عناصر الخطبة
1/يوم الجوائز 2/أمور أوجبها الإسلام وحث عليها 3/أمور حرمها الإسلام وحذر منها 4/أمور أوصى بها الإسلام ورغب فيها 5/الإيمان ليس شعارات 6/الفرح المشروعاهداف الخطبة
اقتباس
عباد الله: إنّ الإيمانَ ليس شعاراتٍ ترفَع ولا كلمات تقال بلا معنى، ولكنه اعتقادُ القلبِ وقول اللسان وعمل الجوارح، هذا هو الإيمانُ الصادق، هذا هو الإيمان الحقّ، ليس الإيمان بالتّمنِّي ولا بالتّحلِّي، ولكن الإيمان ما وقَر في القلوبِ وصدّقه العمل.أيها المسلم: قِف مع نفسك قليلاً، قف مع...
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الله أكبر ما نطق بذكره وتعظيمه ناطق، الله أكبر ما صدق في قصده وعمله صادق، الله أكبر كلما صام صائم وأفطر، وكلما لاح صباح عيد وأسفر، الله أكبر كلما برق برق وأنور، وكلما رعد سحاب وأمطر، وكلما أورق عود وأثمر.
الحمد لله الذي سهل طريق العبادة ويسر، ومنَّ على عباده بأعياد تعود عليهم بالخيرات وتتكرر، فما مضى شهر الصيام إلا وأعقبه بأشهرُ الحج إلى بيته العتيق المطهر، ونشكره -تعالى- على فضله وجوده، وحق له أن نشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله تفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده أجل مقدر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من تعبد لله، وصلى وزكى وحج واعتمر، نبياً غفر الله له ما تقدم وتأخر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن يومكم هذا يسمى يوم الجوائز، فيرجع كل بما قسم له فائز، فالمحسنون يجدون في صحافهم العزة والكرامة؛ فعن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبوب الطرق ينادون اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا ناد منادٍ ألا إن ربكم قد غفر لكم، فأرجعوا راشدين إلى رحالكم".
فهو يوم الجوائز، ويسمى في السماء "يوم الجائزة".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرفعه: "إذا كان يوم عيد الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض في كل بلد، فيقفون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع ما خلق الله إلا الجن والإنس: يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل، ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله -تعالى-: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله، فيقولون: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره، فيقول الله -تعالى-: أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم؛ رضائي ومغفرتي".
يقول مورق العجلي: "فيرجع أقوام كيوم ولدتهم أمهاتهم".
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: الصلاة الصلاة، فهي عمود الدين، وهي الفريضة التي فرضت في سبع سماوات ليلة ما عرج برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، ووكل بالعبادات في الأرض، فأول ما تسأل عنه الصلاة، فإن صلحت صلح باقي الأعمال، وإن فسدت فسدت جميع الأعمال، ولا حظ في الإسلام لتارك الصلاة، وإن نطق بالشهادة ألف مرة، فهي خمس في العمل خمسين في الميزان.
وأدوا زكاة أموالكم، فالزكاة قرينة الصلاة، فما من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا كان يوم القيامة صُفِحت له صفائح من نار، فاُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وظهره وسائر جسده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الدين للعباد، يقول -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[آل عمران: 180].
يدل ذلك الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له شجاعاً أقرع -أي ثعباناً- عظيماً كريه المنظر له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ ببكرتيه -أي شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك".
وعليكم ببر الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].
واعلموا أن أعظم عقوبة تعَجَلُ لصاحبها في الدنيا مع ما يدخره الله له من العذاب الشديد في الآخرة عقوق الوالدين، فإذا عصيت أحد والديك جعل الله لك أبناً يعصيك ويعقك، فكما تدين تدان، جزاءً وفاقا.
وعليكم بصلة الأرحام، والأرحام هم أقاربك من الأهل والأقارب، فصلة الرحم معلقة بعرش الرحمن تصل من وصل رحمه، وتقطع من قطع رحمه، وليس الواصل بالمكافئ بالمال وإنما الواصل إذا قطعه أقاربه وصلهم بعطفه ولطفه لهم.
وإياكم والشرك بالله -عز وجل- فإنه أكبر الآثام، وهو: أن تجعل مع الله شريك في عبادته وهو خلقك، ومن أشرك في عبادة الله فالجنة عليه حرام، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) [المائدة: 72].
واحذروا الزنا فهو من عظائم الذنوب، يقول تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 2].
وعنه صلى الله عليه وسلم إنه قال: "ما من ذنب أعظمُ عند الله بعد الشرك من أن يضع الرجل نطفته في فرج حرام".
فعقوبة الزاني الذي لم يتزوج جلده مائة جلده وتغريبه سنة، أما المتزوج أو من سبق الزواج له فهو الحصي بالحجارة حتى الموت.
وإياكم واللواط فإنه فاحشة وساء سبيلا، وإياكم وقتل النفس الحرام، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وفي الحديث لزوال الدنيا بأسرها على الله من قتل مسلم، ولو أجمع أهل السموات وأهل الأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار أجمعين.
