عناصر الخطبة
1/أكثروا من ذكر هاذم اللذات 2/ من علامات الاستعداد للموت 3/ فوائد الاستعداد للموت 4/ من علامات الاستعداد للموت 5/ هل كتبت وصيتك؟ 6/ قاعدة سلوكية وفائدة تربوية 7/ مقامات الناس في الاستعداد للموت 8/ درر من كلام السلف الصالح في ذكر الموت 9/ من أكثر ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء.اهداف الخطبة
اقتباس
لو نجا أحد من الموت لبسطة في جسمه، أو قوة في بدنه، أو وفرة في ماله، أو سعة في سلطانه، أو ملك في ملكه، أو صاحب عيال في ولده؛ لنجا من الموت القرون السابقة والأمم الماضية الغابرة، فأين آثار الأكاسرة؟! وأين ملوك القياصرة؟! أين الصناديد والأبطال؟! أين الأقوياء من الرجال؟! أين الأثرياء وأصحاب الأموال؟! أين قارون وثمود وفرعون وقوم هود؟!.. الاستعداد للموت سبب لتقصير الأمل، فمن قصر أمله زاد عملُه، ومن طال أمله قل عمله، فمن ارتقب الموت في كل لحظة تزود من عمره في كل لحظة..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل في ذكر الموت حياة، أحمده سبحانه على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله كتب الفناء على كل حي، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله حثَّ على الإكثار من ذكر الموت للتذكير لمن لهى في دنياه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فاتقوا الله يا مسلمون ففيها ما تحبون وتطمعون..
الموْتُ بابٌ وكلُّ الناسِ داخِلُهُ *** يا ليْتَ شعرِيَ بعدَ البابِ ما الدَّارُ؟!
الإنسان لو كان في أعظم اللذات وأطيب المجالس مع زوجه وأولاده، مع أصدقائه وأحبابه، مع حياته وأمواله ومنصبه وبستانه، وأُخبِرَ أن جنديًّا أتى ليحضره ويدعوه لتنكدت وتكدرت عليه لذته، وفسد عليه عيشه، وتنغصَّت عليه حياته.
هو في كل لحظة بصدد أن يدخل عليه ملك الموت، وهو عنه في سهو وغفلة ونسيان وسكرة، وكيف وهو مغادر بلا عودة، ولهذا جاءت السنة بالإكثار من ذِكره وتكراره فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أكثروا ذكر هاذم اللذات".
وكان إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "أيها الناس اذكروا الله! جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه".
هذا ومما يتأكد الاستعداد له، واستشعار قربه ودنوه: الموت؛ فهو أقرب غائب يُنتظر، وليس بينك وبينه عهد ولا عمر، الاستعداد للموت ليس معناه انتهاء الحياة وانقضاء الأيام كما يزعم البعض، فذِكره والاستعداد له لا يُقدم ولا يؤخر من الأجل شيئًا، بل هو حزم وقوة وشجاعة وفتوة، حتى لا يأخذك الموت وأنت على غرة وليس عندك عمل ولا عدة.
قصِّر الآمال في الدنيا تفز *** فدليل العقل تقصير الأمل
إن من يطلبه الموت على *** غرة منه جدير بالوجل
من علامات الاستعداد للموت: أن يكون فيه ذِكره، ويعظم له استعداده.
الموت -عباد الله- يفجأ الإنسان بدون علم مسبق، فسهم بيد سواك لا تدري متى يغشاك.
قال لقمان لابنه: "يا بني! أمرٌ لا تدري متى يلقاك استعِدَّ له قبل أن يُفاجئك".
وفي خضم الحياة وانفتاحها، والشهوات وتلاطمها، وحب الدنيا وزهرتها، والغفلة والنسيان، والانشغال عن ذكر الرحمن، ونسيان هادم اللذات، ومفرق الجماعات توالت الذنوب والسيئات، واستولت الغفلة والمنسيات.
الاستعداد للموت سببٌ للتزود من العمل الصالح للفردوس الأعلى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة: 197].
