاني هذا، ثُمَّ قال: بِسْمِ الله، وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فقال: الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، والله إني لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ من مكاني هذا" رواه أحمد.
فما أشد حاجتنا في هذا العصر إلى استلهام هذا الدرس العظيم من تلك الغزوة المباركة؛ فنزداد بالله تعالى إيمانا ويقينا، ونُصَدِّق بوعده، ونثبت على دينه، فلا نبدل ولا نغير مهما عظم الكرب واشتد البلاء، مستعينين بالله تعالى على ذلك، خاصة وقد اشتدت حملات الكافرين والمنافقين على المؤمنين، وهي تزداد يوما بعد يوم.
إن الآيات القرآنية التي تناولت هذه الغزوة العظيمة في سورة الأحزاب قد أثنت على ثبات المؤمنين، وتصديقهم بوعد الله تعالى في أحلك الظروف وأصعب الساعات (وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) [الأحزاب:23].
إنهم رجال قابلوا البلاء بالرضاء والتسليم، وتسلحوا له بالإيمان واليقين، ولم يبدلوا دينهم أو يتنازلوا عن شيء منه، وما كان ذلك منهم إلا بتثبيت الله تعالى وتأييده ومعونته عز وجل لهم، وذلك إنما ينال بتقواه وطاعته، فاتقوا الله تعالى-أيها المسلمون- وسلوه الثبات على الحق إلى الممات، ولا تغيروا دينكم، أو تتخلوا عن شيء منه؛ إرضاء للكفار والمنافقين، فإنهم لن يرضوا إلا بكفر المؤمنين (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89].
وصلوا وسلموا على نبيكم....
التعليقات