عناصر الخطبة
1/ المتبع للهوى يهلك نفسه ويفسد قلبه 2/ أنواع الفتن المعروضة على القلوب 3/ أول ظهور الفرق في الإسلام 4/ الصراط المستقيم منجٍ من الفتن 5/ أسباب إصلاح الأمة 6/ ضرورة محاسبة الإنسان نفسهاهداف الخطبة
اقتباس
أمَا وقد استبانَ خطرُ الأهواء، وعُلِمَ أضرارُ البدع المُحدثَةِ التي تهدِمُ الدين، وشاهدَ المسلمون دمار المجتمعات بارتكابِ المُحرَّمات، واتباع الشهوات؛ لم يبقَ طريقٌ مُنجٍ إلا الصراط المستقيم، ولن يحمِيَ الأمة إلا التمسُّك بالكتاب، ولن يجمع القلوب إلا الحق، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..
الحمد لله، الحمد لله الذي وسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأفاضَ على خلقه من خزائنه جودًا وكرمًا، لا نفادَ لفضله، ولا انقطاع لمعروفه أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإلهُ الحقُّ المعبودُ في الأرض والسما، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ الخلق عربًا وعجمًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين نصروا الدين ببذلِ النفوس والأموال والأولاد، ففازوا بخيرَي الدنيا والآخرة، وبصَّروا الناس بالحق والهدى بعد العمى.
أما بعد: فاتقوا الله -عز وجل- بالمُسارعة إلى أمره، واجتناب نهيِه؛ يُصلِح لكم أعمالكم، ويُحسِن لكم عواقِبَ أموركم، ويرفع درجاتكم.
عباد الله: حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن الأعمال، واستعدُّوا لما أمامكم من الأهوال؛ فمن حاسبَ نفسَه خفَّ حسابُه، وضاعفَ الله له ثوابَه، ومن اتبعَ هواه كثُرت سيئاتُه وقلَّت حسناتُه، وأرداه الهوى باتباع الشهوات في حضيض الدركات، قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28]، وقال تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) [طه: 15، 16]، وقال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50]، وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23].
فالمُتَّبِع للهوى المُعرِض عن السنة المُخالفُ للهدي المحمدي قد أهلك نفسَه، وأفسَد قلبَه، وأفسدَ في الأرض، قال الله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) [المؤمنون: 71]، وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 204، 205].
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كعرض الحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتت فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى تعود القلوبُ على قلبين: قلبٍ أسود مربَّاد كالكوزِ مُجخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا يُنكرُ منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه، وقلبٍ أبيض مثل الصفا لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض". رواه مسلم.
ومعنى قوله: "أسود مربَّاد" أي: تراكَمَت عليه الخبائث، فاستحالَ لونُه إلى لونٍ قبيحٍ.
ومعنى: "كالكوزِ مُجخِّيًا"، أي: منكوسًا، لا يصِلُ إليه الهدى كما أن الماء لا يصِل إلا الكوز المنكوس.
ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلا ما أُشرِبَ من هواه"، أي: أن هذا القلب مُتبِعٌ لهواه، فالمعروف ما أحبَّه هواه، والمنكرُ ما أبغضَه هواه، لا يزِنُ الأمورَ بميزان الشرع الحنيف ولا القرآن ولا السنة.
والفتنُ التي تُعرضُ على القلوب: فتنُ الشهوات، وفتنُ الشُّبهات، والبدعُ والضلالات، والفرقُ بين القلب الحي والقلب الميت كالحي والميت.
والفِرقُ التي ظهرت في هذه الأمة الإسلامية سمَّاها السلفُ الصالح أهلَ الأهواء؛ لاتباعهم الأهواء، ومُجانبتهم هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من الاعتقاد الصحيح، والتمسُّك بالعدل والوسطية.
وقد وقع ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "افترقَت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقَت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة". قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
وأولُ فرقةٍ ظهرت فرقةُ الخوارج الذين كفَّروا الصحابة وقاتلوهم، وخرجوا على الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وعمَدوا إلى آيات وأحاديث في الكفار فتأوَّلوها على المسلمين، وضلُّوا في فهم الأدلة، وفسَّروها على غير وجهها الصحيح، فاستحلُّوا الدمَ الحرام والمالَ الحرام، وكفَّروا من شهِدَ الله له بالإيمان؛ فانفتَحَ على الأمة الإسلامية بابٌ من الفتن لا يُغلَق إلا بقوة السلطان، وبأدلة السنة والقرآن، كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم- بهذه الطائفة التي ذمَّتها أدلةُ الكتاب والسنة؛ مثل: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "سيخرج قومٌ في آخر الزمان حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يقولون من قولِ خير البرية، يقرؤون القرآن لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجِرَهم، يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمِيَّة". رواه البخاري ومسلم من حديث علي -رضي الله عنه-.
ثم ظهرت بقيةُ الفِرق في الأمة، ولكل فرقةٍ وارِث إلى ما شاء الله تعالى.
ومن أسلمَ قِيادَه للهوى، وساقَه الشيطان، فلا تسأل عن هلَكَته، ومن تاب تابَ الله عليه، ومن اعتصمَ بالقرآن والسنة فقد هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.
أيها المسلمون: أمَا وقد استبانَ خطرُ الأهواء، وعُلِمَ أضرارُ البدع المُحدثَةِ التي تهدِمُ الدين، وشاهدَ المسلمون دمار المجتمعات بارتكابِ المُحرَّمات، واتباع الشهوات؛ لم يبقَ طريقٌ مُنجٍ إلا الصراط المستقيم، ولن يحمِيَ الأمة إلا التمسُّك بالكتاب، ولن يجمع القلوب إلا الحق، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101]، وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].
وعن العِرباضِ بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعَظَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظةً بليغة ذرفَت منها العيون، ووجِلَت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله: كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصِنا، قال: "أُوصيكُم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، فإنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة". رواه الترمذي. وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
ولقد أتى على أمةِ الإسلام أزمنةٌ أصابَها فيها فتنٌ وخُطوبٌ وكروبٌ وأمورٌ عِظام، لم يُنقِذها الله منها إلا بالرجوع لدينها والتمسُّك بهدي نبيها محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فاستقبَلَت حياتَها قويةً مُتعاوِنة مُتحابَّة، مُصلِحة، عزيزة الجانب، مُتمسِّكةً بشرع الله تعالى، وفي هذا الزمان أصابَها من الفتن والشدائد والبلاء ما ترون وتسمعون.
ودرءُ الأخطار عن أمة الإسلام، والسعيُ في الإصلاح، وحقنُ دمائها مسؤوليةُ وُلاة أمور المسلمين وعلمائهم ومُفكِّريهم وعُقلائهم، ولن يُصلِح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلحَ أولَها.
وأهمُ الأمور في طريق إصلاح الأمة: تحقيقُ توحيد لرب العالمين؛ فالتوحيدُ الخالصُ لله تعالى أساسُ الأعمال، وأساسُ كل إصلاح، وأساسُ الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وقد فسَّر التوحيدَ أهلُ البدع والضلال بما كان عليه المُشرِكون في الجاهلية، فسمَّى دعاءَ الموتى، والاستغاثةَ بالصالحين، ورفع الحاجات لهم، وطلبَ الخيرات، ودفعَ الشرور والكُرُبات من أهل القبور، وصرَفوا للموتى والصالحين النُّذور، وسجدوا وطافوا بهذه القبور، فسمَّى أهلُ البدع ذلك كلَّه توسُّلاً وطلبًا لشفاعتهم، وذلك كلُّه إبطالٌ للتوحيد، ودعوةٌ للشرك بالله -تبارك وتعالى-.
ومع الأسف فإنهم يستدلُّون بآياتٍ هي دليلٌ عليهم لا دليلٌ لهم؛ مثل: قوله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) [المائدة: 35]، والوسيلةُ هنا التي أمرَ الله بابتغائها: هي كلُّ عملٍ صالحٍ يتقرَّبُ به العبدُ إلى الله تعالى مما شرعَه الله وشرَعَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما دلَّ على ذلك آيةٌ أخرى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء: 57].
قال الله -تبارك وتعالى- في هذا الشرك الذي سمَّوه توسُّلاً، والذي يُخلِّدُ صاحبَه في النار، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18]، وقال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 106، 107].
والشفاعةُ حقٌّ؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يشفَع، والصالحون يشفعون، ولكن الشفاعة لأهل التوحيد لا للمُشركين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحقُّ الناس بشفاعتي: من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
الأمر الثاني مما يُصلِحُ الله به الأمة ويدفعُ عنها النوازِل: إقامةُ الصلاة كاملة الأركان والواجبات والأفعال والأقوال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي". رواه البخاري ومسلمٌ من حديث مالكِ بن الحُويرِث -رضي الله عنه-.
ولو قارنَ كلُّ مسلمٍ صلاتَه بصلاة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لظهرَ له النقصَ في صلاته؛ فعلى كل مسلمٍ أن يُكمل النقصَ في صلاته، وسيرى صلاحَ ذلك في أحواله كلها.
الأمرُ الثالثُ مما يُصلِحُ الله به الأمة: الحكمُ بشرع الله في مُجتمعات المسلمين؛ فما أفسدَ أحوالَ المُجتمعات الإسلامية إلا القوانينُ المُستوردة، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].
وقد رأينا كلَّ خيرٍ في بلادنا بتحكيم الشريعة الإسلامية، أدامَ الله حُكمَها، وما حمانا الله من عواصفِ الفتن المُدمِّرة إلا بشريعتنا الغرَّاء السَّمحَة العادلة الشاملة.
أيها المسلمون: إن كل مسلمٍ ضائقٌ صدرُه بما يجري من الفتن وسفك الدماء في تلك البُلدان التي أُصيبَت بهذا البلاء -ولا سيَّما في سوريا-، فنُنكِر سفكَ دماء المسلمين، وهدمَ مساجدهم، واعتقالَهم بغير حقٍّ، وكلُّ أحدٍ على وجه الأرض مما له عقلٌ يستنكِرُ ما يقومُ به حُكَّامُ سوريا ضدَّ شعبٍ أعزل، وكان العقلُ والشهامةُ وكرمُ الطبع يُوجِبُ أن يستجيبَ حُكَّامُ سوريا لنداء خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لإيقاف هذا النزيف الدموي، والانتهاء من إبادة الشعب السوري؛ ما له من الفضل عليهم في المواقف الصعبة التي مرُّوا بها، ولكن تمادَوا في الظلم والعُدوان، وسفَكوا الدمَ الحرام، وانتهَكوا الحُرمات، وهدَموا المساجد.
فجزى الله خادمَ الحرمين الشريفين على كلمته التي سيبقى صدَاها يُندِّدُ بسفك الدماء والإرهاب، فكما أن الإسلام يقِفُ في وجه إرهاب الفرد الظالم المُعتدي، كذلك يستنكِرُ ويُندِّد بإرهاب الدولة.
ونرجو الله أن يُوفِّقَ خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ عبد الله بن عبد العزيز، وقادةَ العالم الإسلامي لمُواصلة الجهود والعمل بالطُّرق المناسبة لإيقاف هذه الإبادة للشعب السوري؛ فالأمرُ لا يُطاقُ السكوتُ عليه.
فادعُوا الله -تبارك وتعالى- أن يُخرِج المسلمين من كُرباتهم ومِحَنهم، وأن لا يُسلِّطَ عليهم من لا يخافُ اللهَ فيهم ولا يرحمُهم من هؤلاء الظالمين المُعتدين وأمثالهم ممن لا يخافُ اللهَ -تبارك وتعالى-، ولا يرقُبُ في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، ولا يشعرُ بصلةٍ بينه وبين المسلم.
قال الله -تبارك وتعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ) [النور: 31]، وقال -تبارك وتعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: إن كل مسلمٍ لو فكَّر في حسناته وفكَّر في سيئاته، وأنّ عليه من الله حافظًا يكتب سيئاته كما يكتُب حسناته، ولا يظلِمُ اللهُ مثقالَ ذرَّةٍ: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40]، لو فكَّر في أن الله -تبارك وتعالى- يكتبُ ما يعمل لقلَّت سيئاتُه، وكثُرت حسناتُه؛ فإنه إذا حاسبَ نفسَه قلَّ حِسابُه، ويسَّر الله له الحساب، ويسَّر عليه كل شيء، قال الله -تبارك وتعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، وقال -عز وجل-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ) [الانفطار: 10، 11].
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إن اللهَ كتبَ الحسنات والسيئات". رواه البخاري ومسلم.
عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال -عزَّ من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
التعليقات