تزَودْ من التقوى فإنكَ لا تدري *** إذا جنَّ ليلٌ هلْ تعيشَ إلى الفجر؟!
فكمْ من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ *** وكمْ من عليلٍ عاشَ حينًا من الدهرِ!
وكمْ من صغارٍ يرتجى طولَ عُمْرَهْم *** وقدْ أُدْخِلَتْ أجسادَهُمْ ظُلمَة القبرِ!
وكمْ من عرُوسٍ زَينوها لِزَوجها *** وقدْ قُبضَتْ أَرْواحَهُم ليلةَ القدرِ!
وكمْ من فتىَ أمسى وأصبحَ ضاحكًا *** وقدْ نُسِجَتْ أكفَانَهْ وَهوَ لا يدري!
فكن مخلصًا واعمل من الخير دائمًا *** لعلك تحظى بالمثوبة والأجر
وداوم على تقوى الإله فإنها *** أمان من الأهوال في موقف الحشر
الاستعداد للموت سببٌ للتوبة الطاهرة النقية الصالحة؛ بأن تطهّر نفسك من الذنوب الظاهرة والباطنة يحاسب نفسه عند الصلاة والزكاة، يحاسب نفسه عند صلة الأرحام وبر الوالدين، يحاسب نفسه عند حقوق الآخرين، وما لهم عندك، فتخلص قبل أن تُخلص باختيارك قبل اضطرارك، في حياتك قبل مماتك، في صحتك قبل مرضك، كيف يستعد للموت من هو مقيم على معاصي الله، وغافل عن الله؟! والموت آت لا محالة تفرّ منه وهو يلاقيك في كل حالة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)[الجمعة: 8].
لو كان العدو خلفك هربت منه، لهربت منه قدامك، لكن لو كان أمامك أين تفر بحالك وهكذا الموت فهو ملاقيك في جميع أحوالك.
هب الدنيا تواتيك *** أليس الموت يأتيك؟!
فما تصنع بالدنيا *** وظل الميل يكفيك؟!
ألا يا طالب الدنيا *** دع الدنيا لشانيك
كما أضحكك الدهر *** كذاك الدهر يبكيك
الناس في غفلة عما يُرَاد بهم كأنهم غنم في بيت جزار!! والله لو تأملنا هذا لصلحت أحوالنا..
الناس قد علموا أن لا بقاء لهم، لو أنهم عملوا مقدار ما علموا!!
الموت لا يأتي في الشتاء دون الصيف فيُخاف من الشتاء ولا العكس، ولا يأتي بالنهار فيؤمن بالليل، ولا العكس، ليس له وقت محدود ولا عمر معدود ولا سن معلوم ولا مرض مكلوم، يأخذ الصحيح كما يأخذ المريض، ويأخذ الشاب كما يأخذ الشيخ الكبير.
من فوائد الاستعداد: أن يزجر المرء عن هذه الدار الفانية المملوءة بالأكدار والهموم والمصائب والغموم، الإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق وسعة، ونعمة ومحنة، فإن كان في حال ضيقة ومحنة، فالموت يسهّل المصيبة، وإن كان في حال سعة ونعمة فالموت وذِكره يمنعه من الاغترار والسكرة.
ومن علامات الاستعداد العلم التام أنه ما من مخلوق إلا وهو ذائق الموت: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن:26- 27].
مهما طال عمره، وامتد أجله، وكبر سنه، واتسع ماله، وكثر ولده فلابد أن الموت نازل به، وخاضع لسلطانه، ولو جعل الله الخلود لبشر لكان الأوْلى الأنبياء وسيد البشر (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء:34]، (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) [الزمر:30].
لو كانت الدنيا تدوم لأهلها *** لكان رسول الله حيا مخلدا
الموت حتم لا محيص ولا مفر منه (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق:19]، الموت لا ينجو منه أحد، ولو بلغ العَدد والعُدد، فيدخل على الإنسان بدون استئذان ولو تحصن بالدروع والحديد والجدران، ولو كان ذا مال عظيم وسلطان (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)[النساء: 78].
لو نجا أحد من الموت لبسطة في جسمه، أو قوة في بدنه، أو وفرة في ماله، أو سعة في سلطانه، أو ملك في ملكه، أو صاحب عيال في ولده؛ لنجا من الموت القرون السابقة والأمم الماضية الغابرة، فأين آثار الأكاسرة؟! وأين ملوك القياصرة؟! أين الصناديد والأبطال؟! أين الأقوياء من الرجال؟! أين الأثرياء وأصحاب الأموال؟! أين قارون وثمود وفرعون وقوم هود؟!
سبيل الخلق كلهم إلى الفناء *** فما أحد يدوم له البقاء
يقربنا الصباح إلى المنايا ***ويدنينا إليهن المساء
الاستعداد للموت سبب لتقصير الأمل، فمن قصر أمله زاد عملُه، ومن طال أمله قل عمله فمن ارتقب الموت في كل لحظة تزود من عمره في كل لحظة..
ومن علامات الشقاء: طول الأمل والبقاء، "يشبّ ابن آدم ويشب معه اثنتان: طول الأمل وحب الدنيا".
ومن علامات الاستعداد للموت ويوم الميعاد العلم بأن العلاج والطبيب والصديق والحبيب لا يملكون لدفع الموت عنك شيئًا لا من بعيد ولا من قريب، فيحرص الطبيب بالعلاج، ولكن دون جدوى، ويحرص الابن والقريب ولكن دون فحوى.
إن الطبيب لذو عقل ومعرفة *** ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انقضت أيام مدته*** حار الطبيب وخانته العقاقير
ومما يحث على الاستعداد اتخاذ الزاد ليوم الميعاد:
يا راقدَ اللَّيلِ مسروراً بأوَّلهِ *** إنَّ الحوادثَ قدْ يطرقنَ أسحارَا
لا تفرحنَّ بليلٍ طابَ أوَّلهُ *** فربَّ آخرِ ليلٍ أجَّجَ النَّارا
أفنى القرونَ التي كانتْ منعَّمة ٌ *** كرُّ الجديدين إقبالاً وإدباراَ
كمْ قدْ أبادتْ صروفُ الدهرِ *** منْ ملكٍ قدْ كان في الدهرِ نفَّاعاً وضرَّارا
يا منْ يعانقُ دنيا لا بقاءَ لها *** يمسي ويصبحُ في دنياهُ سفَّارا
هلاَّ تركتَ منَ الدنيا معانقة ٌ *** حتَّى تعانقُ في الفردوسِ أبكارا
إنْ كنتَ تبغي جنانَ الخلدِ تسكنها *** فينبغي لكَ أنْ لا تأمن الدارا
بعض الناس يريد ألا يكدر حياته بظنه، فلا يذكر الموت، ولا يحب ذكره، وهذه غفلة ومصيبة وجفوة، ولهذا بعضهم إذا ذُكِّر بالاستعداد للموت؛ تكدر حاله، وكثرت وساوسه، وتشتت أفكاره، وخاف على نفسه وأولاده، والحقيقة أن الاستعداد صالح ومصلح للعباد، ومطهر للجوارح والفؤاد، سبيل للرشاد واتخاذ الزاد.
ومما يحث على الاستعداد لتعلم أنك مسافر في هذه الحياة ليس من بلد إلى بلد، بل من حياة إلى موت ودار دنيا إلى دار أخرى، ومن شأن المسافر الاستعداد وأخذ الحيطة والزاد.
