عناصر الخطبة
1/السنة بدء الخطب بخطبة الحاجة 2/قصة ضماد مع خطبة الحاجة 3/من دروس قصة إسلام ضماداقتباس
لَم يَفُتِ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- فُرْصَةُ تَحْوِيلِ ضِمَادٍ مَن مجرَّدِ مُسْلِمِ عَادِيٍّ لا يهتمُّ إلَّا بِنَفْسِه، إِلَى مُسْلِمٍ دَاعِيَةٍ يَحْرِصُ عَلَى حَمَلِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ، فَسَأَل ضِمادًا عِنْدَمَا بَايَعَه: "وَعَلَى قَوْمِكَ؟"، فَقَال ضِمَادُ: "وَعَلَى قَوْمِي"، فَوَصَلَتْ بِذَلِك كَلِمَاتِ الرَّسُولِ إِلَى الْيَمَنِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الْـحَمْد لِلَّـهِ نَحْمَدُه، وَنَسْتَعِينُه، وَنَسْتَغْفِرُه، ونعوذُ بِاَللَّـهِ مَن شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنّ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَن يَهْدِه اللَّـهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنّ يُضْلِل فَلا هَادِي لَه، وَأَشْهَدُ أن لا إلَه إلَّا اللَّـهُ وَحَدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أن محمداً عبدُهُ ورسوُلُه.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْـحَدِيثِ كِتَابُ اللـهِ، وَخَيْرَ الْـهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ.
عِبَاد اللَّـه: مَا رَأْيَكُم بِهَذِه الْـمُقَدِّمَةِ؟! أَو لَيْسَت مُقَدَّمَةً تَقْلِيدِيَّةً كثيرًا مَا تَسمعُونَها مِن الْـخُطَبَاءِ، والمُحَاضِريّنَ، وتقرؤونَها فِي افتتاحياتِ كَتْبِ بَعْضِ الْـمُؤَلِّفِينَ؟ وَتُسَمَّى هَذِه الْـمُقَدِّمَةُ خُطْبَةَ الْـحَاجَةِ؛ لأَنَّهَا مِفْتَاحٌ يَفْتَتِحُ بِهَا الْمُتَكَلِّمُ الْحَدِيثَ عَن حَاجَةٍ مِن حَاجَاتِه كَمَوْعِظَةٍ، أَو خُطْبَةٍ، أَو تَعْلِيمٍ، أَو جَوَابٍ، أَو نِكَاحٍ، أَو غَيرِ ذَلِك.
لَكِن هَل فَكْرَ أَحَدُنَا يومًا مَا أن يَتَأَمَّلَ فِي كَلِمَاتِهَا الْعَظِيمَةِ ومعانِيها الجليلةِ؟ وَهَل تَصَدَّقُونَ أَنَّهَا كَانَت سَبَبًا فِي إسْلَامِ قَبِيلَةٍ كَامِلَةٍ؟! وَهَل سَمِعْتُم بِقِصَّةِ رَجُلٍ مَن الْأَزْدِ مَع هَذِه الْكَلِمَاتِ الْفَرِيدَةِ؟.
إنَّه ضِمادُ بنُ ثَعْلَبَةَ الْأَزْدِيُّ، رَجُلٌ مَن أَزِدِ شَنُوءَةَ، مَن أَهْلِ الْيَمَنِ، كَان ضِمَادُ مَن عُقَلَاءِ النَّاسِ، وكان يَرْقَي النَّاسَ مَن الْـجُنُونِ وَمَسِّ الْجِنِّ، قِدَمَ يومًا إِلَى مَكَّةَ، وَأَخْذ يَمْشِي فِي أَزِقَّتِهَا، يُقَابِلُ أَهْلَهَا وَكِبَارَهَا، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِن أَهْلِ مَكَّةَ يقولونَ: إنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقالَ: لو أَنِّي رَأَيْتُ هذا الرَّجُلَ؛ لَعَلَّ اللَّـهَ يَشْفِيهِ علَى يَدَيَّ، قالَ: فَلَقِيَهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنِّي أَرْقِي مِن هذِه الرِّيحِ، وإنَّ اللَّـهَ يَشْفِي علَى يَدَيَّ مَن شَاءَ، فَهلْ لَكَ؟.
لقد وَاجَه الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا سَمِعَه عَنْه، خَاطَبَه عَلَى أَنَّه مَجْنُونٌ مَن الْمَجَانِينَ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُه عَلَيْه-، وَعَرْضَ عَلَيْه خدماتِه، بِصِفَتِه صَاحِبَ طبٍ وَصَنْعَةٍ.
أَمَّا رسولُ اللَّـه -صلى الله عليه وسلم- فَمَا نَهَرَ ضِمادًا، ولا عَنَّفَهُ، ولا وَبَّخَهُ، ولا اعْتَدَى عَلَيْه، وَإِنَّمَا وَجَدِّهَا فُرْصَةً مُنَاسَبَةً لِلدَّعْوَة إِلَى دِين اللَّـهِ؛ لَعَلّ اللَّـهَ أن يَهْدِيَ هَذَا الرَّجُلَ الْعَاقِلَ عَلَى يَدَيْه.
فَتْحَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَه وَنَطَقَ، نَطَقَ بِكَلِمَاتٍ مَن الْـهُدَى وَالنُّورِ، فقَال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الْحَمْدَ لِلَّـهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونعوذُ بِاَللَّـهِ مَن شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَن يَهْدِه اللَّـهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنّ يُضْلِل فَلا هَادِي لَه، وَأَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحَدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، أَمَّا بَعْد".
كَان ضِمَادٌ يَسْمَعُ وَيَتَأَمَّلُ فِي هَذِه اللَّآلِئِ الَّتِي تَتَحدرُ مَن فِيِّ رَسُولِ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَأَمَّلُ فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي يَتَلَفَّظُ بِهَا مَن تَتَّهِمُهُ قُرَيْشٌ بِالْـجُنُونِ، لَم يَدَعْ رسولَ اللَّـهِ يَكْمُلُ مَا بَعْدَ "أَمَّا بَعْدُ" وَإِنَّمَا استوقَفَه عَن الْـحَدِيثِ وَقَال: "يَا مُحَمَّدُ، أَعِدّ عليَّ"، فَأَعَادَ عَلَيْه -صلى الله عليه وسلم- تِلْكَ الـمُقدِمةَ الرائعةَ الرَّائِقَةَ الْبَلِيغَةَ، فَلَمَّا قَال: "أَمَّا بَعْدُ"، قَال ضِمَادٌ وَهْو يَسْتَمِعُ بِكُلِّ جَوَارِحِه: "يَا مُحَمَّدُ، أَعِدّ عَلَيَّ مَرَّةً ثَالِثَةً"، فَأَعَاد عَلَيْه -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا قَال: "أَمَّا بَعْدُ" لِلْمَرَّة ِالثَّالِثَةِ، استوقَفهُ ضِمَادٌ أيضًا، ثُمّ قَال: "يَا مُحَمَّدُ، لَقَد سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْت مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، ولقد بَلَغْنَ ناعوسَ الْبَحْرِ، وَإِنْي أَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّـهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عَبْدُه وَرَسُولُه"؛ أَي: بَلَغْنَ مَن كَمَالِ الْبَيَان وَالْفَصَاحَة مَبْلَغًا عَظِيمًا.
أَسْلَمَ ضِمَادٌ عِنْدَمَا سَمِع تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي استمعْنَاها جميعًا أَوَّلَ الْـخُطْبَةِ، فَهَل أَثَّرَت فِينَا كَمَا أَثَّرَت فِي ضِمَادٍ، وَنَقَلَتْهُ مَن الْكُفْرِ إِلَى الإسلامِ؟!.
لَـمَّا نَطَقَ ضِمَادٌ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ، مَدَّ يَدَهُ بِاتِّجَاهِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ علَى الإسْلَامِ، فَمَدَّ الْـحَبِيبُ -صلى الله عليه وسلم- يَدَه لضمادٍ وَبَايَعَه عَلَى الإسلامِ.
وَلَمْ يُفوِّتِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هَذِه اللَّحْظَةَ، وَضِمَادٌ مَسْمُوعُ الرَّأْي فِي قَوْمِه، فَقَال -صلى الله عليه وسلم-: "وَعَلَى قَوْمِكَ؟"؛ أَي: أَتُبَايِعُنِي عَلَى الإسلامِ عَنْك وَعَن قَوْمِك؟ فَقَال ضِمَادٌ: "نَعَم عليَّ وَعَلَى قُومِي".
فَبَعَثَ رَسولُ اللـهِ -صلى الله عليه وسلم-سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بقَوْمِهِ، فَقالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هلْ أَصَبْتُمْ مِن هَؤُلَاءِ شيئًا؟ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَصَبْتُ منهمْ مِطْهَرَةً، فَقالَ: رُدُّوهَا؛ فإنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.
كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ، يَهْدِي بِهَا اللَّـهُ قومًا بأكملِهم، فمَا هَذِه الْبَرَكَةُ فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ؟! وما هَذِه الْبَرَكَةُ فِي ضِمَادٍ؟ وَكُلُ الْبَرَكَةِ فِي رَسُولِ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- الذي دعاه للإسلام.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: إنَّ مَن فَوَائِدِ الْقِصَّةِ: تَقْصِيرُنَا فِي تَأَمَّلِ كَلَامِ اللَّـهِ، وَكَلَامِ رَسُولِه -صلى الله عليه وسلم-، فَكَم مَرَّةً سَمِعْنَا أَو قَرَأْنَا مَا سَمِعَهُ ضِمَادُ وَلَمّ تَهْتَزَّ فِينَا شَعْرَة؟! كمْ مَرَّةٍ نَقْرَأُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ كَلَّ يَومٍ، وَهْي أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ! فَهَل تَأَمَّلْنَا وتدبرنا فِي مَعَانِيْهَا، وهكذا فِي سَائِر الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ؟ هِي دَعْوَة لِاسْتِحْضَار الْقَلْب عِنْد سَمَاع الذَّكَرِ أَو قِرَاءَتِه.
ومن فوائدِ القصةِ: حِلمُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ورحابةُ صَدْرِهِ.
رحابةُ الصَّدْرِ فيهِ غَيرُ خَافِيَةٍ *** مَن أَجْلِهَا عَظُمَت فِيهِم مَكَانَتُه
يتهِمُكَ شَخْصٌ بِالْـجُنُونِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْك الْعِلَاجَ، وَهْو لا يَعْرِفُك، هَذَا بِلَا شَكٍّ أَمْرٌ ثَقِيلٌ عَلَى النَّفْسِ، وَقَد لا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ الصَّبْرَ عَلَى مَن يُقَابِلُه بِمِثْلِ ذَلِك، أَمَّا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقد اسْتَقْبَلَ ضِمادًا بِالْبِشْرِ، وَعَرْضَ عَلَيْه دَعْوَةَ التَّوْحِيدِ فَمَا فَرَغ حَتَّى أَسْلَمَ؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128].
ألا فاتقوا الله -عباد الله- وتخلقوا بأخلاقِ الحبيبِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فلَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وإنَّه كانَ يقولُ: "إنَّ خِيَارَكُمْ أحَاسِنُكُمْ أخْلَاقًا".
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْـحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ... أَمَّا بَعْدُ:
فيا عِبَاد اللَّـه: هَذِه الْقِصَّةُ الْعَظِيمَةُ، قِصَّةُ ضِمادِ بنِ ثَعْلَبَةَ الْأَزْدِيِّ، مَلِيئَةٌ بالدروسِ وَالْعِبَرِ؛ فَمَن هَذِه الدُّرُوس:
اسْتِثْمَارُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- للمواقفِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّـهِ -تَعَالَى-، وكُمّ قابلنا فِي حَيَاتِنَا مَن أَشْخَاصٍ من غيرِ المُسْلِمِينَ، فَهَل دَعَوْنَاهُم لِلْإِسْلَام؟ لَقَد أَتَى بِهِم اللَّـهُ فَهَل نَتْرُكَهُم يَعُودُون كَمَا أَتَوْا؟ أَلَم نَسْمَع حَدِيثَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- :"فَوَاللَّـهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّـهُ بكَ رَجُلًا وَاحِدًا؛ خَيْرٌ لكَ مِن أَنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ".
كُمّ نُصَادِف فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ مَن معاصٍ وَمُنْكَرَاتٍ ظَاهِرَةٍ، فَهَل أَدَّيْنَا شَعِيرَةَ اللَّـهِ -تَعَالَى- بِالْأَمْرِ بِالْـمَعْرُوف وَالنَّهْيِ عَن الْـمُنْكَر؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].
وَمن الْعِبَرِ: لَم يَفُتِ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- فُرْصَةُ تَحْوِيلِ ضِمَادٍ مَن مجرَّدِ مُسْلِمِ عَادِيٍّ لا يهتمُّ إلَّا بِنَفْسِه، إِلَى مُسْلِمٍ دَاعِيَةٍ يَحْرِصُ عَلَى حَمَلِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ، فَسَأَل ضِمادًا عِنْدَمَا بَايَعَه: "وَعَلَى قَوْمِكَ؟"، فَقَال ضِمَادُ: "وَعَلَى قَوْمِي"، فَوَصَلَتْ بِذَلِك كَلِمَاتِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ، وصارَ المسلمُ الجديدُ ضِمادٌ مَن كِبَارِ الدُّعَاةِ إِلَى اللَّـه؛ حَيْث حَمَلَ مسئوليةَ دَعْوَةِ قَبِيلَةٍ كَامِلَةٍ تَبْعُدُ مِئَاتَ الْأَمْيَالِ عَن مَكَّةَ.
وَمَنّ الْعِبَر: أنَّ الْهِدَايَةَ بِيَد اللَّـهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَقَد رَأَيْنَا كثيرًا مَن مُشْرِكِي مَكَّةَ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ لسنواتٍ وَلَكَنَّهُم لَم يُؤْمِنُوا، بَيْنَمَا سَمِعَ ضِمَادُ مُقَدَّمَةَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَط فَأَسْلَمَ، وَقَبْلَ أن يَسْمَعَ أَيَّ شَيْءٍ مَن الْقُرْآنِ!، فَهَذِه الْهِدَايَةُ مَن اللَّـهِ، وما عَلَيْنَا إلَّا أن نَحْمِلَ رِسَالَتَنَا إِلَى النَّاسِ؛ (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[البقرة: 272].
وَمَنّ فَوَائِدِ هَذِه الْقِصَّةِ: أن الشِّفَاءَ مَن عِنْد اللَّـهِ -تَعَالَى-، بَل إن هَذَا الاعتقادَ هُو الْفِطْرَةُ، فَهَذَا ضِمَادٌ نَسَب الشِّفَاءَ لِلَّـهِ -تَعَالَى- وَلَمّ يَنْسُبْه لِنَفْسِه.
فَلْيُتَأَمَّل ذَلِك مَن يَذْهَبُ لِلسَّحَرَةِ والمشعوذينَ يَلْتَمِسُ مِنْهُم الشِّفَاءَ وَرَفْعَ الْبَلَاءِ، وَلْيُتَأَمَّل ذَلِك مَن يُطَارِدُ الْأَطِبَّاءَ دُوْن أن يَرْفَعَ يَدَيْهِ بِدَعْوَةٍ صَادِقَةٍ لِلَّـهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ أن يَشْفِيَه أَو يَشْفِيَ مَرِيضَه.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: هَذِه نَتَفٌ يَسِيرَةٌ مَن الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ فِي قِصَّةِ ضِمَادٍ مَع خَيْرِ الْبَشَرِ، ولكلٍ مِنْكُم إِجالةُ النَّظَر؛ لِاسْتِنْبَاطِ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْه الْفِكْرُ.
فَرَضِي اللَّـهُ عَن ضِمَادٍ وَعَنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّـهِ أَجْمَعِين، وَجَمَعْنَا بِهِم فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، مَع مَن أَنْعَمُ اللَّـهُ عَلَيْهِم مَن النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصالحين.
التعليقات