صبرا فلسطين (2)

ناصر بن محمد الأحمد

2015-04-09 - 1436/06/20
عناصر الخطبة
1/صمت العالم عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني 2/استنكار العرب وتحركه من أجل ثلاث أسرى من جنود الاحتلال الإسرائيلي 3/معتقد أهل السنة في نزول الشر بالمسلمين 4/بعض حكم الإلهية في نزول الشرور بالمسلمين 5/أمة الإسلام كالغيث 6/نبذة مختصرة عن حياة عز الدين القسام وجهاده 7/بعض التنبيهات المتعلقة بالقضية الفلسطينية
اهداف الخطبة

اقتباس

لم يحرك همة الدول الغربية والشرقية، استشهاد أكثر من 120 شهيد فلسطيني، أكثر من ثلثهم من الأطفال. لم يحرك ضمير الأسرة الدولية جرح ثلاثة آلاف فلسطيني، ولم يهتم المجتمع الدولي بفقد مئات الأسر الفلسطينية منازلها، بعد أن هدمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأصبح سكانها يبيتون في العراء، لم يتحرك العالم بشقيه الشمالي والجنوبي إلا بعد أن...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: وما تزال الأحداث مشتعلة ودامية على أرض فلسطين والمسلمون هناك صابرون محتسبون.

 

نسأل الله -جل وعز- أن يأجرهم، وأن يثيبهم، وأن يكتب أجر كل قطرة دم مسلم، أريقت على تلك الأرض الطيبة المباركة، وأن يأتي صاحبه يوم القيامة، وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.

 

أيها المسلمون: مكث العالم كله صامتاً مدة غير يسيرة منذ بداية الأحداث الوحشية التي يرتكبها يهود على أرض فلسطين، دون أن يتحرك أحد، وفجأة استيقظ المبعوثون، وبدأت المنطقة تستقبل رسل الدول الغربية والشرقية، وأمين عام الأمم المتحدة، والجميع يزعمون أنهم يسعون لإنقاذ عملية السلام.

 

أكثر من عشرة أيام والأطفال الفلسطينيون يتساقطون برصاص الجنود الإسرائيليين، والمقدسات الإسلامية تستباح، ومنازل الفلسطينيين تقتحم، وتدمر المباني والمصانع وتسوى بالأرض، حتى يتاح للجنود الإسرائيليين والقناصة منهم إصابة أكبر عدد من المتظاهرين الفلسطينيين.

 

والجميع ساكت يتفرج، إلى درجة أن اليهود استخدموا المروحيات العسكرية لقصف الفلسطينيين، وتدمير وحرق منازلهم، بل واستخدموا الدبابات ليصل عدد الشهداء إلى أكثر من 120 شخصاً، حتى الآن، والجرحى يزيد على ثلاثة آلاف جريح.

 

كل هذه الجرائم ترتكب، ولم تجعل أيا من الدول الغربية أو الشرقية تتكرم وترسل مبعوثا منها.

 

وفجأة، بدأت بيروت تستقبل المبعوثين والرسل، وفجأة أصبحت دمشق مقصداً لهؤلاء الغائبين، هل تعلمون ما هو السبب الذي جعل هؤلاء يتحركون؟

 

السبب هو: أسر المقاومة الإسلامية اللبنانية لثلاثة من جنود الاحتلال الإسرائيلي!.

 

لم يحرك همة الدول الغربية والشرقية، استشهاد أكثر من 120 شهيد فلسطيني، أكثر من ثلثهم من الأطفال.

 

لم يحرك ضمير الأسرة الدولية جرح ثلاثة آلاف فلسطيني، ولم يهتم المجتمع الدولي بفقد مئات الأسر الفلسطينية منازلها بعد أن هدمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأصبح سكانها يبيتون في العراء، لم يتحرك العالم بشقيه الشمالي والجنوبي إلا بعد أن قبض الجنود اللبنانيون على ثلاثة من الجنود اليهود فوق أراضٍ لبنانية، جاؤوا مع قواتهم لشن عدوان على أهلها، والاعتداء على المدنيين.

 

من أجل ثلاثة فقط، وصل وزير خارجية روسيا، والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، ووزيرة الخارجية الأمريكية، ومبعوثون من أوروبا سعيا لإطلاق سراح ثلاثة أسرى فقط.

 

أما أن يقتل أصحاب الحق عمدا، وبسابق إصرار؛ لأنهم تجرؤوا وقذفوا محتليهم بالحجارة، فالمجتمع الدولي يكتفي بالتفرج ويمارس سياسة الصمت المتواطئ.