وأحضروا الربا فربحه خسار، وعاقبته نار جهنم والعياذ بالله، يقول تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).
وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "الربا ثني وسبعون حوباً -أي ذنباً- أيسرها كأن ينكح الرجل أمه".
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: أحذروا الغيبة والنميمة، فالغيبة هي ذكر أخاك بما يكره، فإن كان في أخيك ذلك فأنت اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته، فقد جمعت خصلتين ذميمتين وهي الغيبة والبهتان عن أخيك المسلم.
والنميمة، هي نقل الكلام من شخص لآخر من أجل الوشاية بينهما، فالنمام لا يدخل الجنة ولا يجد ريحها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا يدخل الجنة قتات أي نمام".
واحذروا -يا عباد الله-: شرب المسكرات والمخدرات، فإن من مات يشرب المسكرات فإن الله -عز وجل- يسقيه من طينة الخبال -أي من صديد- وعصارة أهل النار -وهو القيح الذي يخرج من فروج الزانيات والزواني-.
واعلموا إن قذف المحصنات الغافلات من المؤمنات من كبائر الذنوب، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23].
وقال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها: "قذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
وقال صلى الله عليه وسلم: "قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة".
وأمروا -يا عباد الله- بالمعروف وأنهوا عن المنكر، فإنهما من واجبات الإسلام، وإياكم والحلف بالله في خصوماتكم وأنتم تعلمون بأن هذا اليمين غير صحيح، فمن اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان، وإن كان شيئاً يسيراً كعود الأراك.
واحذروا نقل معالم حدود الأرض، فمن اقتطع من أرض أخيه المسلم ولو قدر شبر إلا طوقه الله بسبع أرضين يوم القيامة.
احذر –أخي- الأيمان الفاجرة، فـ"من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان".
أيها المسلم: احذر السحرة والمشعوذين، واحذر أن تقصدهم وتأتيهم فما وراءهم إلا البلاء و"من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".
تعاملوا بالصدق والوفاء، واحذروا الغش والخداع والخيانة، وفي الحديث: "من غشنا فليس منا".
أيها المسلم: اتق الله، وتعامل مع أهلك بالمعاملة الشرعية التي أرادها الله لك، وتذكر قول الله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِلْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228].
أكرم الجار، وكفّ الأذى عنه، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاه"، و"لا إيمان لمن لا يأمن جاره بوائقه".
احفظ حقوق الناس، وإياك والتهاون بها، وأن تلقى الله بمظالم العباد، أدِّ الحقوق الواجبة، ابتعد عن الغيبة والنميمة والكذب والغش والخداع.
أيها المسلمون: ربّوا أبناءكم التربية الإسلامية، فهم أمانة في أعناقكم: (يا أيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6].
سهّلوا أمر الزواج، وأعينوا على إفشائه، فإن ذلك من علامة الخير، تعاونوا على البر والتقوى.
واحذروا عدوكم إبليس يريد ليأخذ بثأره في رمضان فادحضوه بكرم المولى خائباً مكسوراً، ففضل الله على مدى الأزمان.
واحذروا الفضائح يوم الحساب والقبائح المحرمة بنص السنة والكتاب.
عباد الله: استعدوا ليوم الرحيل بعمل صالح يخلصكم -بإذن الله- من عذاب شديد وأهوال في يوم المعاد، وتذكروا من صلى معكم في قبل هذا اليوم من الأعوام الماضية من الآباء والأبناء والإخوان ممن رحلوا من هذه الدنيا ولم يصطحبوا منها سوى ما قدموا من أعمال، تركوا المنازل والأموال، ولم تمنعهم من الموت أموال ولا جنود ولا حصون، ولا ينفعهم عند الله مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونحن إلى ما ساروا إليه سائرون، ذلك سنة الله في خلقه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [فاطر: 5 - 7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفره وتوبوا إليه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى.
عباد الله: إنّ الإيمانَ ليس شعاراتٍ ترفَع ولا كلمات تقال بلا معنى، ولكنه اعتقادُ القلبِ وقول اللسان وعمل الجوارح، هذا هو الإيمانُ الصادق، هذا هو الإيمان الحقّ، ليس الإيمان بالتّمنِّي ولا بالتّحلِّي، ولكن الإيمان ما وقَر في القلوبِ وصدّقه العمل.
أيها المسلم: قِف مع نفسك قليلاً، قف مع نفسك: هل أنت ممّن أخلص لله قولَه وعمله؟ هل أعمالُك التي تعمَلها خالصة لله، لا رياء ولا سمعة فيها؟
قِف قليلاً مع نفسِك ومع توحيدِك لربّك وإقرارك بألوهية الله الحقّ وأنّك عبدتَ الله وحدَه، ولم تعبد معه سواه، وعرفتَ أن العبادةَ حقّ لله بكلِّ أنواعها، لا يستحقّها غيره جل وعلا.
