عناصر الخطبة
1/ فضل عشر ذي الحجة 2/ أعمال صالحة مشروعة في العشر 3/ ما يجب الحذر منه في أعمال الطاعاتاهداف الخطبة
اقتباس
إنَّ أحبَّ الأشهرِ إلى الله -تعالى- الأشهُرُ الحرم، روي عن سعيد بن جبير وغيره أنَّ أفضلَ الأشهُرِ الحرُمِ ذو الحجة، قال ابن رجب -رحمه الله-: وهو أظهر، وأما أفضلُ الأيامِ، فهي العشرُ الأُوَلُ من ذي الحجة، التي أقسم الله بها فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]. قال ابن عباس ومجاهد وغيرهم: هي عشرُ ذي الحجة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره...
أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ مُحدَثَاتُها، وكلَّ مُحدَثَةِ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أيها الأحباب: إنَّ أحبَّ الأشهرِ إلى الله -تعالى- الأشهُرُ الحرم، روي عن سعيد بن جبير وغيره أنَّ أفضلَ الأشهُرِ الحرُمِ ذو الحجة، قال ابن رجب -رحمه الله-: وهو أظهر، وأما أفضلُ الأيامِ، فهي العشرُ الأُوَلُ من ذي الحجة، التي أقسم الله بها فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]. قال ابن عباس ومجاهد وغيرهم: هي عشرُ ذي الحجة.
وعن جابرٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ".
وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: "أفضَلُ أيَّامِ الدُّنيَا أيَّامُ العَشْرِ"، وهي الأيام المعلومات التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في قوله: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:28].
أما الأيام المعدودات (التي ذكرها الله تعالى في قوله: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة:203])، فهي أيام التشريق الثلاثة.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ". يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".
فهي موسمٌ من مواسمِ الرحمن، وفرصةٌ من فُرَصِ المغفرةِ والعتقِ من النار، وقد رُويَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ لِرَبِّكُم -عز وجل- في أيامِ دهرِكُم نفحات فتَعَرَّضُوا لها؛ لعلَّ أحَدَكُم أنْ تُصِيَبهُ منها نفحَةٌ لا يَشْقَى بعْدَهَا أبَداً".
ومن العمل الصالح المشروع في تلك الأيام: صيامُ الأيامِ التسعةِ الأولى منها؛ فعن هُنَيْدةَ بنِ خالدٍ عن امرأَتِهِ عن بعضِ أزواجِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ، وَخَمِيسَيْنِ". وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يَصومُها، وأكثر العلماء على القول بصيامها.
ومنها يوم عرفة الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيامه: "أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
كما أنَّ الذكرَ فيها أفضلُ من الذكرِ في غيرها، قال -تعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) والأيَّامُ المعلوماتُ هي أيَّامُ العشر.
وعن ابنِ عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ".
وأعظمُ عملٍ صالحٍ في هذه العشر: حجُّ بيت الله الحرام، وهو فرضٌ على من لم يحجَّ، يجب عليه أن يبادرَ إلى أدائه، ومن تأخَّر مع قدرته عليه فهو آثم. وهو من أفضلِ الأعمالِ التي تُقرِّبُ إلى الله -جل وعلا-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ".
ومن الأعمال الجليلة: إعانة من لا يستطيع على نفقة الحج على أداء فريضته، وهذا من توفيق الله -تعالى- للموسرين؛ حيث فتح لهم هذا الباب العظيم، فللمُعين أجرُ الحاج وهو في بلده.
وتذكر كتب السير أنَّ عبد الله بن المبارك -رحمه الله- إذا أراد الحجَّ جمع أصحابه وقال: من يريد منكم الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتهم فيضعها عنده في صندوق ويقفل عليه، ثم يحملهم وينفق عليهم أوسع النفقة، ويطعمهم أطْيَبَ الطعام، ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من الهدايا، ثم يرجع بهم إلى بلده؛ فإذا وصلوا صنع لهم طعامًا، ثم جمعهم عليه، ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فردّ إلى كلّ واحد نفقته.
فما أعظم تلك النفوس! وما أسخاها! رحم الله أصحابها ورضي عنهم، وجمعنا بهم في دار كرامته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى.
أيها المسلمون: إن مما يجب الحذر منه في أعمال الطاعات: الشركُ الخفي، وهو الرياء، فيجب أن يكون الحج لله -عز وجل- وحده، وإن أعان حاجًّا فيبتغي به وجه الله -تعالى-، ولا يعملُ عملاً صالحًا في هذه العشر -أو غيرها من الأيام- إلا ابتغاء رضوان الله -جل وعلا-؛ فلا يُكرِّر الحج ليُقال: ما أكثر ما يحج! ولا يُنفق ليُقالَ عنه: جواد!.
فاعلموا -عباد الله- أنَّ للرياء في هذه الأعمال مدخلا دقيقا وخفيا يخفى على كثير من الناس؛ لذا دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه أن يجنبه الرياء، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج على رحْلٍ رثٍّ، وقطيفةٍ ما تساوي أربعةَ دراهم، وقال: "اللَّهُمَّ حَجَّةً لا رِيَاءَ فَيهَا ولاَ سُمْعَة".
وقال رجل لابن عمر: ما أكثر الحاج! فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: ما أقلهم! ثم رأى رجلاً على بعير على رحْلٍ رَثٍّ، خطَامُهُ حَبْلٌ، فقال: لعل هذا!.
ومما يجب التنويه إليه أنَّ زيادة الترفّه في الحج ينافي مقاصد الحج السامية؛ رُوي عن عمر –رضي الله عنه- وهو بطريق مكة أنه قال: "تَشْعَثُونَ وتَغْبَرُونَ وتَتفِلُون -أي: تتركون الطيب- وتَضْحَوْنَ -أي: تبرزون للشمس- لا تريدون بذلك شيئًا من عرض الدنيا، ما نعلم سفرًا خيرًا من هذا" يعني الحج.
فبعض الناس يجعلون من الحج رحلةَ استمتاعٍ ونُزهة؛ فيتكلفون فيه من وسائل الراحة والرفاهية؛ ولربما كان ذلك سبباً لقضاء أوقاتهم في اللهو وأحاديث الباطل والممازحة التي لا تليق بالحاج!.
فإنَّ هذا ينافي تعظيمَ شعائرِ الله، وعدمُ مُراعاةٍ لحُرمةِ المكان والزمان. والله تعالى يقول: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30].
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، مَن بعثه الله رحمة للعالمين؛ استجابة لقول الحق -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"...
التعليقات