عناصر الخطبة
1/سرعة مرور الوقت 2/ارتهان الإنسان بعمله 3/خطر الغفلة وبعض مظاهرها 4/قصص مؤثرة في الوعظ وطلب الموعظة 5/حاجتنا إلى المواعظ وفوائد الاستماع إليها 6/محاسبة النفس والتوبة من الذنوباهداف الخطبة
اقتباس
إن قلوبنا بحاجة ماسة إلى الموعظة والاستماع إلى المواعظ والرقائق، خاصة المواعظ القرآنية، فإن القرآن كله موعظة، كما وصفه الله -سبحانه وتعالى- بذلك، فقال: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) وقال في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)ويقول: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) فما هو نصيبنا من مواعظ القرآن؟ وهل لنا في اليوم ورداً من كتاب الله نتأمل فيه ونتعظ به ونعتبر من آياته وقصصه وعبره؟ و...
الخطبة الأولى:
عباد الله: تمر علينا الأيام سراعا، وتطوى الليالي كالبرق، انقضاء يوم يتلوه يوم، وشهر يتبعه شهر، وعام يليه عام، فتمر علينا الشهور والأعوام، وتنقضي الليالي والأيام، ونحن لا نزال كما كنا لم نتقدم وحالنا كما هو حالنا لم يتغير، إن لم نكن نمشي إلى الأسفل، ونتراجع إلى الوراء، ونتقهقر إلى الخلف -نسأل الله العافية-.
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[المدثر: 32- 38].
كلنا مرهونون بأعمالنا، ومحاسبون على أقوالنا وأفعالنا، ومسائلون يوم القيامة على تصرفاتنا!.
فلنسأل أنفسنا: هل تقدمنا أم تأخرنا؟ وهل ارتقينا أم انحدرنا؟ وهل ازددنا من الله قرباً أم أننا نزداد من الله شقاء وبعداً؟
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ"..
إننا –والله- نخاف على أنفسنا أن يدركها الأجل، ونحن على هذه الأحوال السيئة، أو يأتينا الموت من دون توبة، أو يحال بيننا وبين الرجوع والأوبة، أو تخذلنا أعمالنا وسيئاتنا في لحظات الوداع الأخيرة لهذه الحياة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الحشر: 18-20].
ويقول سبحانه وتعال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 9-11].
لا إله إلا الله! إنها قلوبنا الغافلة، وأنفسنا الطامعة، وسيئاتنا الخاذلة، ودنيانا المضلة، هي التي تبعدنا من الله، وتلهينا عن طاعة الله، وتنسينا ذكر الله، وتزيدنا بعداً من الله.
إبليس والدنيا ونفسي والهوى *** كيف الخلاص وكلهم أعدائي
عباد الله: لو نظرنا في أنفسنا، وتأملنا في أحوالنا؛ لوجدنا -إلا من رحم الله منا- أننا غرقنا في دنيانا، وتبعنا شهواتنا وملذاتنا، وغرتنا زخارف الدنيا، وبهارجها، فصارت أعمالنا للدنيا، وتفكيرنا في الدنيا، وذهابنا وإيابنا وغدونا ورواحنا، هو من أجل الدنيا، وصارت الدنيا هي الأصل عندنا، والآخرة هي الفرع.
ألهتنا الدنيا عن أداء صلواتنا، وحالت بيننا وبين القيام بعباداتنا، وأوقعتنا في ارتكاب المحارم، وفعل الفواحش، وأكل الحرام، طمعاً في متاعها الزائل، وغرورها الذاهب، يقول الله -تبارك وتعالى- محذراً لنا من غرورها، وداعياً إيانا إلى الانتباه من الوقوع في مفاتنها وشباكها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: 5].
ويقول سبحانه: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا) [الكهف: 45].
