عناصر الخطبة
1/وجوب الإحسان إلى الوالدين 2/زيادة الإحسان إلى الأم 3/بر الوالدين بعد موتهما 4/الآثار الحسنة لبر الوالدين في الدنيا والآخرة 5/حث الأبناء على بر الوالدين وتحذيرهما من عقوقهمااهداف الخطبة
اقتباس
ليس في الوجود أحد -بعد الله سبحانه- أسدى إليك -أيها الإنسان- معروفاً أكثر مما أسدى إليك أبوك وأمك، فقد ربياك صغيراً، وآثراك على أنفسهما كبيراً، وكانا قبل ذلك السبب في وجودك وبروزك في الحياة شخصاً سوياً، فقد بذلا مهجهما وراحتهما، وما لهما لإنعاشك وإشعارك؛ إن مرضت مرضا معك، وإن سهرت سهرا معك، إن حضرت خافا عليك، و...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
سبق أن تحدثنا معكم في مناسبات سالفة عن علاقة المسلم بربه، ثم عن علاقة المسلم بنفسه، وهذا هو الجزء الثالث، عن علاقة المسلم بوالديه.
وذلك لأهمية هذا الموضوع، مما نشاهده ونسمعه في واقعنا، من جفوة كثير من الأبناء مع والديهم، فأحببت أن يكون هذا الموضوع تذكيراً لنفسي أولاً ثم لكم، عسى أن تحرك قلوبنا وتهز مشاعرنا، وتوقظ غفلتنا، لما يجب علينا من حقوق تجاه والدينا.
قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتماً *** فيا ويح شخص غير خالقه أمّا
وأوصاكموا بالوالدين فبالغوا *** ببرهما فالأجر في ذاك والرَّحما
فكم بذلاً من رأفةٍ ولطافةٍ *** وكم منحا وقت احتياجك من نُعما
وأمك كم باتت بثقلك تشتكي *** تواصلُ مما شقها البؤس والغما
وفي الوضع كم قاست وعند ولادها *** مُشقّا يذيب الجلد واللحم والعظما
وكم سهرت وَجداً عليك جفونها *** وأكبادها لهفاً بجمر الأسى تَحمى
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** حُنُوّاً واشفاقاً وأكثرت الضمّا
فضيعتها لما أسنت جهالة *** وضقت بها ذرعاً وذوقتها سمّا
وبت قرير العين ريّان ناعماً *** مكباً على اللذات لا تسمع اللوما
وأمك في جوع شديد وغربةٍ *** تلين لها مما بها الصخرة الصّما
أهذا جَزاها بعد طول عنائها *** لأنت لذو جهلٍ وأنت إذاً أعمى
أيها المسلمون: يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36].
أيها المسلمون: لقد خلق الله الثقلين لعبادته وحده، وأمرهم سبحانه بتحقيق ما خُلقوا له، وما أُمروا به ليحقق لهم تعالى ما وعدوا به: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا).
وبعد أن أمرهم تعالى بعبادته أمرهم أمر إيجاب وإلزام بالإحسان إلى الوالدين، بقوله: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36].
وقولهعز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23 - 24].
يروى عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها، إحداها: قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[التغابن: 12]فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
والثانية: قوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)[البقرة: 43]فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.
والثالثة: قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)[لقمان: 14]فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه".
أيها المسلمون: إن من تمام الوفاء، وكرم الأخلاق التي جاء بها الإسلام: أن تحسن محتسباً إلى من أحسن إليك، وفي هذا قول الله -جل وعز-: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60].
وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه".
وليس في الوجود أحد -بعد الله سبحانه- أسدى إليك -أيها الإنسان- معروفاً أكثر مما أسدى إليك أبوك وأمك، فقد ربياك صغيراً، وآثراك على أنفسهما كبيراً، وكانا قبل ذلك السبب في وجودك وبروزك في الحياة شخصاً سوياً، فقد بذلا مهجهما وراحتهما وما لهما لإنعاشك وإشعارك.
