عناصر الخطبة
1/ خطورة العقوق 2/ أسباب انتشار جرائم العقوق 3/ عظم حق الوالدين في الإسلام 4/ صفحات مشرقة من بر السلف بوالدِيهماهداف الخطبة
اقتباس
لا شك أن من أسباب انتشارها ضعف الإيمان، إذ لا يجرؤ على هذا الأمر إلا من ضعف إيمانه وخوفه من الله، ومن الأسباب كذلك انتشار الفساد والأفلام المقيتة بوجهها الكالح وأفكارها الهدامة التي تفسد الشباب والبنات، وتجرئهم على الآباء والأمهات، ومنها: اختلاط الثقافات وتأثر بعض الناس بحياة الغربي الذي يعيش وحده، ويهجر أسرته وقرابته فلا يراهم إلا في المواسم والأعياد ..
أما بعد: شكاوى مقلقة.. وأخبار مزعجة.. تتفطر لها القلوب، وترتج لها النفوس، هي نذير شؤم، وعلامة خذلان، يجب على الأمة جميعها أن تتصدى لإصلاحه.. كيف لا، وهذه الشكاوى والأخبار، تتعلق بأعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، إنها أخبار عقوق الوالدين.
هذا يهجر والده لأتفه سبب.. وأخرى تسب أمها؛ لأنها منعتها من الخروج.. وآخر يتجاوز ذلك بالضرب والتعدي على أمه أو أبيه، وربما تصل القضية إلى حد القتل كما نسمع في بيانات تنفيذ بعض الأحكام.
عباد الله: إننا حينما نتحدث عن عقوق الوالدين فإننا نتحدث عن أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، كيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد فقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يُغْلِظُ لهما في الجواب، ولا يُحِدُّ النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما.
عباد الله: إن من المؤسف حقاً، أن نسمع بين الحين والآخر، أن من أبناء الإسلام من يتنكر للجميل ويقابل الإحسان بالإساءة بعقوق والديه. وإن العاقل ليتساءل: ما سبب انتشار مثل هذه الجرائم؟
لا شك أن من أسباب انتشارها ضعف الإيمان، إذ لا يجرؤ على هذا الأمر إلا من ضعف إيمانه وخوفه من الله، ومن الأسباب كذلك انتشار الفساد والأفلام المقيتة بوجهها الكالح وأفكارها الهدامة التي تفسد الشباب والبنات، وتجرئهم على الآباء والأمهات، ومنها: اختلاط الثقافات وتأثر بعض الناس بحياة الغربي الذي يعيش وحده، ويهجر أسرته وقرابته فلا يراهم إلا في المواسم والأعياد.
ولا ننسى كذلك سوء التربية أصلاً من الوالدين، فيشب الشاب والفتاة على البعد أو القصور والجفاف في علاقتهما بوالديهما فيكون هذا سبباً في العقوق.
أيها الأخوة المؤمنون: ومن عظم حق الوالدين في الإسلام، أنه قرر برهما وحسن مصاحبتهما بالمعروف، حتى وإن كانا كافرين.
فعن أسماء رضي الله عنها قالت: قَدِمَتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: "نعم، صلي أمك".
بل أوجب الله تعالى البر بهما، ولو كانا يأمران الولد بالكفر بالله، ويلزمانه بالشرك بالله، قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ).
فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين الوالدين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله، فما الظن بالوالدين المسلمين سيما إن كانا صالحين، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه من أصعب الأمور وأعظمها، والموفق من هدي إليه، والمحروم كل المحروم من صُرف عنه.
عباد الله: لقد بلغ من تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق الوالدين أن جعله مقدماً على الجهاد في سبيل الله.
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: "ثم الجهاد في سبيل الله".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل استأذنه في الجهاد: "أحي والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد" [رواه البخاري].
وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد" [رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني].
وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: "هل لك أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها" [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به].
عباد الله: بر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببر الوالدين تتنزل الرحمات وتكشف الكربات.
ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام، وسطروا لنا صفحات مشرقة من البر.
كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا أراد أن يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: ورحمك الله كما سررتني كبيراً، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك.
وهذا محمد بن سيرين التابعي الإمام رحمه الله كان إذا كلم أمه كأنه يتضرع.. قال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
وهذا حيوة بن شريح، وهو أحد الأئمة، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
هذه بعض نماذج بر السلف لآبائهم وأمهاتهم، فما بال شبابنا اليوم يقصرون في بر آبائهم وأمهاتهم، وربما عق أحدهم والديه من أجل إرضاء صديق له، أو أبكى والديه وأغضبهما من أجل سفره أو قضاء متعته.
وكم نجد ونسمع من يلتمس رضا زوجه ويقدمه على رضا والديه.
إنها حقاً صورة من صور العقوق، حين يدخل الزوج على والديه عابس الوجه مكفهر الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأم الضَحَكات تتعالى من وراء باب الحجرة، أو يدخل ومعه هدية لزوجته، ولا تحلم أمه بأي هدية منه.
يا أخي.. نحن لا ندعوك إلى الجفاء مع زوجتك أو الإساءة إليها، بل ندعوك إلى أن تؤتي كل ذي حق حقه.
ثم قل لي: من أحق بالبر؟ هذه الأم المسكينة هي سبب وجودك، هي التي حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتألمت من حملك، وكابدت آلام وضعك، بل وغذتك من لبنها، وسهرت ونمت، وتألمت لألمك، وسهرت لراحتك، وحملت أذاك وهي غير كارهة، وتحملت أذاك وهي راضية، فإذا عقلت ورجت منك البر عققتها؟
فالله الله أيها الأحبة ببر والدينا، وأن نسعى لإرضائهما وإسعادهما في هذه الدنيا، ليسعدنا الله ويجمعنا بهما في الجنة.
والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه...
أيها الأخوة المؤمنون: نحن في الواقع لا ينقصنا العلم بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة في فضل بر الوالدين، وأن عقوقهما من كبائر الذنوب، وإنما ينقصنا العمل بما نعلم.. ينقصنا شيء من المبادرة والاهتمام، وعدم الغفلة عن مواضع البر مع زحمة الأعمال الدنيوية، كزيارة الوالدين وتفقد أخبارهما والسؤال عن أحوالهما وسؤالهما عن حاجتهما. وينقصنا كذلك الخوف من مغبة وعقوبة العقوق.
أيها العاق: لا تغتر بحلم الله عليك.. فإنك مجزي بعملك في الدنيا والآخرة.
يقول العلماء: "كل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يعجل له في الدنيا" وكما تدين تدان.
ذكر بعض أهل العلم أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحن أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الصخرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان.
إني أدعو نفسي وإياكم -أيها الإخوة- ألا نخرج من هذا المكان المبارك إلا وقد عاهدنا الله على بر والدينا، وأن من كان بينه وبين والديه قطيعة أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم، ومن كان مقصراً في بر والديه أن يبذل ما بوسعه في برها وإسعادها.
ومن كان براً بهما فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميتين فليتصدق لهما ويبرهما بدعوة صالحة أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما.
اللهم إنا نسألك أن تعيننا جميعاً على بر والدينا، اللهم إن كنا قد قصرنا في برهما، أو أخطأنا في حقهما، اللهم فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسرفنا وما أعلنا، واملأ قلبيهما بمحبتنا، وألسنتهما بالدعاء لنا، يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم وإن كانا ميتين فاغفر لها وارحمهما، وأعنا على الإحسان إليهما بعد موتهما.
اللهم صل على محمد ...
التعليقات