ماذا لو علمنا أنه لم يبقى من أعمارنا شيئاً؟
وماذا لو داهمنا الموت بغتة، فبتنا الليلة في قبورنا؟
وماذا لو انتقلنا في لحظة واحدة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، ومن هذه الحياة إلى حياة القبر والبرزخ؟
ماذا سنقول لربنا عن تفريطنا وتقصيرنا؟
وكيف سنقابل الله ونحن ملوثون وملطخون بمعاصينا وآثامنا؟
وكيف سنعتذر في يوم لا ينفع فيه الاعتذار ولا تجدي فيه الحسرات ولا تنفع فيه الأنَّات والآهات؟
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)[الزمر: 54-36].
اللهم إنا نشكو إليك غفلتنا، ونتوب إليك مما فعلته أيدينا، وارتكبته أنفسنا، ونستغفرك مما علمنا من خطايانا ومالم نعلم.
دخل يزيد الرقاشي الزاهد الواعظ على عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين -رحمه الله- فقال له عمر: "عِظْنِي يا يزيد؟ قال: اعلم يا أمير المؤمنين، أنك أول خليفة تموت، فبكى عمر، ثم قال: "زدني يا يزيد؟" قال: يا أمير المؤمنين، ليس بينك وبين آدم إلا أبٌ مَيِّت، فبكى عمر، وقال: "زدني يا يزيد؟" قال: يا أمير المؤمنين، ليس بين الجنة والنار منزلة، فسقط عمر مغشيًا عليه -رحمه الله-.
ويحكى أن ميمون بن مهران لقي الحسن البصري، المعروف بزهده وورعه، فقال له ميمون: "قد كنت أحب لقاءك فعظني؟ فقرأ عليه الحسن البصري -رحمه الله- قول الله -سبحانه وتعالى-: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)[الشعراء: 205-207]. فقال: عليك السلام أبا سعيد، لقد وعظت فأحسنت الموعظة".
عباد الله: إن قلوبنا بحاجة ماسة إلى الموعظة والاستماع إلى المواعظ والرقائق، خاصة المواعظ القرآنية، فإن القرآن كله موعظة، كما وصفه الله -سبحانه وتعالى- بذلك، فقال: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 138].
وقال في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57].
ويقول: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [النــور: 34].
فما هو نصيبنا من مواعظ القرآن؟
وهل لنا في اليوم ورداً من كتاب الله نتأمل فيه ونتعظ به ونعتبر من آياته وقصصه وعبره؟
كيف تواصلنا مع القرآن واتصالنا به واستفادتنا من عظته وعظاته؟
إذا كان بعضنا ربما تمر عليه الأيام دون أن يقرأ شيئا من كتاب الله، ولم يقرأ منه شيئا ولو مجرد تلاوة، فكيف لا تقسوا قلوبنا ؟
كيف لا تستوحش صدورنا؟
وكيف لا تغفل أنفسنا، وتجف أرواحنا، وتصاب بالجفاف الروحي وقسوة القلب؟
ألم يقل الله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 23].
ألم يقل : (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].
يقول: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].
فلنبادر إلى إيقاظ أنفسنا من غفلاتها، وإدراكها من سيئاتها، ولنقم بمعالجتها.
ولنحذر كل الحذر من الزيغ والغفلة والغرور، يقول الله -تبارك وتعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد: 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن.
الخطبة الثانية:
عباد الله: علينا جميعاً: أن نحاسب أنفسنا قبل الحساب، وأن نتوب إلى الله من ذنوبنا، ونستغفره منها، قبل غلق الباب، وأن نصحح وضعنا، ونؤدي فرائضنا، ونقوم بواجباتنا قبل أن نتمنى أن نفعل ذلك فيقال لنا: هيهات هيهات
كلنا نعرف ذنوبنا، ونعرف معاصينا، ونعرف السيئات التي نمارسها ونفعلها، ونكثر منها وندمنها، فما علينا إلا أن نقبل على الله، وننطرح بين يدي الله، ونسأله العفو والغفران، والصفح والأمان، والمغفرة والإحسان، وتوبة تجلوا أنوارها ظلمات الإساءة والعصيان، فإن ربنا رحيم غفور كريم، يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود: 90].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ -تعالى- يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ".
التعليقات