عناصر الخطبة
1/ استهداف سورة الحجر المقاصد الأساسية للعقيدة 2/ محور السورة هو مصارع الطغاة من الأمم السابقة 3/ عرض لمحتوى السورة 4/ شرح لبعض آياتهااهداف الخطبة
اقتباس
مع سورة الحِجْر حديثنا اليوم، فهي السورة الخامسة عشر في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها تسع وستعون آية، وهي مِن السور المكية التي تستهدف المقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية: الوحدانية، النبوة، البعث والجزاء ..
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل آيات الكتاب القرآن الكريم في أكمل الفصاحة والبيان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صَلَّى اللهُ عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: مع سورة الحِجْر حديثنا اليوم، فهي السورة الخامسة عشر في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها تسع وستعون آية، وهي مِن السور المكية التي تستهدف المقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية: الوحدانية، النبوة، البعث والجزاء.
ومِحْوَرُ السُّورةِ يدور حول مصارع الطغاة والمكذِّبين لرسل الله في شتى الأزمان والعصور، ولها ابتدأت السور بالإنذار والتهديد، ملفعا بظل من التهويل والوعيد: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر:1-2]، أي: ربما تمنى الكفار لو كانوا في الدنيا مسلمين، وذلك عند معاينة أهوال القيامة.
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [3]، أي: دعْهُمْ يا محمد يأكلون كما تأكل البهائم ويستمتعوا بدنياهم الفانية، ويشغلهم الأمل بطول الأجل عن التفكير فيما ينجيهم من عذاب الله، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا.
(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) [4]، أي: وما أهلكنا أهل القرى الظالمة التي كذبت رسل الله إلا أجل محدود لإهلاكهم، (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [5-6]، أي: قال كفار قريش لمحمد -صلى الله عليه وسلم- على جهة الاستهزاء والتهكم: يا من تزعم وتدعي أن القرآن نزل عليك! إنك حقاً لمجنون! وبالغوا بالاستخفاف والاستهزاء بمقامه الشريف -صلى الله عليه وسلم-.
(لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [7]، أي: هلا جئتنا بالملائكة لتشهد لك بالرسالة إن كنت صادقاً في دعواك أنك رسول الله؟ فرد عليهم الله تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ) [8]، أي: ما ننزل ملائكتنا إلا بالعذاب لمن أردنا إهلاكه، وعندئذ لا إهمال ولا تأجيل، فنهلكهم ونستأصلهم.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [9]، قال المفسرون: تكفل الله بحفظ القرآن، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه، ولا النقصان، ولا على التبديل، كما جرى في غيره من الكتب، فإن حفظها موكول إلى أهلها، لقوله تعالى: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) [المائدة:44].
وعرضت السورة لدعوة الأنبياء، وبينت موقف أهل الشقاوة والضلالة من الرسل الكرام، فما من نبي إلا سخر منه قومه الضالون، من لدن بعثة أول الرسل نوح -عليه السلام- إلى بعثة خاتم المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وقد بينت السورة أن هذه سنة المكذبين وطريقتهم في كل زمان وحين: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) [10-13].
وعرضت السورة الآيات الباهرات المنبثة في صفحة هذا الكون العجيب الذي ينطق بآثار اليد المبدعة، ويشهد بجلال وعظمة الخالق الكبير، بدأ بمشهد السماء وتزيينها بالنجوم للناظرين، وحفظها من الشياطين، فمشهد الأرض الواسعة وما فيها من الجبال الثابتة وما فيها من الإتقان والحكمة، فمشهد الرياح اللواقح التي تلقح السحاب فيدر ماء وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه، فالرياح كالفحل للسحاب والشجر؛ فمشهد الحياة والموت، فمشهد الحشر والنشر، وكلها ناطقة بعظمة الله وجلاله، وشاهدة بوحدانيته وقدرته.
