عناصر الخطبة
1/ نعمة الإسلام لهذه الأمة 2/أهمية التوحيد وأثره 3/وقفة مع حديث ( إني حرمت الظلم) 4/بيان حقيقة العيد 5/دعوة لاغتنام الأوقات بالصالحات 6/الأضحية وبعض أحكامها 7/التذكير بحال إخواننا المسلميناهداف الخطبة
اقتباس
هذا يوم سرور ونور، ويوم فرح وحبور، يوم توسعة على الأهل والأبناء، ويوم تسامح وتزاور وتعاون وتآزر، يوم يجب أن ننسى فيه أضغاننا وننسى فيه أحقادنا، يوم يجب أن نستحضر فيه أن عمر الحياة قصير وشأنها عند الله حقير، استعمرنا فيها ليعلم ما نعمل وكيف نتصرف، وليتبين المصلح من المفسد والصادق من الكاذب، وليبلونا أينا أحسن عملا...
الخطبة الأولى:
أمّا بعد:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
اللهم اغفر ذنبنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وتول أمرنا، وأزل غمنا، وأصلح بفضلك سرنا وجهرنا.
الحمد لله الذي هدانا لدينه وشريعة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فبعد أن كانت هذه الأمة أمة ضالة تعبد الأوثان وتشرب الخمر, وتهين النساء وتئد البنات, وتتناحر فيما بينها لأتفه الأسباب؛ أخرجها الله بمبعث خير الرسل وأفضل البرية من الظلمات إلى النور، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأحياها بلا إله إلا الله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا إله إلا الله عنوان هذه الأمة، ولا إله إلا الله تاريخ هذه الأمة، ولا إله إلا الله عقيدة هذه الأمة التي علمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا نافع إلا الله، ولا ضار إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا قابض إلا الله، ولا باسط إلا الله، فلا إله إلا الله.
وإذا ترسخت هذه العقيدة في قلب المؤمن, وعاش بها وعليها, واستأنس بحب الله وبذكر الله, وقصر طمعه على ما عند الله ولم يخش إلا الله, فإن السماوات والأرضين لو كادته لجعل الله له من ذلك مخرجا، العيش مع "لا إله إلا الله" يورث التوكل واليقين والاطمئنان، والبعد عنها يورث الهلع والاضطراب والتوجس، قيل لحاتم الأصم: على ما بنيتَ أمرك في التوكل؟ قال: "على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحي منه".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ها نحن -أيها الأحبة الكرام- نجتمع في هذا اليوم يوم العيد، نجتمع في هذا البيت المبارك من بيوت الله إخوة متحابين، لا فضل لأحد فينا على أخيه إلا بالتقوى والعمل الصالح، كلنا مفتقرون إلى الله طامعون في رحمته فقراء إلى فضله وهو المتفضل علينا سبحانه.
وها هو يخاطبنا خطاب الرب الكريم الرؤوف بعباده فيقول سبحانه في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا. يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" (أخرجه مسلم).
هكذا يخاطبنا الله -سبحانه-، هكذا ينادينا الباري -عز وجل-، هكذا يوقفنا على هذه الحقائق الدامغة وعلى هذه المعاني السامية حتى لا يتكبر أحد منا على أحد، وحتى لا يشمخ أحد منا بأنفه على أخيه، وحتى يعلم كل منا أنه لا حول ولا قوة له إلا بالله، كلنا ضالون فهدانا الله، وكلنا جائعون فأطعمنا الله، وكلنا عراة فكسانا الله، فعلام نتكبر؟! وفيم نتفاخر؟! وإلام تبقى البغضاء والشحناء بيننا ,ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ينادينا: "لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا"؟!.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
هذا -عباد الله- عيد التضحية وعيد الفداء، هذا يوم استجاب فيه الخليل إلى نداء الجليل، فقام صادقا يريد ذبح ابنه وفلذة كبده إسماعيل، وهذا يوم امتثل فيه هذا الابن البار بوالديه امتثل فيه لأمر ربه ثم لرؤيا والده ولم يتلكّأ أو يتردّد، واضطجع طائعا وهو يعلم أن الأمر أمر ذبح، يُسال فيه دمه وتقطع رقبته، فهل طاعة بعد هذه الطاعة؟! وهل صدق بعد هذا الصدق؟! (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا)[مريم:54]. هذه هي قمة الطاعة وقمة الامتثال الذي تعجز العقول عن تصوره، يطيع ممتثلا رغم أن الأمر أمر ذبح وموت.
ولننظر -أيها الناس- كم طاعة لله أضعنا، وكم أمر من أوامره عصينا, رغم أنها دون الذبح بكثير كثير، وكم شهوة لأنفسنا اتبعنا, رغم أن حبل الشهوات قصير قصير, وعذابها في الآخرة كبير كبير.