 

أيها المسلمون: إن من جملة معتقد أهل السنة: أنه ليس هناك شر محض، فإن في هذه المجازر الوحشية خير ولا شك في ذلك، ولا يمكن أن يقع شيء في الكون إلا وفق إرادة الله وحكمته، ونحن البشر قد ندرك بعض هذه الحكم وقد لا ندرك، ويكفي مما حصل في الأيام الماضية، هذه الصحوة التي حصلت للمسلمين في كل مكان، فكثير من المسلمين كان في غفلة، ومثل هذه الأحداث توقظ النائم، وتنبه الغافل.

 

ومن الحكم أيضاً: هذه الثورة الغاضبة التي حصلت على كافة المستويات، والتي لم تكن متوقعة، مما يشير إلى أن هناك خير كثير ما يزال موجوداً في الأمة، وأن هناك الآلاف المؤلفة من المسلمين في شتى البقاع على استعداد تام أن يقدموا الكثير، وأنهم مستعدون، حتى أن يضحوا بأنفسهم.

 

ولعل معظمكم شاهد شيئاً من ذلك عبر وسائل الإعلام، لكن هذه الغضبة، وهذا الثوران، وهذه الحشود تحتاج إلى حسن استغلال، وإلى من يوجهها الوجهة الصحيحة، لكي تستثمر، وأن لا تنحرف عن الجادة.

 

أيها المسلمون: ذكرنا في الجمعة الماضية، ونزال نكرر أن قضية فلسطين بالذات، بل كل قضية يكون الكافر طرفاً فيها لا حل لها إلا الجهاد في سبيل الله، والجلوس مع هؤلاء على طاولة المفاوضات بحجة سلام مزعوم، نوع من العبث، وتطبيع خسارته تعود على المسلمين بكل الموازين.

 

غض المفاوض صوته فتكلمي *** بلسان نار يا كتائب أو دم

لم يفهم المحتل من خطبائنا *** فلتفهمي المحتل ما لم يفهم

ما أيد الحق المضاع كمنطق  *** تدلي به شفة السلاح الأبكم

تتحرر الأوطان بالدم وحده  *** إن الخطابة رأس مال المعدم

بثوا له الأشواك إن يمشي وإن  *** يشرب فشوبوا ماءه بالعلقم

دعوه إن يلفظ يعش فزعاً وإن  *** يرقد بغارات الكتائب يحلم

حتى يظن النار حشو رغيفه *** فإذا تناوله تفجر في الفم

 

ولا نيأس -أيها الأحبة- فإن هذه الأمة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمة ولود، أمة كالغيث لا يدرى خير أولها أم آخرها، فكما كان هناك خير كثير في أول هذه الأمة وهم سلفها، فهناك -ولله الحمد- خير كثير في آخر هذه الأمة، وهم خلفها.

 

وكما أن الله -عز وجل- هيأ للقدس رجالاً في السابق، كأمثال صلاح الدين، وعز الدين القسام، وغيرهم، فليس على الله بعزيز أن يخرج للقدس من أمثالهم هذه الأيام.

 

وإن لنا مع اليهود جولات وجولات قادمة بإذن الله -عز وجل-.

 

من كان يتوقع أن بيت المقدس بعد أن وقعت تحت الاحتلال قرابة سبعين سنة، تخيلوا -أيها الأحبة- سبعين سنة لم تقام الصلاة في المسجد الأقصى، وبعد كل هذا يهيأ الله للأمة من أمثال صلاح الدين، فأعادها إلى حوزة المسلمين.

 

ثم الحركة التي قام بها الشيخ عز الدين القسام، وهو يعد من المتأخرين، يتغنى بها الفلسطينيون إلى اليوم، ويتمنون أن يخرج فيهم قسام آخر يعيد الأمور إلى نصابها.

 

ولعل بعضكم سمع وقرأ شيئاً عن صلاح الدين، ومعركة حطين، لكن حركة القسام لم يسمع أو يقرأ عن تفاصيلها، فلنعش بضع دقائق مع قصة القسام وجهاده لليهود على أرض فلسطين، ونأخذ منها الدروس والعبر.

 

أيها المسلمون: ولد الشيخ محمد عز الدين بن عبدالقادر القسّام في اللاذقية بسوريا سنة 1300هـ، ونشأ في أسرة كريمة، وعاش في بيئة إسلامية، وكان مضرب المثل بين أبناء بلده، ذكاءً وتفوقاً وخلقاً، أرسله أبوه للدراسة في الأزهر، فكان على اهتمام بالغ بدراسته، مع متابعة مستمرة لأوضاع العالم الإسلامي، وحركات التحرر التي تنبت هنا وهناك، وبعد أن أنهى تعليمه العالي في الأزهر، عاد إلى سوريا، واشتغل بالتعليم والوعظ، إلى أن احتل الفرنسيون ساحل سوريا في ختام الحرب العالمية الأولى، فغضب القسام، وثار مع بعض طلابه ضد الاستعمار الأجنبي، لكن لم يكتب لهم النجاح وطاردوهم الفرنسيون، وحكموا عليه بالإعدام، فهرب إلى دمشق، وبعد استيلاء الفرنسيين عليها هاجر من سوريا مع اثنين إلى حيفا بفلسطين.

