عناصر الخطبة
1/ فضل ذي القعدة 2/ أعماله 3/ منزلة الحج 4/ التعجيل بالحج والنهي عن تأخير المستطيع له 5/ فضل الحج 6/ شروط الاستطاعة للحجاهداف الخطبة
اقتباس
فإننا دخلنا في هذه الأيام شهر ذي القعدة، وهو أول الأشهر الحرم المتتابعات، التي قال الله -تعالى- فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة:36].
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تعالى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أما بعد: فإننا دخلنا في هذه الأيام شهر ذي القعدة، وهو أول الأشهر الحرم المتتابعات، التي قال الله -تعالى- فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة:36].
وقد استدل بعض أهل العلم بالآية على أن الذنوب تعظُم في الأشهر الحرم، قال الإمام القرطبي في تفسيره: لَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِذَا عَظَّمَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ صَارَتْ لَهُ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا عَظَّمَهُ مِنْ جِهَتَيْنِ أَوْ جِهَاتٍ صَارَتْ حُرْمَتُهُ مُتَعَدِّدَةً، فَيُضَاعَفُ فِيهِ الْعِقَابُ بِالْعَمَلِ السَّيِّئِ، كَمَا يُضَاعَفُ الثَّوَابُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ. اهـ.
فاتقوا الله عباد الله في هذه الأيام، وعظموها كما عظمها الله -تعالى-، فإنها من شعائر الله -تعالى-، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
عباد الله: شهر ذي القعدة هو ثاني الأشهر التي يشرع فيها الإحرام للحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والمحرم؛ وإن النبي-صلى الله عليه وسلم- لما أحرم بالحج أحرم في أواخر شهر ذي القعدة، واعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث عُمُرات وكلهنَّ بِهِنَّ أحرم في شهر ذي القعدة.
أحبتي: إن الله -تعالى- أمر إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- بعدما أتم بناء بيته بأن يعلن للناس جميعًا بوجوب الحج إلى بيته المعظم، فقال -تعالى-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج:27].
وأكَّد الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه الفريضة فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَض اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-.
والحج من أركان الإسلام الخمسة؛ ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامِ الصَّلاةِ، وَإِيتاء الزَّكاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
أيها الأحبة: يجب على من توفرت لديه الاستطاعة للحج أن يبادر لأداء الفريضة، فعن الفضل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَض الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِض الْحَاجَةُ" رواه ابن ماجة وأحمد، وحسنه الألباني.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَعَجَّلُوا إِلى الحَجِّ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَا يَعرِض لَهُ" رواه أَحمَد وابن ماجة وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وقال الشيخُ ابنُ بَازٍ -يرحمه اللهُ-: "مَن قَدَرَ عَلى الحَجِّ ولم يَحُجَّ الفَرِيضَةَ، وَأَخَّرَهُ لِغَيرِ عُذرٍ؛ فَقَد أَتَى مُنكَرًا عَظِيمًا، وَمَعصِيَةً كَبِيرَةً؛ فَالوَاجِبُ عَلَيهِ التَّوبَةُ إِلى اللهِ مِن ذَلِكَ، وَالبِدارُ بِالحَجِّ".
وَسُئِلَ الشيخُ ابنُ عُثيمِينَ -يرحمه اللهُ-: هَل وُجُوبُ الحَجِّ عَلَى الفَورِ أَم عَلَى التَّرَاخِي؟ فَأَجَابَ: "الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الفَورِ، وَأَنَّهُ لا يجُوزُ لِلإِنسانِ الذي استَطَاعَ أَن يحُجَّ بَيتَ اللهِ الحَرَامَ أَن يُؤَخِّرَهُ، وَهَكَذَا جمِيعُ الوَاجِبَاتِ الشَّرعِيَّةِ، إِذَا لم تُقَيَّدْ بِزَمَنٍ أَو سَبَبٍ، فَإِنها وَاجِبَةٌ عَلَى الفَورِ".
عباد الله: إن تأخير أداء الحجِّ مع الاستطاعة منهيٌّ عنه، فقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَابِ -رضي الله عنه-: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالاً إلَى هَذِهِ الأَمْصَارِ، فَيَنْظُرُوا كُل مَنْ كَانَ لَهُ جدةٌ -أي غِنًى- ولم يحُج فيضربوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ! مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ!". قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وهذا قول عمر -رضي الله عنه- ولم يخالفه مخالف من الصحابة".
عبد الله: بادر للحج ولا تفوت على نفسك هذه الأجور العظيمة، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَجَّ هذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ" كلاهما متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولجميعِ المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة:223].
عباد الله: إن الله -تعالى- بنى الشرائع على التيسير، ولا يرضى الله لعباده المشقة والعنت، قال -تعالى-: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6].
ومن تيسير الله -تعالى- على الناس أن عَذَرَ من لم يقدر على أداء الحج، فجعل الاستطاعة على الحج في البدن والمال شرطٌ لأداء الحج.
ومن تيسيره -تعالى- أنه لما خلق المرأة ضعيفة، لم يفرض الحج عليها إلا إذا توفر لها محرم يرافقها في حجها.
ومِنَ الاستطاعة أن يجد المرء نفقَةَ حجه في مكان آمن مهيأ للعبادة، ومستوفٍ للخدمات، يجد فيه الحاج الراحة والطمأنينة والسكينة؛ أما مزاحمة الناس، وافتراش الطرقات، وسدُّ منافذ الخدمات، ففيه عَنَتٌ ومشَقَّةٌ وإيذاءٌ، قد يكون سببًا في لحوق الإثم بالحاج، وتفويتِ كثير من الأجور.
فيَا مَن لم تحُجَّ، استَعِدَّ مِنَ الآنَ، وَاعزِمْ وَلا تَتَوَانَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَلا تَعجَزْ، فَإِنَّ الأَمرَ لَيسَ بِالهَوَى المُتَّبَعِ، أَوِ الرَّغَبَاتِ النَّفسِيَّةِ، وَالقَنَاعَاتِ الشَّخصِيَّةِ، وَإِنمَا هُوَ رُكنٌ مِن أَركَانِ الدِّينِ وَاجِبٌ.
اللهم يسر الحج لضيوفك، وأعِنْهم، واحفظهم، وتقبل منهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم...
التعليقات
أبو عبد المعز
26-06-2020بارك الله فيك