ثم تعرض السورة الكريمة إلى قصة خلق الإنسان، والمراد آدم -عليه السلام-، حيث خلقه الله سبحانه من طين يابس يُسمع له صلصلة -أي: صوت- إذا نُقر، من طين أسود متغير، ومن قبل خلق آدم خلق الله سبحانه الجان -وهم الشياطين ورئيسيهم إبليس- من نار السموم، وهي النار الحارة الشديدة التي تنفذ في المسام.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) [26-27]، ثم بعد ذلك ما جرى من سجود الملائكة لآدم، واستكبار إبليس -لعنه الله- عن السجود، واعتراضه على أمر الله، حيث أخرجه الله سبحانه من الجنة، وطلب من الله إمهاله إلى يوم البعث، فأنظرَه إلى حين موت الخلائق، (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [38]، فيموت إبليس ثم يُبعَث.
وتوعد إبليس -لعنه الله- آدم وذريته بالإغواء والإضلال عن طريق الهدى إلا مَن استخلصه الله سبحانه من عباده الصالحين لطاعته ومرضاته، ثم رد الله سبحانه عليه بأن لا يجعل له القدرة على عباده المؤمنين، إلا مَن اتبعه من الغاوين، وليسو من عباد الله الصالحين، وتوعده الله هو وأتباعه بنار جهنم التي لها سبعة أبواب يدخلون منها لكثرتهم، لكل جماعة من أتباع إبليس باب معين معلوم، قال ابن كثير -رحمه الله-: بعضها أشد من بعض. وقانا الله وإياكم منها ومن شرها، ومن نارها وحَرِّها.
ولما ذكر الله سبحانه حالة الأشقياء من أهل الجحيم، إبليس وأتباعه، أعقبهم بذكر حال أهل السعادة، وهم الأنبياء ومن تبعهم من أهل النعيم: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [45-48].
روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج على الصحابة وهم يضحكون فقال: "أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار؟" فشق عليهم ذلك، فنزلت: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) [49-50]، أي: أخبر يا محمد عبادي المؤمنين بأني واسع المغفرة والرحمة لمن تاب وأناب، وأخبرهم أن عذابي شديد لمن أصر على المعاصي والذنوب.
ثم تنتقل السورة إلى قصص بعض الأنبياء تسلية للرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وتثبيتاً لقلبه؛ لئلا يتسرب إليه اليأس والقنوط، فتذكر قصة ضيف إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وهم رسل الله الذين أرسلهم الله سبحانه من الملائكة لإهلاك قوم لوط.
(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) [51]، وكانوا ثلاثة على صورة غلمان حسان، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقيل تسعة، وقيل غير ذلك، (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) [52]، أي: سلموا عليه فقال إبراهيم: إنا خائفون منكم، وذلك حيث عرض عليهم الأكل فلم يأكلوا.
(قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [53-54]، أي: أبشرتموني بالولد على حالة الكبر والهرم؟ فبأي شيء تبشرون؟ قال ذلك على وجه التعجب والاستبعاد.
(قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ) [55]، أي: بشرناك باليقين الثابت فلا تستبعده ولا تيأس من رحمة الله، (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [56]؟ أي: لا ييأس من رحمة الله إلا المخطئون طريق المعرفة والصواب.
ثم سأل إبراهيم -عليه السلام- الملائكة الكرام: ما الأمر الذي جئتم من أجله؟ (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ * فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [58-65].
أي أرسلنا إلى قوم لوط الذين يأتون الفواحش المنكرة، إلا قوم لوط وأهله فسننجيهم من العذاب، إلا امرأة لوط لقد كانت كافرة فسنهلكها معهم؛ فلما أتوا الرسولَ لوطاً -عليه السلام- أنكرهم وقال ماذا تريدون؟ فقالوا: نحن رسل الله جئناك بما كان فيه قومك يشكون، وهو نزول العذاب الذي وعدتهم به، وأتيناك بالحق واليقين من عذابهم، وإنا لصادقون فيما نقول.
فأسر بأهلك بقِطْعٍ -أي: جزء- من الليل، وكن من ورائهم وسر خلفهم لتطمئن عليهم، ولا يلتفت منكم أحد وراءه لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم فيرتاع، وسيروا حيث يأمركم الله، يعني إلى الشام، (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [66]، أي: أوحينا إلى لوط -عليه السلام- أنه سيتم استئصال هؤلاء المجرمين حتى لا يبقى منهم أحد، فلما دخل الصبح تم إهلاكهم.
وقال الله تعالى قبل إهلاكهم: (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) [67]، أي: أهل مدينة سدوم، وهم قوم لوط، مسرعين يستبشرون بأضيافه، طمعا في ارتكاب الفاحشة بهم، ظناً منهم أنهم أناس مثلهم. قال المفسرون: أخبِر أولئك السفهاء أنَّ في بيت لوط شباباً مُرْدَاً حسانا، فأسرعوا فرحين يبشر بعضهم بعضا بأضياف لوط.
فقال لهم لوط -عليه السلام-: (قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ) [68]، أي: هؤلاء ضيوفي فلا تقصدوهم بسوء فلتحقوا بي العار وتفضحوني أمامهم، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ) [69]، أي: خافوا أن يحل بكم عقابه، ولا تهينوني بالتعرض لهم بالمكروه، (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) [70]؟ أي: ألم نمنعك من ضيافة أحد؟ (قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) [71]، أي: هؤلاء النساء فتزوجوهن ولا تركنوا إلى الحرام، وقيل المراد بقوله بناتي: بنات أمَّته؛ لأن كل نبي يعتبر أباً لقومه.
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [72-75]، أي: المعتبرين، (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) [76]، أي: وإن هذه القرية المهلَكة وما ظهر فيها من آثار الإهلاك والدمار ثابتة يراها المجتازون في أسفارهم، أفلا يعتبرون؟.
عباد الله: هذه لمحة عن بعض معاني آيات سورة الحجر، نفعني الله وإياكم بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صَلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: استكمالا للحديث عن سورة الحجر فإنها ذكر قصة شعيب بإيجاز: (وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ) [78]، والأيكة: الشجر الكثيف الملتف، وظلمهم بتكذيب شعيب، وقطْع الطريق، ونقْص المكيال والميزان.
(فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) [79]، أي أهلكناهم بالرجفة وعذاب يوم الظلة. قال المفسرون: اشتد الحر عليهم سبعة أيام حتى قربوا من الهلاك، فبعث الله عليهم سحابة كالظُّلَّة فالتجؤوا إليها واجتمعوا تحتها للتظلل بها، فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم جميعاً.
ثم تحدثت عن قوم صالح -عليه السلام- أصحاب الحِجر الذين سُمِّيَت بهم السورة، (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) [80]، والحِجر: وادٍ بين المدينة والشام، وآثاره باقية يمر عليها المسافرون، وتسمى مدائن صالح، (وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) [81]، أي: وآتيناهم معجزاتنا الدالة على قدراتنا مثل الناقة وما فيها من العجائب فكانوا بها لا يعتبرون ولا يتعظون، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: كان في الناقة آيات: خروجها من الصخرة، ودنو ولادتها عند خروجها، وعظم خلقها فلم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى كان يكفيهم جميعاً، فلم يتفكروا فيها، ولم يستدلوا بها.
(وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ) [82]، أي: كانوا ينقبون الجبال فيبنون فيها بيوتاً يحسبون أنها تحميهم من عذاب الله، (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [83-84]، أي: أخذتهم صيحة الهلاك حين أصبحوا، وما دفع عنهم عذاب الله ما كانوا يشيدون من القلاع والحصون.
وتختم السورة بتذكير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنعمة العظمى عليه بإنزال هذا الكتاب المجيد المعز، وتأمره بالصبر على ما يلقاه من أذى المشركين، وتبشره بقرب النصر له وللمؤمنين: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ) [87]، أي: الفاتحة؛ لأنها تثنى، أي تكرر قراءتها في الصلاة، وفي الحديث: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" أخرجه البخاري.
قال تعالى: (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ *الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [88-99]، أي: اعبد ربك يا محمد حتى يأتيك الموت، وسمي الموت باليقين لأنه متيقن الوقوع والنزول.
عباد الله: هذه لمحة عن سورة الحجر أوضحنا فيها بعض معانيها، وبعض القصص التي جاءت فيها، وذكرنا بعض الآيات إجمالاً، ولم نستطع الإلمام بجميع معانيها خشية الإطالة، أسأل الله أن ينفعنا بما ورد فيها من عظات وعبر، وأسأل الهس أن يتقبل منا أعمالنا الصالحة، وأن يغفر لنا ذنوبنا، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلوا وسلموا عباد الله على خاتم رسل الله، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات