عناصر الخطبة
1/ الحكمة من إرسال الرسل وتشريع الشرائع 2/ التزام المؤمن بأوامر الله ورسوله 3/ هدي السلف الصالح في الطاعة والانقياد 4/ فساد أحوالنا عندما لم نسمع جيدًا ونطيع 5/ ارتباط الفلاح والسعادة بالطاعة لله ورسولهاهداف الخطبة
اقتباس
والمؤمن هو أكثر الناس التزامًا بأوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يدرك الحكمة من خلقه، ويعلم أنه يعبد ربًّا عليمًا حكيمًا قادرًا، الأرض أرضه، والسماء سماؤه، والأمر أمره، والحكم حكمه، فلا مناصَ مِن التسليم والمسارعة والتنفيذ لأمره بحب ورغبة وطاعة وانقياد ..
الحمد لله فاطر الأرض والسماوات، عالم الأسرار والخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكمًا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفَهم ولا يحيطون به علمًا.
لا تدركه الأبصار، ولا تغيره الدهور والأعصار، ولا تتوهّمه الظنون والأفكار، وكل شيء عنده بمقدار؛ أتقن كلَّ ما صنعه وأحكمه، وأحصى كلَّ شيء وقدره، وخلق الإنسان وعلّمه.
فَلَـكَ المحامِدُ والثناءُ جَميعُهُ *** والشُّكْرُ مِن قلبي ومِن وِجْدَاني
فَلأَنْتَ أَهْلُ الْفَضْلِ والمنِّ الَّذِي *** لا يستطيعُ لشُكْـرِهِ الثَّقَلان
أَنْتَ الْقَوِيُّ وَأَنْتَ قَهَّارُ الْوَرَى *** لا تُـعْجِزَنَّكَ قُـوَّةُ السُّلْطَان
فَلَكَ الْمَحَامِدُ والمدائحُ كُلُّهـَا *** بِخَوَاطِرِي وَجَوَانِحِي وَلِسَاني
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مَن عرف الحق والتزمه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صدع بالحق وأسمعه، اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسائر من نصره وكرمه. وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْد:
عباد الله: لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الخلق وأمرهم بعبادته واتباع رسله، والتقيد بأوامره، وذلك هو الدين القيم الذي ارتضاه لعباده، فخلْق الإنسان لم يكن عبثًا، ولم يترك سدى، قال -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116].
ومن أجل أن يخرج الإنسان من حياة العبثية ومن حياة الاستهتار واللا مسؤولية أُرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وشُرعت الأحكام، وأُمر الناس بالاتباع والتقيد بأوامر الشرع؛ ذلك أن الدين يعني الالتزام بالأحكام والتكاليف، واجتناب النواهي والمحرمات، وهذا الأمر ابتلاء للعباد من ربهم، قال -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2].
والمؤمن هو أكثر الناس التزامًا بأوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يدرك الحكمة من خلقه، ويعلم أنه يعبد ربًّا عليمًا حكيمًا قادرًا، الأرض أرضه، والسماء سماؤه، والأمر أمره، والحكم حكمه، فلا مناصَ مِن التسليم والمسارعة والتنفيذ لأمره بحب ورغبة وطاعة وانقياد.
ويُدرك المؤمن أنه يتبع رسولاً أرسله ربه، فلا ينطق عن الهوى، فوجب اتباعه في قوله وفعله، ويعتقد أن من وراء ذلك موتًا ويومًا آخر يجتمع فيه العباد إما إلى جنةٍ وإما إلى نار، فلا يسعه بعد ذلك إلا المسارعة إلى الالتزام والتنفيذ، وتلك والله ثمرة من ثمار الإيمان في حياة الفرد والمجتمع المسلم؛ ولذلك وصف الله المؤمنين بقوله: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].
عباد الله: لقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- أفقه الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدينهم، كانوا إذا سمعوا في كتاب الله: (يا أيها الذين آمنوا)؛ أنصَتوا، فإنما هو أمر يأتمرون به، أو نهي ينتهون عنه، فكانت لهم السيادة في الأرض، والقبول عند رب الأرض والسماء، والفوز بموعود الله: الجنة، وذلك خير الجزاء.
كان ثابت بن قيس بن شماس -رضي الله عنه- جهوري الصوت، وكان من خطباء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما نزلت هذه الآية تغيب في بيته، وصار لا يحضر مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم-، فافتقده الرسول وسأل عنه، فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية، فأرسل إليه رسولاً يسأله، فقال: إن الله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2]، وأنه قد حبط عمله، وأنه من أهل النار.
فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا به، فحضر، وأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من أهل الجنة، وقال: "أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا، وتدخل الجنة؟!"، قال: بلى رضيت. فقُتل -رضي الله عنه- شهيدًا في معركة اليمامة، وعاش حميدًا، وسيدخل الجنة بشهادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وظل أبو جندل بن سهيل بن عمر مكبلاً بالقيود في مكة بعد إسلامه، يلاقي إلى جانب ذلك العذاب والحرمان والسخرية والاستهزاء، فلما كان صلح الحديبية استطاع الهرب من سجنه، وجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيوده فرحًا مستبشرًا بلقاء أعظم إنسان عرفته البشرية، وما كان يعلم أن أباه سُهَيلاً هو مفاوض قريش مع رسول الله، وكان الاتفاق أن مَن جاء إلى محمد مِن قريش فإنه يرجع، ومن جاء من محمد إلى قريش فإنه لا يرجع، فماذا يفعل رسول وهو يرى أبا جندل قد أعياه التعب، والقيود قد أثرت في جسده؟! وبالمقابل بينه وبين القوم عهد، وهو لا يخلف عهدًا -صلى الله عليه وسلم-.
فقال سهيل بن عمر: هذا أول مَن أقاضيك عليه يا محمد! فرُدَّه عليّ، فأمره -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع، فكان يقول: تردني إليهم -يا رسول الله- يفتنوني في ديني؟! فيقول -صلى الله عليه وسلم-: سيجعل الله لك فرجًا ومخرجًا. فسمع الأمر، والتزم التكليف، وهو يعلم أنه ربما يفقد حريته وحياته؛ لكنه الإيمان، وهذه آثاره، هذه معاناةٌ واحدة من آلاف الحوادث والمآسي التي تحمّلها المسلمون في سبيل دينهم وعقيدتهم، وهم -مع هذا كله- مستشرفين لأمر الله وأمر رسوله ليطبقوه، فلا يبلغهم أمرٌ لله ولرسوله إلا امتثلوه وطبقوه.
وصدق الله حيث قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [الأنعام: 36]، فهم سمعوا أحسن السمع وأفضله، فانتفعوا بالحق الذي أنزله الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
ويوم أن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتوجه إلى خيبر الذي كان وكرًا لليهود تدار منه وتخطط المؤامرات على الإسلام والمسلمين، علم اليهود بالمدينة بالخبر فغاظهم الأمر، وكانوا أصحاب أموال، فاتفقوا على أن يقوموا بحرب اقتصادية على المسلمين حتى يشغلوهم عن التوجه إلى خيبر.
فقام كل تاجر منهم يطلب الدَّيْن الذي له من المسلمين، وهم يعرفون ظروف المسلمين الصعبة، فجاء أبو الشحم اليهودي يطلب من الصحابي عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي خمسة دراهم كانت عنده، وأبو حدرد يقول له: أجّلني حتى نفتح خيبر، فيزداد أبو الشحم اليهودي غيظًا.
فشكاهُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أعطه حقه يا أبا حدرد"، فيقول: والله -يا رسول الله- لا أملك درهمًا! قال: أعطِه حقه، فخرج إلى السوق، وباع ثيابه التي كانت عليه، وأعطى اليهودي دراهمه. انظروا إلى هذا الالتزام، وإلى هذه الطاعة.
ويجلس ذلك الصحابي على جانب السوق، وتمر به امرأة من المسلمين فتقول له: ما بك يا صاحب رسول الله؟! فتشتري له ثيابًا.
وبعد أن فتح المسلمون خيبر غنموا مالاً وطعامًا كثيرًا، فكان نصيب عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي امرأة من اليهود وهي من سبايا الحرب، وكانت قريبة لأبي الشحم اليهودي، فجاء أبو الشحم إلى الصحابي يريد فكاك هذه المرأة، قال له: كم تدفع؟! قال: مائتي درهم، وأبو حدرد يرفع السعر حتى وصل المبلغ إلى ألف درهم، فقال عبد الله بعد ذلك: "والله لو كنت أعلم أن بعد الألف رقمًا لزدت". فالاتباع فيه الخيرية والنجاة والفلاح.
عباد الله: لقد حذّر الله -سبحانه وتعالى- عباده من المخالفة وعدم الالتزام، فما من صفات المؤمنين أَنْ تمر عليهم الأوامر والتعليمات الربانية ويسمعوها ثم لا يكون هناك عمل ولا تنفيذ ولا التزام، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [لأنفال:20-23].
في يوم من الأيام يسمع أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه-، وكان قد بلغ من العمر ثمانين عامًا، قول الله -عز وجل-: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة:41]، فقال لبنيه، وكانوا أربعة: يا بني: جهزوني، أريد الخروج في سبيل الله! قالوا: لقد عذرك الله! فأنت رجل كبير، وقد قاتلت وجاهدت مع رسول الله وأصحابه، ونحن نكفيك. قال: إن الله لم يعذر أحدًا، فقال: (انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً).
فخرج في جيش المسلمين لفتح القسطنطينية، ومات في السفينة، وظلوا سبعة أيام لا يجدون جزيرة ليدفنوه بها، حتى دفن تحت أسوار القسطنطينية.
ما الذي أخرجه إلا حبه لله ورسوله، وطاعتهما، والتزام أوامرهما؟! وكم هي الصور المشرفة في حياة هذه الأمة وسيرتها على مر الأزمان!
اللهم اهدنا بهداك، ولا تولنا أحدًا سواك. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إننا أمة تسمع وتطيع؛ بل وتجتهد في التنفيذ والتطبيق لأوامر الدين، فكانت تعيش في رخاء اقتصادي، وأمن مجتمعي، وعزة بين الأمم، وتطور حضاري، وتآلف بين أبنائها، ووحدة بين شعوبها.
وكان إذا حدث خلاف بين أبنائها جعلوا كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حكمًا بينهم.
وعندما لم تسمع جيدًا لأمر الله ورسوله قست القلوب، وصمت الآذان، وتجمدت الجوارح، وزاد العصيان، وظهر الاستهتار، وضعفت المسؤولية.
نسمع أوامر الدين ونواهيه في العبادات والمعاملات والبيع والشراء وفي السياسة والاقتصاد والإعلام وفي الأخلاق والسلوك، وحتى في العلاقات الزوجية، ومع ذلك تجد الضعف والتساهل واتباع الهوى وحظوظ النفس عند كثير من الناس، وذاك والله هو الحرمان والمقت وغضب الله.
وما ساءت الأحوال، وحدث الانحراف في السلوك، وزادت المعاصي، وحلّت النكبات على الأفراد والمجتمعات والدول إلا بسبب ذلك، قال -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً) [الطلاق:8].
في حياتنا الاجتماعية ظهر العقوق وقطيعة الأرحام؛ لأننا لم نطبق: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء:23].
وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض ظهر التعصب والكبر والسخرية والاستهزاء، وساءت الأخلاق، وسفكت الدماء؛ لأننا لم نطبق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].
بل وقرأنا قول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93]، ومع ذلك تسيل الدماء على أتفه الأسباب، تارة بسبب المذهبية والعصبية والطائفية، وتارة بسبب الجهل بالدين وسوء الفهم لنصوصه، وتارة بسبب متاع زائل ودنيا حقيرة، وملك ومنصب وكرسي للحكم لا يساوي عند الله شيئًا، فيُقتل شعب وتُشرد أمة، وتُهدم بيوت وتُدمر مدن بأكملها. فأين الاستماع الجيد، إن كنا مسلمين؟!
وفي معاملاتنا المالية ظهر الجشع والطمع والتعدي على الحقوق، وظهرت الرشوة والغش والخداع؛ لأننا سمعنا قوله -تعالى-: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188]، فعصيناه!!
بل وتعامل كثير من الناس بما حرم الله من الربا والغش والاحتكار وبيع ما حرم الله، فإن كنا مؤمنين؛ أين نحن من قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:278]، وأين نحن من قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) [المائدة:90].
وفي علاقاتنا السياسية والدبلوماسية رأينا الضعف والخور والجبن أمام أعدائنا، فهتكت الأعراض، واحتلت الأرض، وسفكت دماء هذه الأمة، وظهرت الخيانات، وتآمر الأخ على أخيه، وحوصر المسلم من إخوانه، ومنع عنه الطعام والدواء؛ بل وسعى الكثير إلى إرضاء عدوه مهما كلّفه ذلك؛ لأننا لم نسمع قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]، وقوله -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120].
عباد الله: مهما بلغ التطور الحضاري، وكثرت الاختراعات، وتمدّن الإنسان، وتعدّدت الصناعات، وصعد الإنسان إلى الفضاء، وتقارب الزمان، وتطور الطب، تظل نجاة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة مرتبطة بمدى استماعه وتطبيقه لأمر الله ورسوله.
وإذا لم نسمع جيدًا فلن يكون إلا الندم والبكاء والذل والهوان في الدنيا وفي الآخرة، قال -تعالى- عن هؤلاء الذين لم يسمعوا ويعقلوا: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:10]، فهل من توبة نصوح، ومراجعة صادقة، وعزيمة قوية لا تعرف الخور والضعف وأنصاف الحلول تجاه أوامر الدين؟!
فالطاعة لله ورسوله عبادةٌ وعقيدة، ومذهب كل مسلم، مهما تحدث الرويبضات والمنافقون والممسوخون فكريًّا، والمنبهرون بالغرب العلماني، عن أوامر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، فالله غالب على أمره ولو كره الكافرون؛ قال -تعالى-: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء:64].
فاللهم إنا نستغفرك من تقصيرنا وتفريطنا، اللهم دلَّنا على الحق، وأعنّا على اتباعه، وثبتنا عليه، حتى نلقاك، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
التعليقات