 

وعندما وصل إلى حيفا احتفى به أهلها احتفاءً بالغاً، لما عرفوا عنه من الشجاعة والصلابة في الجهاد، وتولى إمامة وخطابة جامع الاستقلال.

 

قدم الشيخ القسام إلى فلسطين في الوقت التي كانت بريطانيا بحقدها الصليبي تقوم بدور تهيئة البلاد لإقامة وطن لليهود، وكانت حيفا يومئذٍ مرفأ فلسطين الأول، وكان يشاهد القسام بعينيه مشروع إقامة هذا الوطن لبنة لبنة، فأدرك خطورة الأمر، وأيقن أنه لا يمكن أن يوقف هذا التخطيط إلاّ الجهاد.

 

فبدأ يفكر بالجهاد، وخطط لذلك تخطيطاً عجيباً، وقبل ذلك تأمل في أوضاع الدول الاسلامية من حوله، فرآها ممزقة كأيامنا هذه، وإذا بالاستعمار يعيث فيها فساداً، وكل شعب منشغل بنفسه، وبالمشكلات التي أوجدها له الاستعمار، فكان قوله رحمه الله: "إن علينا نحن عرب فلسطين الاعتماد على أنفسنا، وعلى إمكاناتنا الذاتية لا ننتظر، حتى تهبط النجدات من السماء، ولا حتى تصلنا من وراء الحدود".

 

بدأ القسام بإعداد وتهيئة الأجواء لذلك، فصار ينتقي من هذه الطلائع، وكان يتم ذلك بكتمان وسرية، حتى لا يكشف أمره، وقد استفاد من كونه خطيباً في الجامع من الاحتكاك بالناس، والتعرف على عدد كبير من المواطنين، ومن يتوسم فيه الاستعداد للجهاد كان يزوره في منـزله، ويكرر عليه الزيارات، حتى يقنعه بالعمل لإنقاذ فلسطين مما يهددها من خطر.

 

كما أنشأ رحمه الله مدرسة ليلة لمكافحة الأمية ليزيد اتصاله بالناس.

 

وكان لابد أيضاً من الاتصال بالقرى؛ لأن القضية ليست سهلة، بل هو قتال ضد دول، ولكي يتمكن من التنقل بين القرى دون أن يلفت الانتباه تقدم بطلب مأذون شرعي، ومن خلاله بدأ يخرج للقرى حتى تمكن من الاتصال بفئات مختلفة من المواطنين من شباب وشيوخ وعمال وفلاحين وطلاب وموظفين وتجار، وغيرهم.

 

بدأ القسام بعد ذلك ينتقي من يراه يصلح لكي يكون جندياً، وكان للعضوية في جيش القسام شرطان:

 

الأول: أن يقتني الجندي السلاح على حسابه من ماله الخاص.

 

الثاني: أن يدفع فوق ذلك اشتراكاً شهرياً يقتطعها من دخله الخاص مساهمةً منه لسد النواقص الأخرى التي يحتاجها الجيش.

 

ولا شك -أيها الأحبة- أن هذا أدعى للإخلاص، ومن يقبل بهذه الشروط يكون قد أخرج الدنيا من قلبه، وعلى أمثال هؤلاء الرجال تقوم الدعوات.

 

انتشرت طلائع القسام في أوساط الشعب الفلسطيني على نطاق واسع، ولكن بحذر شديد، يبصّرون الناس بأبعاد الهجرة اليهودية إلى البلاد، وآثارها في المستقبل، وفي الوقت نفسه عمل الشيخ القسام على نشر روح المحبة والتآلف بين المواطنين بعد أن كان الإنجليز قد مزقوها، بما أثاروا من حزازات وعداوات قبلية.

 

لقد كان عمل القسام عملاً منظماً ودقيقاً، فقد قام بتقسيم المجاهدين إلى وحدات منظمة، وحدة خاصة بشراء الأسلحة، ووحدة للتدريب العسكري، ووحدة لمراقبة تحركات العدو البريطاني واليهودي، ووحدة الدعاية في المساجد والمجتمعات، ووحدة جمع المال من الأعضاء والأنصار، ورعاية أسر المعتقلين، وكان للمرأة دور بارز في هذا المجال، وجعل القسام لكل وحدة رئيساً يتابع عملها.

 

واستمر القسام في الإعداد لعدة سنوات، والناس تلتف حوله، حتى بلغ عددهم نحو المائة من المجاهدين، والأنصار بالمئات.

 

وعندما ازدادت هجرة اليهود إلى فلسطين بتنظيم من الإنجليز ذهب وفد عربي إلى لندن للمفاوضات، والإنجليز ماهرون في فن الاستعمار، فكانوا يستقبلون الوفود، ويشكلون اللجان لدراسة الأوضاع، ويصدرون البيانات، وبهذا يقتلون الوقت، ولا يفعلون إلا ما يكفل لقافلة اليهود إطّراد المسير.

 

وكان القسام على بيّنة من أمره، عالم بالمكر وعلى يقين بأن جميع وفود العرب ومؤتمراتهم لن تجدي شيئاً، وأن الطريق الوحيد لإنقاذ أرض الإسراء والمعراج هو الجهاد في سبيل الله.

 

وبعدما قطع القسام شوطاً من الإعداد المعنوي والمادي أراد رحمه الله أن يمتحن سلاحه ورجاله، فبدأ بعدد من العمليات على سبيل التجربة، كانت الأولى حيث قام بعض المجاهدين بقتل عدد من اليهود، وجرح عدد آخر، وبعدها العملية الثانية حيث تصدى رجال القسام لسيارات تنقل العمال اليهود من مستعمرة إلى أخرى، وتم قتل عدد من اليهود أيضاً في هذه العملية.

 

ولم يكشف أمرهم؛ لأنهم كانوا على درجة عالية من المهارة والتخفي.

 

ذعر اليهود إذ رأوا لأول مرة شيئاً جديداً لم يتعودوه في فلسطين، فانتشر الجواسيس في كل مكان، وصار الاعتقال بمجرد الشبهة.

 

وكانت عمليات القسام هذه بمثابة الروح التي سرت في أوصال الأمة، فحركت الهمم، وشدّت العزائم، وحفّزت الناس للقتال.

 

عقد القسام مباحثات سرية مع رجاله بالقدس، وتم الاتفاق على إعلان الجهاد ضد اليهود، خرجت الطلائع لتأخذ أماكنها في قواعدها في الجبال والغابات، تنبه الإنجليز لذلك، فحشدوا قواتهم، واستخدموا الطائرات، وبدأت المواجهة المسلحة، انسحب المجاهدون إلى أعالي الجبال، ولاحقهم العدو، وبدأت المعركة منذ ساعات الفجر الأولى، ووزع القسام رجاله في مواقع حصينة، وسط الصخور العالية والأشجار، بحيث يسهل عليهم الدفاع، واحتدم القتال والرصاص ينهال عليهم من كل صوب، وكانت معركة رهيبة استمرت يوماً كاملاً بين المجاهدين والقوات البريطانية الحامية لليهود، صمد فيها رجال القسام، وقاتل شيخهم قتال الأبطال، وظل يكافح، ويُنـزل بالأعداء الخسائر، حتى خرّ صريعاً في ميدان الجهاد، واستشهد معه آخرون.

 

سرى خبر استشهاد القسام في أنحاء فلسطين مسرى النار في الهشيم، وحضر جنازته رحمه الله حشوداً هائلة، وكانت جنازة عظيمة.

 

أيها المسلمون: لقد كانت حركة القسام المشعل الذي أنار الطريق، والمحرك الذي ألهب النفوس، وأثار الشعور الإسلامي، وفتح باب الجهاد على مصراعيه للشعب الفلسطيني.

 

نعم، لقد مات القسام ولم يحرر فلسطين، ولكنه رحمه الله بجهوده المباركة التي قدمها، ثم باستشهاده علم الأمة الكثير والكثير.

 

وبإمكاننا أن نأخذ عدداً من الدروس المهمة من قصة عز الدين القسام:

 

أولاً: أن الاستعمار والصهيونية شيء واحد، وخطر واحد، وللتخلص من الصهيونية، وللقضاء على اليهود، لا بد من القضاء على الاستعمار الموجود في البلاد أياً كان نوع هذه الاستعمار.

 

ثانياً: أن ما أخذ القوة لا يرجع إلا بالقوة، وأن أصوات البنادق والمدافع لا يسكتها المؤتمرات والخطب والبيانات، فالغزو المسلح لا يصده إلاّ الكفاح المسلح، وأن سفك دماء الأبرياء لا يوقفه مؤتمرات قمة، أو مفاوضات سلام، أو استنكارات وشجب.