النفس تطمع في الدنيا وقد علمـت *** أن السلامة فيها ترك ما فيـها
لا دار للمرء بعد المـوت يسكنهـا *** إلا التي كان قبل الموت يبنيهـا
فمن بنـاهـا بخير طـاب مسكنه *** ومن بناها بشر خاب بانيـهـا
والناس كالحبّ والدنيا رحى نصبت *** للعالميـن وكـف الموت يلهيها
فلا الإقـامة تنجي النفس من تلف *** ولا الفرار من الأحداث ينجيها
تلك المنـازل في الآفاق خـاويـة *** أضحت خرابا وذاق الموت بانيها
أيـن الملوك التي عن حظها غفلت *** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أفنى القرون وأفنى كل ذي عمـر *** كذلك الموت يفني كل ما فيـها
نلهـو ونأمل آمـالا نسـر بهـا *** شريعة الموت تطوينا وتطويـها
فاغرس أصول التقى ما دمت مقتدرا *** واعلم بأنك بعد الموت لاقيـها
تجني الثمـار غدا في دار مكرمـة *** لا منّ فيها ولا التكدير يأتيـها
الأذن والعيـن لم تسمع ولم تـره *** ولم يجر في قلوب الخلق ما فيها
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
هذا -عباد الله- يوم سرور ونور، ويوم فرح وحبور، يوم توسعة على الأهل والأبناء، ويوم تسامح وتزاور وتعاون وتآزر، يوم يجب أن ننسى فيه أضغاننا وننسى فيه أحقادنا، يوم يجب أن نستحضر فيه أن عمر الحياة قصير وشأنها عند الله حقير، استعمرنا فيها ليعلم ما نعمل وكيف نتصرف، وليتبين المصلح من المفسد والصادق من الكاذب، وليبلونا أينا أحسن عملا، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك:2]، فلا بد أن نري الله من أنفسنا خيرا، وأن نتنافس في الخيرات وفي إحراز الحسنات كما يتنافس بل أكثر مما يتنافس أهل الدنيا على دنياهم.
فنحن -عباد الله- لم نُخلق عبثا ولن نُترك سدى، بل خلقنا لغاية عظيمة هي عبادة الله وإقامة دينه في أنفسنا وأهلينا قبل أن يختطفنا الموت ونحن نسوف ونماطل, وبساط العمر ينسحب من تحت أقدامنا دون أن نشعر، فالسعيد السعيد من اغتنم ساعات العمر فيما يجدي، السعيد السعيد من اغتنم ساعات القوة قبل أن يضعف، وساعات الصغر قبل أن يهرم، وساعات الصحة قبل أن يمرض، فمن ذا الذي يضمن لك القوة غدا؟! ومن ذا الذي يضمن لك الصحة غدا؟! بل من ذا الذي يضمن لك الحياة غدا؟!.
فاسمع -يا رعاك الله- إلى الصادق المصدوق وإلى من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، استمع إليه وهو يسدي مشفقا هذه النصيحة إلى الأمة، يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه من حديث ابن عباس: "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".
هذه الأشياء المذكورة في هذا الحديث من حياة وصحة وفراغ وشباب وغنى هي عطايا إلهية، الذي أعطاها قد ينزعها، والذي أعارها قد يطلبها في أي وقت، فهل يعقل أن يستعير الإنسان شيئا ولا يتوقع أن يعيده إلى أهله؟!.
فاحذروا -عباد الله- وبادروا بالأعمال الصالحة فتنا قد تحيط بكم، لا ينجي منها إلا الإيمان الصادق والمسارعة في الخيرات، يقول سبحانه: (سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:133-136].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من صفوته وأحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم المنان، الرحيم الرحمن، أنزل على عبده القرآن، وعلمه الحكمة والبيان، أحمده سبحانه حمدا كثير طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على صفوته من ولد عدنان، نبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
للأضحية -عباد الله- أحكام لا شك أنكم سمعتموها أكثر من مرة وحفظتموها، ولكن لا بأس أن نذكر بشيء يسير منها في هذا اليوم المبارك.
فالأضحية سنة مؤكدة على رأي جمهور العلماء، ومنهم من يرى أنها واجبة مع السعة والاستطاعة، ووقتها بعد صلاة العيد، ولا تصح قبلها لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما اتفق عليه الشيخان من حديث البراء: "من ضحى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين"، أما آخر وقت الأضحية فهو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق.
ويستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه، وأن يحد المدية وأن يريح الأضحية، ويضجعها على جنبها الأيسر مستقبلة القبلة، ويسم الله عليها فيقول: "بسم الله، الله أكبر، اللهم منك وإليك، اللهم تقبلها مني"، وإن اكتفى بـ"بسم الله" فلا بأس.
ويحرم بيع أي شيء من الأضحية حتى الجلد، ويشرع الأكل منها والإهداء والتصدق لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير) [الحج:27]، إلى غير ذلك من أحكام، نسأل الله أن يوفقنا إلى إقامتها.
إخوة الإيمان: يوم العيد يوم إحسان وصدقات، يجب أن نتفقد فيه فقراءنا ومحتاجينا، يجب أن ننظر فيه بعين العطف إلى الأرامل والأيتام، ويجب أن نطعم فيه البائس والغريب وابن السبيل، هكذا يكون المجتمع المسلم، وهكذا يريده الله أن يكون حيث يقول سبحانه عن المؤمنين الصادقين: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)[الإنسان:8-10].
ويجب أن نتذكر ونحن نذبح ضحايانا ونأكل من لحومها, ونحيا حياة بحبوحة ورفاهية إخوانا لنا في فلسطين وفي مشارق الأرض ومغاربها, يحيون حياة الجوع وحياة الخوف وحياة العوز والمشقة، فندعو لهم بظهر الغيب، ونتضامن معهم بقلوبنا ودعواتنا، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
فاللهم يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين، فرج هموم أمة محمد خليلك وحبيبك، وانصرها على من عاداها يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا..
التعليقات