إن مرضت مرضا معك، وإن سهرت سهرا معك، إن حضرت خافا عليك، وإن غبت بكيا عليك، فمن أجل هذا، ومن أجل هذا، ومن أجل أن توفق لما أمرت به من طاعة الله، وبر الوالدين، فتسعد في دنياك، وتنعم في أخراك؛ أمرك الله -جل جلاله- ببرهما، والإحسان إليهما، والعطف عليهما، وخفض الجناح لهما، والترحم عليهما، ومخاطبتهما باللين والرفق، واليسر والحسنى، ووصاك بهما تعالى توصية مبنية حكمتها، توصية تستجيش المشاعر، وتهز القلوب: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)[الأحقاف: 15].
وقوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان: 14].
فاتقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه فيما أمركم من بر الوالدين وطاعتهما، فإن برهما وطاعتهما من أكبر القربات المقربة إلى الله، وعقوقهما وعصيانهما من أكبر السيئات المبعدة عن الله؛ روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
وعن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"[رواه البخاري وسلم].
فاتقوا الله -عباد الله- بِروا تبّروا، وأحسنوا يحسن الله إليكم، وأطيعوا الله في والديكم، يطع الله فيكم أولادكم.
واعلموا كذلك -رحمكم الله- أن بر الأم مقدم على بر الأب، وذلك لأنها تنفرد عن الأب بأشياء، منها مشقة الحمل وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاع، وكثرة الشفقة، وقلة النوم، وعظيم الخدمة والحنو.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك".
وروى البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: قدمت على أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: "نعم صِلي أُمَّكِ".
لئن كان بر الوالدين مقدّماً *** فما يستوي في بِرَّه الأبُ والأمُّ
وهل يستوي الوضعان وضع مشقة *** ووضع التذاذ ذاك بُرءٌ وذا سُقْمُ
إذا التفتت نحو السماء بطرفها *** فكن حذراً من أن يصب قلبك السّهم
وفي آية التأفيف للحر مقنعٌ *** ولكنه ما كل عبدٍ له فَهْم
أيها المسلمون: وليس بر الوالدين مقصوراً على الحياة فقط، فإن من تمام البر وكماله أن يبر الولد والديه، حتى بعد موتهما؛ فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبُرَّهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما".
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمارٍ كان يركبه، وأعطاه عمامة، كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير، فقال: عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُدَّ أبيه".
وقيل لعلي بن الحسين: "إنك من أبر الناس، ولا تأكل مع أمك في صفحةٍ؟ فقال: أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق إليه عيناها، فأكون قد عققتها".
فأين نحن -أيها الإخوة- في هذا الزمان من هذه النصوص التي تحثنا أن نبرَّ بأصدقاء آبائنا، ونحن -والعياذ بالله- مقصرون، حتى في حقهما الشرعي الواجب علينا.
ويا للأسف أننا في زمن أكثر أهله لا يرى للوالدين حقاً، بل يستهين بهما وينقصهما، وربما شتمهما أو ما هو أعظم من ذلك، فلهذا -ومع الأسف- أنك تشاهد في هذا الزمان المظلم أن الوالدين هم الذين يخدمون، والولد هو المخدوم.
والأم، حالها يدمي القلب ويقطع الفؤاد إلا من رحم الله -عز وجل-.
فاتقوا الله -عباد الله- وأحسنوا إلى الوالدين ما أمكن لكم الإحسان، وإن حسبتم أنكم كافأتموهم أخطأتم في ذلك الحسبان، وكونوا معهما في غاية الأدب والاحترام، واحذروا سوء الأدب عندهما، وإلا هويتم في هوة شقاء مالها من قرار، خصوصاً الأم، فإن حقها أعظم، وما بذلته لك أكثر وأكثر.
لأمك حق لو علمت كبير *** كثيرك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جَواها أنّةٌ وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ *** فكم غُصصٍ منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** ومن ثديها شُرب لديك نَمِير
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها *** حُنُواً وإشفاقاً وأنت صغير
فضيعتها لمّا أسنَت جهالة *** وطال عليك الأمر وهو قصير
فآهاً لِذي عقلٍ ويتّبع الهوى *** وواهاً لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دُعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير
اللهم فاغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، اللهم لا تفتنا بعدهم، اللهم اجعلنا وإياهم ممن قلت فيهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ)[الطور: 21].
اللهم إنا نستغفرك، ونتوب إليك.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: فإن منزلة بر الوالدين في الإسلام عظيمة، ومرتبتها عالية، وآثارها كثيرة، ففيها: الثواب الجزيل في الآخرة.
أما في الدنيا، فالجزاء بمثله من الأبناء.