 

ثالثاً: أن أخوف ما يخافه اليهود، بل كل ملل الكفر هو عودة الأمة إلى عقيدة الجهاد، وأن الجهاد هي من السمات البارزة لهذه الأمة في تاريخها الطويل، وأن الجهاد ليست انتفاضة ولا طفرة، وإنما هي تعبئة وتنظيم، وتدريب وإعداد معنوي ومادي بقوة الإيمان، وقوة السلاح.

 

رابعاً: إن القدس ليست للفلسطينيين ولا للعرب، بل هي لكل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلا يملك أحدٌ كائناً من كان أن يتنازل عن شبر من أرضها لليهود الغاصبين.

 

وليعلم اليهود ومن وراءهم الأمريكان: أن القضية لن تنتهِ بموافقة فئة من العملاء الذين صنعوهم على أعينهم، وأن الأرض المباركة تأبى أن يأمن فيها اليهود، وإن الأجيال القادمة هي أجيال النصر والظفر -بإذن الله تعالى-.

 

خامساً: أن حياة الشعوب لا تقاس بحياة الأفراد، وأن الشهيد الذي يموت في أول الطريق يُسهم في تعبيد طريق النصر للشهيد الذي يليه، وأن الجيل بأكمله قد يمضي، لكنه يقيم جداراً في بناء تحرير المقدسات ترفعه من بعده الأجيال.

 

ولذلك لا يضيره أن يمضي قبل أن تكتحل عيناه بنور النصر، فقد أدى الواجب، ونال الشهادة، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169].

 

بارك الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

هناك أمران أذكر بهما، وأنبه عليهما:

 

الأول: لا نريد أن هذا الحدث يمر كغيره من الأحداث، نتحمس في أوله، ثم بعد أسابيع أو حتى أيام، ينطفأ هذا الحماس، ويصبح الإعلام هو الذي يحركنا، وهو الذي يلعب بمشاعرنا وعواطفنا.

 

هذه جانب، جانب آخر أن ننسى قضايانا وهمومنا الأخرى، من الذي يتحدث هذه الأيام عن الشيشان، وهل قضية الشيشان انتهت؟ لم تنتهَ لكن جاءت الأخيرة، فأنست الأولى.

 

فينبغي أن نكون على قدر من الوعي، نعم، نهتم بفلسطين هذه الأيام أكثر؛ لأن القضية ساخنة والأحداث متلاحقة، والأمر يحتاج إلى ذلك، لكن لا نغفل الأخرى أو لا نتبرع لها، فالتوازن مطلوب.

 

مثال آخر: من يتابع هذه الأيام بالذات مرض حمى الوادي، الذي أشغلنا جميعاً قبل أسبوعين، وكان هو حديث المجالس والمنتديات، هل انتهى المرض؟

 

المرض لم ينته، والوفيات مستمرة، لكن نحن الذي يوجهنا الإعلام.

 

الأمر الثاني: وهي من المفاهيم الكبيرة، والتي يجب أن تكون واضحةً وضوح الشمس لدينا معاشر المسلمين عامة، ومعاشر الدعاة وطلاب العلم خاصة، هو أن حركات الإصلاح التجديدية، ونقل مجتمع بأكمله أو شعب بأكمله من حال الضعف والذل والخور إلى حال القوة والعزة، وثورة غالب المسلمين ضد ما يخطط لهم هذه النقلة الكبيرة في حياة الأمة، أو حتى في واقع مجتمع معين، لا بد أن يكون في مقدمتها، وفي صدارتها العلماء، فالعلماء هم وحدهم الذين يتمكنون من تحريك الأمة وقيادتها وتوجيهها ضد أعدائها، ولا ننكر دور من هم دونهم من الدعاة، وطلبة العلم، وخطباء المساجد، وغيرهم، هؤلاء دورهم كبير في تحريك النفوس، وشحذ الهمم، وإشعال الوقود، ومد الزاد، لكن يقف دورهم عند هذا الحد.

 

أما النقلة الكاملة، والتغيير الجذري، فإنه لا بد أن يكون على أيدي العلماء، ومن هم محل اجتهاد الأمة.

 

ولو تتبعنا حركات الإصلاح التي حصلت في حياة هذه الأمة من القرون الماضية المتقدمة إلى العصور المتأخرة، لوجدنا أن في رأس وقمة وقيادة هذه الحركات هم علماء هذه الأمة في وقتهم، وذوا الرأي الصائب، والعقل الراجح فيهم.

 

اللهم ...

 

 

 

المرفقات
صبرا فلسطين (2).doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life