عناصر الخطبة
1/ظاهرة التكاسل عن الأعمال الصالحة وبعض الأمثلة على ذلك 2/بعض مفاسد التأخر عن الحضور لصلاة الجمعة والجماعة 3/الحث على التبكير لصلاة الجمعة والجماعة 4/تعظيم الله للمساجد وثنائه على المرتادين لها 5/مشروعية الاجتماع لصلاة الجمعة 6/فضل التكبير في الحضور لصلاة الجمعة 7/وجوب الانصات للخطبةاهداف الخطبة
اقتباس
فقدَتِ العاكفين والرُّكَّعَ السجودَ الذين يعمُرونَها آناءَ الليلِ وأناءَ النهار، فقد كانت المساجدُ فيما مَضَى بيوتاً للعبادة، ومدارسَ للعلم، وملتقى المسلمين ومنطلَقَهم، فيها يتعارفون ويتآلَفُون، ومنها يستمدُّون الزادَ الأخرويَّ، ونورَ الإِيمان، وقوةَ اليقين، بها تعلَّقَتْ قلوبُهم، وإليها تهوي أفئدتُهم، هي أحب إليهم من بيوتِهم وأموالهم، فلا يَمَلُّونَ الجلوسَ فيها، وإن...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، أمر بالمسارعة إلى الخيرات، وحذَّر من إضاعة الأعمار والأوقات.
وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وماله من الأسماء والصفات، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، حثَّ على المبادرةِ إلى حضورِ الجُمَعِ والجماعات، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان تنافُسُهم في الطاعاتِ، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُّها الناس: اتقوا الله، واستجيبوا لنداءِ ربكم، حيثُ يقول: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21].
واعلموا: أنَّ الأوقات تمضي، والأعمارَ تنقضي، ومن خاف أدلجَ، ومن أدلج بلغَ المنزل، ألا إنَّ سلعةَ الله غالية، ألا إنَّ سلعةَ الله الجنة، لا تُدْرَكُ بالتمني، ولا بشرفِ النسب، ولا بعمل الآباء والأجداد، ولا بكثرةِ الأموال والأولاد، قال تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:37].
ومَنْ بطَّأ به عملُه، لم يُسْرِعْ به نسبُه.
فالجنةُ لمن آمن بالله وعَمِلَ صالحاً، ولو كان عبداً حبشيّاً، والنارُ لمَنْ كَفَرَ بالله، ولو كان شريفاً قرشياً.
عبادَ الله: إنَّنا نَرَى الكثيرَ منَّا يتكاسلون عَنِ الأعمال الصالحة، وينشطون في طلب الدنيا، ويتوسَّعُون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي.
ولنضربْ لذلك مثلاً في علاقة كثير من الناس بالمساجدِ، وحضور الجمعة والجماعة، فنرى الكثيرَ يسكنون بجوار المساجد، ولا يدخلونَها، ولا يُعْرَفُون فيها، يُجاورون المساجد ببيوتهم، ويَبْعُدون عنها بقلوبهم، وذلك دليلٌ على ضعفِ الإِيمان في قلوبهم أو انعدامه؛ لأنَّ عمارةَ المساجد بالصلاة والعبادة، والتردُّدَ إليها من أجل ذلك علامةُ الإِيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18]. وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم الرجلَ يعتادُ المساجدَ، فاشهَدُوا له بالإيمان". وتلا هذه الآية.
تَرَى هؤلاء يملؤون الأسواقَ، ويأكلون الأرزاق، ولا يتَّجهون إلى المساجد، ولا يشاركون المسلمين في إقامة شعائر الدين: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة:19].
حَرَمُوُا أنفسَهم أجرَ المشي إلى المساجد، وما فيه من الحسناتِ، وتكفير السيئات، وبَقِيَتْ أوزارُهم على ظهورِهم.
والبعض الآخر من الناس -وهم كثير- يأتون إلى المساجد في فتورٍ وكسل، ويُمضون فيها قليلاً من الوقت على مَضَضٍ ومَلَلٍ؛ فالكثير منهم إذا سمع الإِقامة جاء مسرعاً ثائر النفس، ودخلَ في الصلاة، وهو مشوَّشُ الفكر، لم يراعِ أدبَ الدخول إلى المسجد، ولم يعملْ بسنةِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيثُ يقول: "إذا سمعتُم الإِقامة، فامْشُوا وعليكم السكينةُ، فما أدركتُم فصَلُّوا، وما فاتكم فأَتِمُّوا".
وفاتَه أجرُ التقدم إلى المسجد، وانتظارِ الصلاة، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنَّ الذي يجلس ينتظر الصلاة في المسجد كالمرابطِ في سبيل الله، وأنه يُكْتَبُ له أجرٌ المصلي ما دام ينتظر الصلاة، وأنَّ الملائكة تستغفرُ له ما دام كذلك.
لكن اليوم يؤذِّنُ المؤذنون، ويَمْضي وقتٌ طويل، والمسجد خالٍ، ليس فيه أحدٌ إلى أن تُقام الصلاة، فيأتون متكاسلين.
عبادَ الله: إنَّ التأخُّرَ في الحضور إلى الصلاة كما أنه يفوِّتُ أجوراً كثيرة، فهو أيضاً يفتحُ بابَ التهاون بالصلاة، ويجرُّ في النهاية إلى ترك صلاة الجماعة، فقد رَوَى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخُّراً، فقال لهم: "تقدّموا فأْتمُّوا بي، وليأْتَمَّ بكم مَنْ بعدكم، ولا يزالُ قومٌ يتأخَّرونَ حتى يؤخِّرَهُم الله".
فدَلَّ هذا على خُطورةِ التأخُّرِ عن الحضور إلى الصلاة، وأنَّ المتأخِّرَ يُعاقَبُ بأنَّ الله يؤخِّرُه عن رحمتِهِ وعظيم فضله.
ويكفي في التنفير عن التأخُّر أنَّ فيه تشبُّهاً بالمنافقين الذين قال الله فيهم: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى) [التوبة:54].
وقال فيهم: (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى) [النساء:142].
أعتقدُ أنَّ هؤلاء لو كان يفوتُهم بتأخِّيرِهم طمعٌ من مطامع الدنيا لجاؤوا مع أول الناس، ولَجلسوا في الانتظارِ الساعاتِ الطويلة دونَ مَلَلٍ، وما ذاك إلا لأنَّ الدنيا أحبُّ إليهم من الآخرة.
لقد أصبحت المساجدُ اليومَ مهجورةً مغلقة غالبَ الوقت، لا تُفتحُ إلا بضعَ دقائق، وبقدرِ أداء الصلاة على عَجَلٍ.
لقد أصبحت المساجدُ تشكو من قلةِ المرتادين لها، والجالسين فيها لذكر الله، لقد فقدت الرجالَ الذين يُسبِّحون الله فيها بالغدِّو والآصالِ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيع عن ذكْرِ الله وإقامِ الصلاة وإيتاءِ الزكاة، يخافون يوماً تتقلَّبُ فيه القلوبُ والأبصار...
فقدَتِ العاكفين والرُّكَّعَ السجودَ الذين يعمُرونَها آناءَ الليلِ وأناءَ النهار، فقد كانت المساجدُ فيما مَضَى بيوتاً للعبادة، ومدارسَ للعلم، وملتقى المسلمين ومنطلَقَهم، فيها يتعارفون ويتآلَفُون، ومنها يستمدُّون الزادَ الأخرويَّ، ونورَ الإِيمان، وقوةَ اليقين، بها تعلَّقَتْ قلوبُهم، وإليها تهوي أفئدتُهم، هي أحب إليهم من بيوتِهم وأموالهم، فلا يَمَلُّونَ الجلوسَ فيها، وإن طالت مدتُه، ولا يسأمون التردُّدَ عليها، وإن بَعُدَت مسافُته، يحتسبون خُطاهم إليها ويستثمرون وقتَهم فيها، فيتسابقون في التبكير إليها.
أيها المسلمون: هذه حالةُ السَّلَف في المساجد، واليوم كما تعلَمُون كَثُرَ التأخُّرُ عن المساجد وقلَّ الجلوسُ فيها، ففاتَ بذلكم الخيرُ الكثير على الأمةِ، وضعفت منزلةُ المساجد في قلوبِ كثير من الناس، وقَلَّ تأثيرُها فيهم، فظَهَرَ الجفاءُ، وتناكرت القلوبُ، وتفكَّكت الروابطُ حتى صار الجارُ لا يعرف جاَرَه، ولا يدري عن حالِه.
فاتقوا الله -عباد الله-، فأعيدوا للمساجدِ مكانَتها في قلوبكم، وبكِّروا في الذهاب إليها، وأكثروا من الجلوس فيها، واسمعوا ما جاءَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحثِّ على المشي إلى المساجد، والجلوس فيها، لعلَّكُم تذكَّرون.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةُ الرجل معَ الجماعة تُضعَّفُ على صلاتِهِ ببيته وفي سوقِهِ خمساً وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ ثم خرج إلى الصلاة لا يُخرجُه إلاّ الصلاةُ، لم يَخْطُ خطوةً إلا رُفِعَتْ له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صَلَّى لم تَزَلِ الملائكةُ تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللُهم صلِّ عليه، اللهُمَّ ارحمْه، ولا يزالُ في صلاةٍ ما انتظرَ الصلاة"[رواه البخاري].
وروى مالك في الموطأ من قول أبي هريرة: "مَنْ توضّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ خَرَجَ عامداً إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما كانَ يعمِدُ إلى الصلاة، وأنه يُكتب له بإحدى خُطوتيه حسنةٌ، ويُمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإِقامةَ فلا يَسْع، فإنَّ أعظَمكُم أجراً أبعدُكُم داراً" قالوا: لِمَ يا أبا هُريرةَ؟ قال: "من أجلِ كَثرةِ الخُطَا".
وعن أبي هُريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلَا أدلُّكُم على ما يَمْحو الله به الخطايا ويرفَعُ به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: "إسباغُ الوضوء على المكارِهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظارُ الصلاة بعدَ الصلاة، فذلكم الرباطُ، فذلكم الرباطُ"[رواه مالك ومسلمٌ].
وعن بُريدةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بَشِّرِ المشّائين في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التامِّ يومَ القيامة"[رواه أبو داود والترمذي].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحبُّ البلادِ إلى الله تعالى مساجدُها، وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقُها"[رواه مسلم].
عبادَ الله: لقد عَظَّمَ الله شأنَ المساجد، وأثنى على الذين يعمُرونها بالطاعةِ، ووعدَهم جزيلَ الثواب.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [النور:35].
وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة:212].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، جعَلَ يومَ الجمعة عيدَ أهل الإِسلام، وأمرَ بالسعي إلى صلاة الجمعة عند النداءِ إليها ونَهَى عن الانشغالِ عنها بجمع الحطام.
وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريكَ له، الملكُ القدُّوس السلام، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، حثَّ على التبكير في الحضور لصلاةِ الجُمعة، واهتم بذلك غايةَ الاهتمام، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه البَرَرة الكرام، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُّها الناسُ: اتقوا الله -تعالى- بفعلِ ما أمرَكُم به، وتَرْكِ ما نهاكم عنه، فإنَّ خيرَ الزادِ التقوى، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9].
سمَّى الله هذا اليومَ العظيم يوم الجمعة؛ لأنَّ أهلَ الإِسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع في المساجد الكبار لأداء الصلاة التي هي أعظمُ شعائر الدين بعدَ الشهادتين كما أنَّ هذا اليومَ قد اجتمع فيه من الخصائصِ ما لم يجتمعْ في غيره من أيَّام الأسبوع.
ففيه كَمُلَ خلقُ السماوات والأرض، وفيه خُلِقَ آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنةُ، وفيه أُخْرِجَ منها، وفيه تقومُ الساعةُ، وفيه ساعةُ الإِجابة، وهي ساعةٌ لا يوافقُها عبدٌ مؤمن يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إيَّاهُ.
وقد اختارَ الله هذا اليوم العظيم لهذه الأمة، وأضَلَّ عنه مَنْ كان قبلَها من الأمم، فاختارَت اليهودُ يومَ السبت، واختارت النصارى يومَ الأحد، واختارَ الله لهذه الأمة يومَ الجمعة الذي أكملَ الله فيه الخليقةَ.
وقد أمرَ الله المؤمنين فيه بالاجتماع لعبادته بأداءِ صلاةِ الجمعة، وحثَّهم على المبادرةِ بالحضور إليها، والتفرغ لها من جميع أعمال الدنيا، وقد حَثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على التكبيرِ في الحضور والانتظار في المساجد، حتى تُقامَ صلاة الجمعة، وحَثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على التكبيرِ في الحضور، والانتظار في المساجد، حتى تُقامَ صلاة الجمعة، وحَثَّ على أن يكونَ الإِنسانُ أحسن هيئة، وفي أجملِ لباس، وأطيبِ رائحة، وحَثَّ على التنظُّفِ والاغتسال قبلَ الحضور.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ اغتسلَ يومَ الجُمعةِ غُسْلَ الجنابة، ثم راحَ في الساعة الأولى، فكأنَّما قَرَّبَ بدنةً، ومَنْ راح في الساعةِ الثانية، فكأنَّما قَرَّبَ بقرةً، ومَنْ راحَ في الساعة الثالثة فكأنَّما قَرَّبَ كَبْشاً أقرنَ، ومَنْ راح في الساعةِ الرابعة فكأنَّما قَرَّبَ دجاجةً، ومَنْ راحَ في الساعة الخامسة فكأنَّما قَرَّب بيضةً، فإذا خَرَجَ الإِمام حضرت الملائكةُ يستمعون الذكر"[أخرجه الشيخانِ].
فدلَّ هذا الحديث على طلب التبكيرِ في الحضور لصلاة الجمعة، وانتظارها في المسجد حتى تُقامَ، وأن يُشْغِلَ وقتَه حالَ الانتظار بصلاةِ النافلة والذكرِ وتلاوة القرآن.
ودَلَّ الحديثُ على أنَّ الأجر يتفاوتُ بتفاوُتِ الحضور، وأنَّه كُلَّما بكَّرَ زادَ الأجرُ، وكُلَّما تأخَّرَ نَقَصَ الأجرُ.
والظاهرُ: أنَّ الساعةَ الأولى تبدأً بعدَ طلوعِ الشمس، فمطلوبٌ من المسلم أن يتوجَّهَ إلى صلاة الجمعة من بعدِ طلوع الشمس، ليحصُلَ على هذه الفضيلة.
وكانَ المسلمون إلى عهدٍ قريب يُبكرون في الحضور لصلاة الجمعة، ويملؤون المساجدَ بوقت مبكر، وأَمَّا اليوم فقَلَّ مَنْ يعملُ بذلك.
فالكثير لا يحضُرُ إلا عند الخطبة أو عند الإِقامة، أو في آخر الصلاة، فيُحْرِمُون أنفسَهم من أجرِ التبكير ومِنْ سماع الخطبة، بل ربَّما لا يتمكنون من إدراكِ الصلاة، وهذا حرمانٌ عظيم، ونقصٌ كبير، يجلسُ أحدُهم في بيته، وهو بجوارِ المسجد ولا يقومُ إلى الصلاةِ إلا عندما يدخُلُ الإِمام يخشى أن يُمضيَ شيئاً من الوقت في المساجد قبلَ حضورِ الإمام، وهو لا يأنَسُ بجلوسهِ في المسجد، بل يعتبرُ ذلك حبساً؛ لأنه يدري عمَّا فيه من الفضلِ، بل يَظُنُّ أنَّ المطلوبَ هو أداءُ الصلاة فقط، فلذلك لا يأتي إلا عند الإِقامة، ولا يدري أنَّهُ مطلوبٌ منه التبكيرُ والانتظارُ، وأنَّ صرفَ الوقتِ في ذلك من أفضلِ الأعمال، ولا يدري أنَّه مطلوبٌ منه سماعُ الخطبة والتذكير، ولا يدري أنَّ الخطبةَ هي الذكر، أو هي من الذكر الذي أمرَ الله بالسعي إليه في قوله: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الجمعة:9].
وذلك؛ لأنَّ الله شَرَعَ الخطبةَ لتعليم الناس ما يجهَلُون، وتحذيرِهم مما يضرُّهم وتنبيههم وإرشادِهم، فالخطبةُ درسُ الأسبوع وموعظةُ المسلمين، وكلُّهم بحاجة إلى استماعها والانتفاع بها.
فاتقوا الله -عبادَ الله-، واهْتَمُّوا بالحضورِ لصلاة الجمعة مبكِّرين: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:19].
وقد عاتب الله -سبحانه- مَنِ انصرفَ عن سماعِ الخطبة إلى طلبِ الدنيا، فقال سبحانه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) [الجمعة:11].
وقد أخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الذي لا ينصُتُ لسماعِ الخطبة يكونُ كالحمارِ يحملُ أسفاراً، فعن ابنِ عباس -رضي الله عنهما- قالَ: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تكلَّمَ يومَ الجمعة والإِمامُ يخطُبُ، فهو كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفاراً"[رواه أحمد وغيره].
وذلك؛ لأنَّه تكلَّفَ الحضورَ، ولم يستفدْ منه، فهو كالحمارِ الذي يتكلَّفُ حَمْلَ الكتبِ الكبيرة، وهو لا يستفيدُ منها.
فاتَّقوا الله –عبادَ الله-، واعلَمُوا أنَّ خيرَ الحديث... إلخ.
التعليقات
زائر
07-01-2022جزاك الله خيرا