عناصر الخطبة
1/معنى عيادة المريض 2/ حُكم عيادة المريض 3/فضائل عيادة المريض 4/من فوائد عيادة المريض 5/آداب عيادة المريض.اقتباس
ومن فوائد عيادة المريض: أنْ يعلم المرءُ مِقدارَ ضعفِه، ويتذكَّر مصيرَه ومآله، فيستعد لذلك بالتزود من الصالحات؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عُودُوا الْمَرْضَى، وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ؛ تُذَكِّرُكُمْ الآخِرَةَ".....
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: عيادة المريض هي زيارته وتفقُّده، فيزور المرءُ أخاه ويتفقَّده إذا أصابته عِلَّةٌ أو ضَعْفٌ يخرج به جسمُه عن حدِّ الاعتدال والصحة، وتكون هذه العيادةُ سببًا لنشاطه، وانتعاش قُوَّته.
واختلف الفقهاءُ في حُكم عيادة المريض على أقوال، والراجح منها: أنَّ عيادة المريض سُنَّةٌ أو مندوبةٌ، وقد تصل إلى الوجوبِ في حقِّ بعض الأفراد دون بعض، وهو مذهب الجمهور. ونقل النوويُّ الإجماعَ على عدم الوجوب على الأعيان.
وتُكره عيادةُ المُبتدع، بل تحرم على العالِم عيادةُ صاحب البدعة المُجاهِر بها؛ لِمَا يترتَّب على ذلك من المفاسد وإغراء العامة باتِّباعه، وحُسنِ طريقته. وتجوز عيادةُ الفاسق، في الأصح؛ لأنه مُسلم، والعيادةُ من حقوق المسلمين.
عباد الله: جاء الترغيبُ في عيادة المريض في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- يَقُولُ -يَوْمَ الْقِيَامَةِ-: يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ؛ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ؛ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ..."(رواه مسلم).
ولا ريب أنَّ المَرَض يستحيل على الله -تعالى- لأنه؛ صِفَةُ نقص، واللهُ -سبحانه وتعالى- مُنَزَّه عن كلِّ نقص، ولكن المراد بالمرض: مَرَضُ عبدٍ من عِبادِ الله الصالحين، وأولياءه المتقين، الذين هم خاصَّتُه، فإنَّ اللهَ -تعالى- يكون عنده، ولهذا قال: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ؛ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ".
ولم يقل: "لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي"؛ كما قال في الطعام والشراب، بل قال: "لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ"، وهذا يدل على قُرب المريض من الله -عز وجل-، وهو حريّ بإجابة الدعاء إذا دعا، وفيه دليل على استحباب عيادة المريض، وأنَّ الله -تعالى- عند المريض، وعند مَنْ عادَه، وله ثوابٌ عظيم من الله -تعالى-؛ لقوله: "لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ".
وقد أمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعيادة المريض؛ كما في قول البراءِ -رضي الله عنه-: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ..."(رواه البخاري ومسلم).
وعيادة المريض حقٌّ للمسلم على أخيه المسلم؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"، وذكر منها: "وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ"(رواه مسلم). ويتأكَّد هذا الحق إذا كان المريض من ذوي الأرحام أو كان جارًا.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "عِيَادَةُ الْمَرِيضِ أَوَّلَ يَوْمٍ سُنَّةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ"(رواه الطبراني في "الكبير"). قال العجلوني: "ومراده بالسُّنة: سُنَّةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، كما هو الصحيح في المسألة. ولعله أراد أنَّ الزيارة أول يوم مُتأكَّدة غاية التأكيد، وإلاَّ فهي سُنَّةٌ مُطلقًا".
وعيادة المريض تكون من أيِّ مرضٍ، وليس بلازم أنْ يكون المرض خطيرًا، أو شديدًا، وإنما تكون العيادة في مختلف الأمراض، ولو كانت سهلة؛ لحديث زيد بنِ أرقَمَ -رضي الله عنه- قال: "عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنَيَّ"(حسن: رواه أبو داود). ولعموم قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ..."(رواه البخاري).
وتُستحب عيادة المريض؛ ولو كان مُغمى عليه، أو فاقدًا للحس والإدراك؛ لحديث جابرِ بنِ عبدِ الله -رضي الله عنه- قال: "عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ..."(رواه البخاري ومسلم). وفي عيادة المُغمى عليه جبرٌ لخواطر أهله وذويه، مع ما يُرجى من إجابة الدعاء، وتحصيل الأجور العظيمة من هذه العيادة.
وعيادة المرضى مشروعة لَمَنْ يُعْرَف ومَنْ لا يُعرَف من المسلمين كافة، ويستوي في ذلك القريب والأجنبي، إلاَّ أن عيادة القريب ومَنْ يعرفه -كالجار والصديق- آكَدُ وأفضل لعموم الأحاديث، وتُستحب عيادة الأطفال الصغار؛ فقد صح أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد صبيًّا لإحدى بناته.
وتُشرع عيادة الكافر ونُصْحُه -إنْ تيسَّر له ذلك؛ لِمَا صحَّ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد أبا طالب وهو كافر، ولقول أنسٍ -رضي الله عنه-: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ". فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ -وَهْوَ عِنْدَهُ- فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ"(رواه البخاري).
عباد الله: ومما جاء في فضل عيادة المريض وثوابها؛ أنَّ العائد ما يزال يجني من ثمارِ الجنة ونعيمِها حتى يرجع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا؛ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "جَنَاهَا"(رواه مسلم). وفي رواية أخرى - لمسلم: "عَائِدُ الْمَرِيضِ؛ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ".
وعائد المريض تُصلِّي عليه الملائكةُ وتستغفر له؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ"(صحيح: رواه الترمذي). وفي رواية: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا إِلاَّ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ"(صحيح موقوف: رواه أبو داود).
ويدعو له أهلُ السماء؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ؛ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً"(حسن: رواه الترمذي وابن ماجه).
وهو في ضَمانِ اللهِ -تعالى- أنْ يُنجِيَه من أهوال يوم القيامة ويُدخِلَه الجنة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ"(صحيح: رواه ابن حبان والحاكم).
ومن فوائد عيادة المريض: أنْ يعلم المرءُ مِقدارَ ضعفِه، ويتذكَّر مصيرَه ومآله، فيستعد لذلك بالتزود من الصالحات؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عُودُوا الْمَرْضَى، وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ؛ تُذَكِّرُكُمْ الآخِرَةَ"(حسن: رواه أحمد والبزار).
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
عباد الله: هناك آدابٌ لعيادة المريض، فمن أهمها: استحبابُ الدعاءِ للمريض بالشفاء، وتذكيرِه بالصبر؛ لحديث عائشة بنتِ سعدِ بن أبي وقاصٍ -رضي الله عنهما-؛ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ: اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ، فَجَاءَنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُنِي، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ"(صحيح: رواه أبو داود).
ومن الأدعية الواردة التي يُستحبُّ للعائد أنْ يدعوَ بها للمريض: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-؛ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَالَ عِنْدَهُ - سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ؛ إِلاَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ"(صحيح: رواه أبو داود).
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-؛ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا"(رواه البخاري ومسلم).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-؛ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: "لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"(رواه البخاري).
كما يُستحب تذكير المريض بوصية النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الاستشفاء؛ بأنْ يرقِيَ المريضُ نفسَه، فقد جاء عثمانُ بنُ أبي العاص -رضي الله عنه- يشكو وجَعًا في جسده -منذ أسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ -ثَلاَثًا-. وَقُلْ -سَبْعَ مَرَّاتٍ-: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ"(رواه مسلم).
وفي رواية: "امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ". قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ -عز وجل- مَا كَانَ بِي، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ.(صحيح: رواه أبو داود والترمذي).
ويُبشِّر المريضَ بالعافية، ويُذَكِّره بالأجر؛ عَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَرِيضَةٌ - فَقَالَ: "أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلاَءِ! فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ؛ كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ"(صحيح: رواه أبو داود). فهذه الزيارة تُقوِّي عزيمة المريض، وتغرس فيه الأمل والتفاؤل بالشفاء، متى ما صبر واحتسب الأجر عند الله -تعالى-.
وينبغي على الزائر ألاَّ يُكثرَ على المريض في السؤال عن المرض وأوصافه وأحواله، فبعض الزائرين يرتكب من الحماقة ما هو أشد على المريض من المرض نفسه.
ومن الآداب: المسارعة إلى عيادة المريض، ويُفهم هذا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ"(رواه مسلم). فالعطف بحرف الفاء يفيد التعقيب. ولا سيما إذا كان المرض خطيرًا يُخشى على المريض من جرائه الموت، ولم يتأذَّ من الزيارة فتكون الزيارة مباشرة، وأما إذا كان المرضُ مرجُوَّ البُرء فتكون الزيارة على حسب المقدور.
ومن أهم آداب عيادة المريض: اختيار الوقت المناسب للعيادة، فلا تكون في وقت راحته ونومه، وإنما في الأوقات التي يستعد فيها لاستقبال الزوار، ومن الأهمية بمكان الاستئذان قبل العيادة، وتخفيفها، وعدم تكرارها في اليوم، إلاَّ إذا رغب المريض في ذلك، وأكثرُ الناس لا يعرفون هذا الأدب، فيجلسون عند المريض الساعات الطوال، مما يشق عليه ويستحي منهم.
ومن الآداب: أن يحمد الزائرُ ربَّه على العافية؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً؛ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاَءُ"(حسن: رواه الترمذي).
التعليقات