عناصر الخطبة
1/أسباب وأد البنات في الجاهلية 2/كثرة حالات الإجهاض في عصرنا 3/انتشار الفواحش سبب لقتل المواليد 4/حلول هذه المشكلة وعلاجهااقتباس
فانتشرت في أكثر بلاد المسلمين وسائل منع الحمل دون ضوابط، وعيادات الإجهاض دون رقابة أو وجل، أو مساءلة من أحد أو خوف من الله، وما تجاوز ذلك من الحمل الناشئ عن الزنا، فإن مواليد يُقتَل كثير منهم عند ولادته، مما يدق نواقيس الخطر...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونهى عن قربانها وقايةً من الرزايا والمحن، وحَظَرَ وسائلها لِما فيها من نشر المخاطر والفتن، وتوعَّد دُعاتها بالعذاب الأليم، وعاقب مرتكبها بالحدِّ الجسيم؛ غيرةً على العباد، وتطهيرًا للبلاد، وسدًّا لباب الهلكة والفساد، والصلاة والسلام على أغير الناس على المحارم، وأبغضهم للمناكر والجرائم، المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق، ويحفظ الأنساب والأعراق، ويزكِّي النفوس والقلوب من أمراض الشهوة والنفاق، صلى الله عليه وعلى آله المبرئين الأطهار، وأصحابه الأكارم الأخيار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -تعالى- وراقبوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المسلمون: كان من عادة أهل الجاهلية وأد البنات -وهو دفنهن أحياء-؛ لأسباب كثيرة من أشهرها: خوف العار، والحذر أن تأتي إحداهن بفاحشة يعير بها أهلها وقبيلتها، قال -تعالى-: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[النحل: 57 - 59].
فالله -تعالى- يصف حالهم عندما يبشر أحدهم بولادة الأنثى، وما ينتابه من الغم والحزن، ثم كيف يتصرف، إما بإمساكها وتربيتها على هون واستحياء، وإما بدسِّها في التراب؛ لتموت ويرتاح منها، يقول -سبحانه-: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 8، 9]، وهو سؤال تبكيتٍ لقائلها وتوبيخ شديد، بصرف الخطاب عنه وإسقاطه من درجة الاعتبار، فدل على شناعة هذا الفعل، وقسوة قلب فاعله، وسقوط المجتمع الذي يقر تلك العادات الشنيعة.
وقد أبطل الإسلام ذلك الفعل الشنيع على اختلاف أنواعه، بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والإجماع المتيقن، واعتبره معلمًا قبيحًا من معالم الجاهلية، حتى إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتبر العزل -وهو أحد طرق منع الحمل- من الوأد الخفي، كما في صحيح مسلم وغيره، غير أن الجاهلية الغربية المعاصرة القائمة على الفاحشة والخَنَا والرذيلة والزنا، رغم تشدقها بحقوق الإنسان، قد أَحْيَتْ جريمة الوأد للذكور والإناث بصور مختلفة، وذلك بالإسراف في نشر وسائل منع الحمل، وتشجيع النساء عليه، وبإباحة الإجهاض ونشره وتشجيعه، ففي أمريكا وحدها يحدث مليون وثلاثمائة وسبعون حالة إجهاض في السنة، بنسبة 67% منهن نساء غير متزوجات.
وهناك فرق بين غرض الجاهليتين في ذلك، فالعرب الجاهليون يفعلونه مخافة المسبَّة والعار الذي قد يحدث في المستقبل؛ لأنهم أهل غَيرة وشهامة، والموت أهون عندهم من العار، وأما الجاهلية المعاصرة فلا تعرف غَيرة، ولا تمتلك شهامة، ولا تتحلى بفضيلة؛ ولذلك فإنها تبيح الوأد حرصًا على نشر الرذيلة، وتكريسًا للفاحشة، وتشجيعًا للناس على التوسع في الفواحش، دون خوف من عار أو مسؤولية.
وللأسف فإنه قد وُجد في الأمة الإسلامية من يتابع دعاة الجاهلية في ذلك، فغدَوا أكثر وحشية وفحشًا وقبحًا وجرمًا من رجال الجاهلية الأولى، جاهلية أبي جهل وأبي لهب، فانتشرت في أكثر بلاد المسلمين وسائل منع الحمل دون ضوابط، وعيادات الإجهاض دون رقابة أو وجل، أو مساءلة من أحد أو خوف من الله، وما تجاوز ذلك من الحمل الناشئ عن الزنا، فإن مواليد يُقتَل كثير منهم عند ولادته، مما يدق نواقيس الخطر، ويؤذن بحلول الكارثة، وينذر بمصير أسود لتلك المجتمعات.
عباد الله: نحن لا نتحدث عن خيالات وأوهام، ولا ننقل أخبارًا سمعناها وشاهدناها عبر الإعلام، وإنما نتحدث عن وقائع مؤلمة، وحقائق مُرَّة، قد ظهرت آثارها في بلادنا وبين ظهرانينا، ففي عام ألفين وخمسة ميلادي 2005م، كانت هناك أربع حالات قتل أطفال لقطاء حديثي الولادة بمديريات الساحل، وأما هذا العام 2006م فالمؤشرات تدل على أن ذلك سوف يتضاعف، ففي الفترة الماضية من هذا العام التي لا تزيد على خمسة أشهر وعدة أيام، هناك أربع حالات في هذه المديريات، ونشرت بعض الصحف في عدد قريب خبرًا مفجعًا لطفلة حديثة الولادة قد ذبحتها أمها بالسكين، ورمتها في مكان مهجور في عدن!.
كيف حصل هذا في هذه البلاد؟! كيف وُجدت الجرائم المضاعفة في بلد الإيمان والحكمة؟! كيف وصل أمر الزنا إلى هذا الحال؟! وكيف وصلت تلك الزواني بعد أن فَقَدْنَ العفة والطهارة والإيمان، إلى فقد الأمومة والحنان، بل والإنسانية، والنـزول إلى درجة أقل من درجة الحيوان؟ فما هناك حيوان يقتل أولاده كما تفعل هؤلاء الأمهات.
أيها الناس: إن هذه الحالات التي ظهرت لم تأتِ من فراغ، ولم تخرج علينا بغتة، ولكنها نتاج طبيعي لانتشار الفاحشة وتوسعها، والله -سبحانه- حليم ستير، لا يفضح الإنسان أو الجماعة من أول زَلَّة، وأقل انحراف، وإنما يُمْهِل، حتى إذا تمادوا في غيهم واستمرأوا سبيل الغي، فضحهم وسلط عليهم، إذًا فالأرقام التي ذكرت تُخفي وراءها أحجامًا كثيرةً من الفساد والانحراف، وجهودًا كبيرةً لدعاة الرذيلة ومروجي الفساد، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتدلل على أن مجاميع من شبابنا وشاباتنا قد خُدعوا بتلك الدعوات، واستجابوا لتلك الأصوات، وانغمسوا في الرذائل والشهوات، وُحْدانًا وزرافات، وأن كثيرًا من أرباب الأسر قد نُزعت منهم الغيرة، وتخلوا عن القوامة والمسؤولية والأمانة التي جُعلت في أعناقهم تجاه أسرهم، آباء لم يرعَوا بناتهم، أزواج لا يغارون على زوجاتهم، إخوة لا يحوطون بالرعاية أخواتهم!.
إنها نُذُرُ شرٍّ وملامح أخطار، ومقدمات سقوط في هُوَّةِ الدياثة، وإقرار الخبث في الأهل وأفراد الأسر، وذلك موجب للسقوط من عين الله، وللوقوع في حمأة الذل والهوان ونزول العقوبات، ومع أن المتوقع من مجتمعنا أن تهزه تلك الأحداث، وأن تثيره تلك الجرائم التي لم يعهدها وليست من أخلاقه ولا من موروثه، فيتداعى للإصلاح، ويتشاورَ في سبل الخروج من هذه الظواهر المزعجة، فيحقق وظيفته السامية وسبب خيريته، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، كما أمر الله -جل وعلا- بقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104]، ويحذروا سبب اللعن والطرد من رحمة الله، وسبب الذل والهوان على الناس، كما قال -تعالى- عن بني إسرائيل: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[المائدة: 78].
كما أنه من الواجب المحتم على ولاة الأمور والمسؤولين أن يحاربوا تلك الجرائم ويُزِيلوا أسبابها، ويقيموا الحدود والتعزيرات على من ثبت عليه شيء منها، قيامًا بوظيفتهم التي أقامهم الله في هذه المناصب للقيام بها، كما قال -جل جلاله-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 41]، هذا واجبهم، لكننا نشهد عكس ذلك من نشر وسائل الفساد، وإقامة أسباب الفاحشة والمهيِّجات عليها.
ففي خلال الأسبوعين الماضيين حدث من السهرات الماجنة، المشتملة على اختلاط الرجال بالنساء، أمام المغنيين بل وبعض المغنيات والراقصات، مع كثافة الحضور والتشجيع عليه، وامتداد تلك الأمسيات في بعض الليالي إلى الفجر، خصوصًا ما حدث في الليلة الأخيرة ليلة الطرب والمطربين، حيث تفاعل الجمهور، وخرج بعضهم عن الحياء، ووصل الأمر إلى قيام بعض النساء بالرقص أمام الجمهور، بل أمام عدسات المصورين ووسائل الإعلام، وهو أمر يغضب الله -عز وجل-، ويجلب عقابه، ويسوء المؤمنين الصادقين، ويفطر قلوب الغيورين، ويستفز مشاعر الشباب المتحمسين، مما قد يعجل بعقوبة لا ندري من أي جهة تهبط علينا على حد قول الله -عز وجل-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)[الأنعام: 65].
إنه من المحتمل حلول أي واحدة من هذه العقوبات؛ من الخسف والمسخ والقذف، أو هيجان موجة صدامات بين أفراد المجتمع، أو بينهم وبين الدولة، كل ذلك إذا تمادينا وكرَّسنا المعاصي، ولم يقم منا أحد بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 30].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات