عناصر الخطبة
1/ صفة الجنة 2/ أهل الجنةاهداف الخطبة
اقتباس
أعد الله الجنة لعباده الصالحين فالفوز بها يحدو أولياء الله على التشمير عن ساعد الجد واستسهال الصعاب والدوام على المشاق فتُتَعب الأبدانُ في الدنيا لترتاح في الآخرة وتُخَالف النفسُ وشهواتهُا وتكره على الطاعات لتفوز بمحبوبها في الآخرة فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحداً فأذكر في هذا المقام بعض ما جاء في الجنة ونعيمها جعلنا الله ووالدينَ والمسلمين ممن يدخلها ابتداء ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءَ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71] أما بعد:
أعد الله الجنة لعباده الصالحين فالفوز بها يحدو أولياء الله على التشمير عن ساعد الجد واستسهال الصعاب والدوام على المشاق فتُتَعب الأبدانُ في الدنيا لترتاح في الآخرة وتُخَالف النفسُ وشهواتهُا وتكره على الطاعات لتفوز بمحبوبها في الآخرة فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحداً فأذكر في هذا المقام بعض ما جاء في الجنة ونعيمها جعلنا الله ووالدينَ والمسلمين ممن يدخلها ابتداء.
فقدوم أهل الجنة إلى ربهم كما ذكر ربنا عز وجل بقوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73] فالجنة دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعوه ما شاء الله أن يدعوه ثم يأذن له في رفع رأسه وان يسأله حاجته فيشفعه سبحانه في فتح أبوابها تعظيما لأمرها وإظهاراً لمنزلة رسوله وكرامته عليه فهذه الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين.
فإذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما قال تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ) [ص:50] إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا هي دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتجون إلى ذلك في الدنيا.
أما أبواب الجنة الثمانية التي يدخل المؤمنون منها فعلى حسب أعمالهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم" رواه البخاري ومسلم.
فأين الهمة التي كهمة الصديق التي سمت إلى تكميل مراتب الإيمان وطمعت نفسه أن يدعي من تلك الأبواب كلها فسأل رسول الله هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهله فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر هذه النفس.
أما صفة دخول أهل الجنة الجنة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة -أي عود الطيب- وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء" رواه البخاري ومسلم.
ومن صفاتهم أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين على خلق آدم ستون ذراعا" حديث حسن جاء من حديث أبي هريرة ومعاذ بن جبل وجرداً مرداً أي ليس فيهم شعر في أجسادهم ولا في لحاهم.
وأهل الجنة في نعيم مقيم وملك كبير فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرءوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)" رواه البخاري ومسلم، ففي الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال ومن ذلك.
(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ* فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ).
وهذه الأطعمة التي يتفكهون بها لا يتأذون بإخراجها كحالهم في الدنيا فعن زيد بن أرقم قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال يا أبا القاسم: "ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع، قال فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك فإذا البطن قد ضَمُرَ" رواه أحمد بإسناد صحيح.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي لا يتعاظمه شيء أعطاه يجازي بالكثير على القليل والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بين لنا البين المبين.
وبعد:
إخواني: أقل أهل الجنة أعظم من ملوك الدنيا كلهم فما بالكم بأعظمهم منزلة فعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله عز وجل يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسألَه غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده أن لا يسألَه غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول أي رب أدخلنيها فيقول يا ابن آدم ما يصريني منك أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألوني مم أضحك فقالوا مم تضحك قال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فيقول إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر" رواه مسلم.
عباد الله: إذا أردنا أن نعرف الطريق الموصل إلى الجنة فمن ذلك قوله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ولا يبذل في حال العسر والشدة ثم ذكر كف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإصرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه.
ومن الطريق الموصل إلى الجنة الصلاة لاسيما الصلاة التي يسبقها نوم؛ فعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى البردين دخل الجنة " رواه البخاري ومسلم. والبردان: الفجر والعصر
إخواني: يظهر الغبن الفاحش يوم القيامة ويتبين سفه المفرط يوم الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفداً وسيق المجرمون إلى جهنم ورداً فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكاً كبيراً لا تعتريه الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون.
لقد نودي على الجنة في الدنيا في سوق الكساد فما قلب ولا أستام إلا أفراد من العباد فالبدار البدار قبل حلول الأجل وإياك والتسويف فقد يحال بينك وبين أملك لاسيما ما افترضه الله عليك من فعل الواجبات وترك المحرمات فما تقرب إلى الله متقرب بأحب مما افترضه عليه فعلاً أو تركاَ.
التعليقات