وكذلك من آثار بر الوالدين: تفريج الكربات، ن كان في كربة -يا عباد الله- فليبر والديه، ولعل حديث ابن عمر في الصحيحين معروفة في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فدخلوه، فانطبقت عليهم الصخرة، فتوسلوا إلى الله -تعالى- بصالح أعمالهم: أن يفرج عنهم، فقال أحدهم: "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً -أي لا أشرب ما أحلبه في المساء ولا أُشرب أهلي قبلهم- فجئت مرة وقد ناما، فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت قليلاً".
وتوسل صاحباه بصالح أعمالهما، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون.
وكذلك -يا عباد الله- فإن من آثار بر الوالدين: سعة الرزق، وطول العمر، وحسن الخاتمة، وماذا يريد الإنسان؟ وماذا يتمنى المرء بعد هذا سعةٌ في الرزق، وطول في العمر، وحسن الخاتمة؟!
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سره أن يُمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله، وليصل رحمه".
وبر الوالدين -يا عباد الله- أعلى صلة الرحم؛ لأنهم أقرب الناس إليك رحما.
وبعد كل هذا، وغيرها من الآثار الطيبة في الدنيا والآخرة، نجد -والعياذ بالله- من يقدم زوجته على أمه، بل ويحب زوجته أكثر من أمه، وإنني -والعياذ بالله- التقيت مرةً برجل يرضى أن تسب أمه، ولا يرضى أن تسب زوجته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من انتكاس الفطرة، وقلة الحياء، ورقة الدين.
أيها المسلمون: يا عبد الله:
فلا تطع زوجةً في قطع والدةٍ *** عليك يا ابن أخي قد أفنت العُمّرا
فكيف تُنكر أمّاً ثقُلكَ احتملت *** وقد تمرَّغت في أحشائها شُهُرا
وعالجت بك أوجاع النفاس وكم *** سُرّت لمّا ولدت مولودها ذكَرا
وأرضعتك إلى حولين مُكملةٍ *** في حجرها تستقي من ثديها الدُّررا
ومنك يُنجسَّها ما أنت راضعه *** منها ولا تشتكي نتناً ولا قذرا
وقل هو الله بالآلاف تقرؤها *** خوفاً عليك وترضى دونك السترا
وعاملتك بإحسان وتربية *** حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تُفضّل عليها زوجةً أبداً *** ولا تدع قلبها بالقهر منكسرا
والوالد الأصلُ لا تنكر لتربيةٍ *** واحفظه لا سيما إن أدرك الكبرا
فما تؤدى له حقاً عليك ولو *** على عيونك صبحّ البيت واعتمرا
فاتق الله -يا عبد الله- يا من أبكى والديه، يا من أبكى أبويه، وأحزنهما، وأسهر ليلهما، وحمّلهما أعباء الهموم، وجرعهما غصص الفراق، ووحشة البعاد، هلا أحسنت إليهما، وأرضيتهما، وأضحكتهما، يبكيان عليك وأنت صغير، اشفاقاً وحذراً، ويبكيان منك، وأنت كبير، خوفاً وفرقاً، فهما أليفا حزن، وحليفا هم وغم، فلما بلغت موضع الأمل، ومحل الرجاء، قلت أسيح في الأرض أطلب كذا وكذا، ففارقتهما على رغمها باكيين، وتركتهما في وكرهما محزونين، فإن غاب شخصك عن عيونهما لم يغب خيالك عن قلوبهما، ولئن ذهب حديثك عن أسماعهما، لم يسقط ذكرك عن أفواههما، ولطالما بكيا ولم يذوقا غمضاً إن تأخرت عن الرواح في المساء.
فكيف إذا أغلقا بابهما دونك، وأبصرا خلوا مكانك ففقدا أنسك، ولم يجدا رائحتك، فكان ملاذهما سح الدموع، فصار الولد خبراً، وكل غريب ولدهما، وكل ميت هو لهما، وسل عن حديثهما إذا لقيا إخوانك، وأبصرا أقرانك ولم يبصراك معهم، فهنالك تسكب العبرات، وتتضاعف الحسرات.
فنسأل الله -عز وجل- أن يطيل في أعمارهما بالبر، والعمل الصالح، وأن يتوفاهما مسلمين.
اللهم اغفر لأمهاتنا...
التعليقات