قف مع نفسك في أسماءِ الله وصفاته: هل آمنتَ بها حقَّ الإيمان وأمرَرتها على ظاهِرِها معتقِدًا معناها على ما يليق بجلالِ الله وعظَمَته، معتقِدًا أنَّ الله ليس كمثله شيء في ذاته وصفاتِه، مؤمنًا بحقيقَتِها على ما دلّ الكتاب والسنة عليه.
قِف مع نفسِك قليلاً مع الذين استهزَؤوا بالإسلامِ وسخِروا بالإسلام واستهزؤوا بأهلِ الإسلام ولمزوا أهلَ الإسلام وعابوهم: هل نصحتَ أولئك؟ هل كرهتَ أقوالهم؟ هل تألَّم قلبك لما قالوا وتمعَّر وجهُك مما سمعت وبذلتَ النصيحةَ لله في بيانِ فسادِ ما هم عليه من هذهِ السّخرية والاستهزاء؟ هل موقِفُك مَع الذين غَلوا في الدين الله ونسَبوا إلى شرع الله ما ليس منه، هل نصحتَ أولئك وحذَّرتهم من هذا المبدأ الخطير وأخذتَ على أيديهم نصيحةً وتوجيهًا لتجتثَّ منهم داءَ الغلوّ الخطير الذي لا خير فيه؟
عباد الله: اشكروا الله على عموم نعمه، فقد تأذَّن بالزيادة للشاكرين، ودوام النعمة: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
هذا يوم عيد، هذا اليوم يوم العيد، أعني عيد الفطر، يوم سعيد وعيد مجيد، هذا اليوم أحد اليومين اللذين جعلهما الله عيدًا لأمة محمد، فللأمة الإسلامية في عامها عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، عيد الفطر من صيامنا، وعيد أكلنا من نُسُكنا؛ قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى".
أجل، أبدل الله الأمة يومي اللهو واللعب والباطل بيومي الذكر والشكر لله.
هذا يوم عيد الفطر، يوم عيد لكم -أيها المسلمون-، هذا يوم عيد لكم، أنكم صمتم رمضان، واستكملتم صيامه، فاليوم عيدٌ لكم، فرحُكم واستبشاركم أنكم وافقتم أمر الله فصمتم، ووافقتم أمر الله فأفطرتم، وفي الحديث: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته".
هذا يوم فرح وسرور، فرحُ المؤمن بهذا العيد كما سبق، فرحُه بموافقته أمر ربه في صومه وفطره، وهو يوم فرحٍ له يرتقب الثواب من رب العالمين، وفي الحديث في خصائص رمضان: "ويغفر لهم في آخر ليلة"، قيل: أليلة القدر؟ قال: "لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله".
وفي الحديث: "للصائم فرحتان: فرحة يوم فطره، وفرحة يوم لقاء ربه"، ففرحه بفطره بموافقة أمر الله له، ثم بهذا اليوم الذي يتناول فيه المباح، والذي حرَّم الله علينا صيامه، وفرحةٌ للمسلم يوم لقاء ربه، يوم يجد عمله مدّخرًا له أوفر ما يكون: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران: 30].
إن للمسلم فرحةً عند موته، عندما يرى نتائج أعماله الصالحة، وتزفّ إليه ملائكة الرحمن البشرى بالمغفرة والجنة، فلا يخاف على ما فات ولا يحزن على ما هو آت: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [فصلت: 30- 31].
وفرحةٌ في قبره يوم يسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيجيب أحسن جواب، فيُفسح له في قبره، ويُفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وريحها، ويُفسح له في قبره مدَّ بصره.
وإن له لفرحة أخرى يوم الفزع الأكبر، حينما يفزع الناس، وهو من الآمنين: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء: 103].
وفرحةٌ أخرى يوم الوقوف بين يدي الله، ويوم يُعطى صحيفة عمله، فيجد فيها صيامه.
وفرحةٌ أخرى يوم يدعون من باب في الجنة يقال له: باب الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أُغلق ذلك الباب.
أعاد الله عليَّ وعليكم من بركات هذا العيد، وجعلنا في القيامة من الآمنين، وحشرنا تحت لواء سيد المرسلين، عليه الصلاة من رب العالمين.
اللهم اجعل عيدنا فوزًا برضاك، واجعلنا ممن قبلتهم فأعتقت رقابهم من النار، اللهم اجعل رمضان راحلاً بذنوبنا، قد غفرت فيه سيئاتنا، ورفعت فيه درجاتنا.
هذا وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله، حيث أمرنا سبحانه بذلك، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأرض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأربعة المهديين، أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعلي أبي السبطين، وعن السبطين العلمين، وعن العمين الكريمين، وعن أصحاب البيعة والعقبة، والشجرة، وعن أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم يسر لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا، اللهم اجعلنا في شهر رمضان من الفائزين.
اللهم لا تحرمنا فضلك، أنت إلاهنا فمن ينصرنا غيرك، لا إله لنا سواك.
اللهم وفقنا وإياكم لمراضيه، واجعل مستقبل حالنا خير من ماضيه.
اللهم أعد علينا هذا العيد أعياداً عديدة، وأعواماً مديدة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات