عناصر الخطبة
1/شدة الفرح بفتح المساجد 2/ثلاث نعم ينبغي الفرح بها 3/تأملات في فيروس كورونا 4/التحذير من الفرح المذموم 5/شكر وعرفان.اقتباس
كنا نحمدُ اللهَ صبرًا، والآنَ نحمدُه شُكرًا، واللهِ ما ندريْ يا ربَّنا بأيِ شيءٍ نحمدُك، ولكنْ ثَمَّتَ ثلاثُ نعمٍ حاضرةٍ ظاهرةٍ: نحمدُك أنْ كنا تحتَ قيادةٍ رحيمةٍ كريمةٍ حازمةٍ، ونحمدكَ أنْ عُدْنا لمساجدِنا، ولكثيرٍ من معايِشِنا، ونحمدُ اللهَ أن سلِمْنا فعِشْنا أصحَّاءَ، وحَيِيِنا فتزوَّدْنا منَ الصالحات...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ على بلوغِ هذهِ اللحظةِ المفرحةِ، بعدَ مُضيِ إحدى عشرةَ جمعةً, الحمدُ للهِ على نعمائهِ بعدَ لُطفِ بلائهِ، والحمدُ لكَ ربَّنا على إجابتِك لدعائِنا ببلائِنا؛ فأجلَيتَ عنا أكثرَ الغمةِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ القويُ العزيزُ الذي خَلقَ ما لا نَراهُ، فطافَ العالَمَ يُمرِضُ ويُميتُ؛ لأنَّ اللهَ إذا أرادَ (أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[البقرة: 117], فتَصاعَدتِ الأرقامُ برغمِ الاحترازاتِ بكلِ الأسبابِ, (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)[الرعد: 41], وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أكثرُ الخلقِ بلاءً، وأعظمُهم صبرًا وشكرًا وارتضاءً، فصلى اللهُ وسلمَ عليه، وعلى آلهِ وصحبهِ السائرينَ على نهجهِ اتَّساءً.
أما بعدُ: فيا "رَبَّنا مَا أَمْجَدَكَ وَأَجْوَدَكَ، وَأَرْأَفَكَ وَأَلْطَفَكَ، وَأَرْحَمَكَ وَأَعْلَمَكَ، وَأَقْدَرَكَ وَأَقْهَرَكَ، وَأَخْيَرَكَ وَأَشْكَرَكَ، وَأَحْلَمَكَ وَأَحْكَمَكَ!.
رَبَّنا مَا أَجْزَلَ عَطَاءَكَ، وَأَجَلَّ ثَنَاءَكَ، ومَا أَحْسَنَ بَلَاءَكَ، وَأَسْبَغَ نَعْمَاءَكَ!.
رَبَّنا مَا أَعْظَمَ عَرْشَكَ، وَأَشَدَّ بَطْشَكَ, وَمَا أَعْظَمَ مِنَّتَك، وَمَا أَعْرَضَ جَنَّتَكَ!.
رَبَّنا وَمَا أَسْرَعَ فَرَجَكَ، ومَا أَقْرَبَ فَتْحَكَ، وَأَحْسَنَ مَدْحَكَ!.
رَبَّنا مَا أَوْسَعَ رِزْقَكَ، مَا أَوْفَى عَهْدَكَ، وَأَنْجَزَ وَعْدَكَ!"(باختصار وتصرف من: العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني).
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 34]
ألا إن ليلةَ الأحدِ الماضي كليلةِ عُرسٍ لأحدِنا، وقد فَرِحنا بعيدَينِ؛ بعيدِ الفطرِ, ثم بعدَ ثلاثٍ بعيدٍ آخرَ؛ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى: 11]
وشعورُ الغائب المُشــتاقِ *** دَهْرًا وهوَ عائدْ
كالإيَابِ الفَخْم هذا *** نحنُ أُبْـنا للمَساجدْ
دخلُوا مساجدَهم و(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)[الأعراف: 46], دَخلُوها (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[آل عمران: 170], وما أشبهَهُم بالداخلينَ للجنةِ الذينَ (إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ)[الزمر: 73].
أتلومُهمْ في شوقِهمْ؟! أتلومُهمْ أنْ جَرى الدمعُ على خدودِهمْ حينَ دَخلوا المساجدَ، بعدَ أنْ أُغلِقتْ ثلاثَمائةٍ وإحدى وسبعينَ صلاةً صَلَوها بالبيوتِ؟! وفي كلٍ خيرٌ.
فيا مَنْ فرِحَ بفتحِ المساجدِ أكثرَ منْ فرحِه بفتحِ أسبابِ المعايشِ: أبشِر ببشارةِ اللهِ لرجالٍ أحَبُّوا بيوتَ اللهِ؛ لأنهمْ (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ)[النور: 37], والجائزةُ أن يَجزيَهمُ (أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور: 38].
فلنَفرَحْ بجميلِ صُنعِ اللهِ لنا بأزْمَتِنا، أصابتْنا المصيبةُ فرحِمَنا، وابتلانا فلطَفَ بنا, وتفضلَ علينا؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]
كنا نحمدُ اللهَ صبرًا، والآنَ نحمدُه شُكرًا، واللهِ ما ندريْ يا ربَّنا بأيِ شيءٍ نحمدُك، ولكنْ ثَمَّتَ ثلاثُ نعمٍ حاضرةٍ ظاهرةٍ: نحمدُك أنْ كنا تحتَ قيادةٍ رحيمةٍ كريمةٍ حازمةٍ، ونحمدكَ أنْ عُدْنا لمساجدِنا، ولكثيرٍ من معايِشِنا، ونحمدُ اللهَ أن سلِمْنا فعِشْنا أصحَّاءَ، وحَيِيِنا فتزوَّدْنا منَ الصالحات؛ (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)[آل عمران: 174], (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأنفال: 17].
مرَّ شهرانِ ونصفٌ والناسُ قدْ (ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ)[التوبة: 118], (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)[الأحزاب: 11].
وإنْ يَسلبهُم الفيروسُ صِحتَهم (لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)[الحج: 73], وقدِ انقلبتْ حربًا ضَروسًا، كان المُنتصرُ لأشهُرٍ فَيروسًا، ثمَّ كَفى (اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)[الأحزاب: 25].
مِنْ أينَ أتى وباءُ كورونا؟! مِنَ الصينِ!, لا، بلْ (إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)[هود: 33].
ومَنِ الذي رَفَعه؟! إنما رَفَعه الذي: (يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل: 62], (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الأنعام: 17].
أما الطِبُ فسببٌ نفعَ اللهُ ببعضِه، وأما تعاوُنُ المجتمعِ فمشكورٌ، وأما حَزمُ القطاعاتِ الأمنيةِ فظاهرٌ، وبِهِ نُفاخِر.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فإياكَ بعدَ الحجْرِ والحظْرِ أنْ تَفرَحَ فرَحَ فخرٍ وبطَرٍ، أو تَعودَ بلا حَذَرٍ؛ فتَجلِبَ الضررَ، فتكونَ كمَنْ ذمَّه اللهُ؛ فقال: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)[هود: 10].
(فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19], لئن كانَ في رمضانَ العامَ تَرْوَحَ بالمساجدِ خمسُ مئةِ إمامٍ، فلقد تَرْوَحَ بالبيوتِ خمسةُ آلافٍ.
ولئنْ ضجَّ وضجِر العالَمُ بأرواحٍ خُواءٍ، فلقد تَفيأَ المسلمونَ أجواءً روحانيةً رمضانيةً، حتى لكأنَ الشهرَ أسبوعٌ, (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)[التوبة: 124].
وكنا منذُ سنوات ٍنقولُ: "اللهم سدِدْ جنودَنا في حدودِنا"، والآن نُضيفُ في دعائِنا: "اللهم سدِدْ جنودَ الصحةِ ووزيرَها المتفانيَ، واحفظهُمْ، واجزِهمْ معَ جنودِ الحدودِ، وجنودِ المدنِ والمداخلِ، ووزارةِ الداخليةِ والتعليمِ خيرًا كثيرًا"، وأما المُنفِقونَ والمتطوِّعونَ في الإيواءِ والحَجْرِ والتفطيرِ والتطوعِ، فبارَكَ اللهُ في أعمارِهم وأعمالِهم، وأموالِهم, اللهم واجْزِ جنودًا آخرينَ لا نَعلمُهم، اللهُ يعلمُهم.
أما خادمُ الحرمينِ ووليُ عهدِهِ؛ فاللهم اجزِهِما خيرَ ما تَجزيْ رعيةً عنْ راعِيهم، اللهم سدِدهمْ على وَقفتِهمُ الحانيةِ، وهَبَّتِهمُ غيرِ المُتوَانيةِ، وحاتَميَتِهمُ المُتفانيةِ، بينَما دُولٌ في عيونِنا تناهَتْ، لكنها تاهَتْ وتهاوَتْ, فاللهم زِدْنا أمنًا وإيمانًا، ومنَ الوباءِ إحصانًا.
والحمدُ للهِ على أنْ دفعْتَ الضُرَ، وكففْتَ الشرَ, ربَنا أتمَّ علينا تمامَ زوالِه, (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)[البقرة: 155], وما نقصَ مِنَ الأموالِ والأنفسِ والثمراتِ فعسى (رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ)[القلم: 32].
اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60], وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ، أَلاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.
التعليقات