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولا بد من زاد لكل مسافر
ولا بد للإنسان من حمل عدة *** ولاسيما إن خاف صولة قاهر
ومما قيل في ذلك:
مَنْ عَاشَ لَمْ يَخْل مِنْ هَمٍّ وَمِنْ حَزَنٍ *** بَيْنَ الْمَصَائِبِ مِنْ دُنْيَاهُ وَالْمِحَنِ
وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي الدُّنْيَا عَلَى سَفَرٍ *** فَرَاحِلٌ خَلَّفَ الْبَاقِي عَلَى الظَّعَنِ
واعلم -رحمك الله- أن مما يعين على تذكر الموت وحسن الاستعداد له: تذكر من مضى من إخوانك وخلانك، وأصحابك وأقرانك، وزملائك وأصدقائك، وأقربائك وجيرانك، وآبائك وأجدادك، مضوا قبلك، وتقدموا أمامك، أنتم سلفنا ونحن بالأثر، كانوا يحرصون حرصك، ويسعون سعيك، ويأملون أملك، وقصت المنون أعناقهم، وقصمت ظهورهم وأصلابهم، وفجعت فيهم أهليهم وأحبائهم، فأصبحوا آية للمتوسمين وعبرة للمعتبرين وهكذا سنة الله في العالمين.
ترى الذي اتخذ الدنيا له وطنًا *** لم يدرِ أن المنايا عنه تزعجه
من كان يعلم أن الموت مدرجه *** والقبر منزله والبعث مخرجه
وأنه بين جنات ستبهجه*** يوم القيامة أو نار ستنضجه
فكل شيء سوى التقوى به سمج *** وما أقام عليه فهو أسمجه
كم تعرف من أخذه الموت من بين أهل وإخوان وجيران، أفناهم الموت واستبقاك بعدهما حيًّا، فما أقرب القاصي على الداني؟!
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،..
أيها المسلمون: الاستعداد للموت هو يقظة من صاحبه، وجدية في العمل، وصلاح للقول والأجل، ومن ثماره: القناعة باليسير، فمن استعد ليوم المصير قنع وشبع باليسير؛ لعلمه أن الزمان قليل، والعمر يؤول إلى التحويل، فلا يُتعب نفسه، ويرهق حاله في دنيا هو لها مفارق وعن زهرتها وزينتها مجانب.
ومن ثمار الاستعداد -أيها العباد-: الرغبة في الآخرة، وحب لقاء الله، فالمستعد يطمع ويرغب لما أعد الله له من الثواب والجزاء، وقد استعد لما يسمع، فهو راغب وللحسنات يجمع.
لا شيء يبقى سوى خير تقدمه *** ما دام لا ملك لإنسان ولا خلدا
فامهد لنفسك والأقلام جارية *** والتوب مقتبل فالله قد وعدا
(وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [الروم: 44].
ومن جميل الاستعداد: الاعتناء بالوصية، والمبادرة إليها، وكتابتها، وتقييد حقوق الآخرين في الشراء والبيع والتعاملات والقرض والثلث والمعاملات والمداينات.
وبعض الناس إذا ذُكرت له الوصية أو ذَكرتَ له الوصية فرَّ من قسورة، وظنها تقرّب أجله، والوصية واجبة فيما يستحق المكاتبة للكبير والصغير، وكم إنسان نوى الكتابة والتقييد وحصر ما له وما عليه للعبيد، فبغته الموت، فصار حديث كان.
فبادر ثم بادر، نظّم حالك، ورتب مالك قبل مفارقة زوجتك وأهلك وأولادك، وهذا الحزم والاستعداد والكيس والنشاط.
ومن الاستعداد وعلاماته وهي أنبل ذِكره وحياته: الابتعاد عن المعاصي، فمن تذكر موته خاف الله في سره وخلوته، من تذكر موته تاب وأناب واستعد ليوم الحساب، من تذكر موته كلما أذنب رجع واستغفر وذكر الله، وصان سمعه وقلبه وبصره.
إن مما يمحص الذنوب ويقلص العيوب تذكرَ الموت والاستعداد له، وخذ قاعدة سلوكية وفائدة تربوية: كل عمل فاسد ومعصية للأحد الواحد تكره أن تموت عليها وتلقى الله بها؛ فاتركها أنت فاختيارك، قبل أن تتركك باضطرارك، فأنت أرحم بنفسك من غيرك فتولى جميع أمرك.
والناس في مقام الاستعداد لهذا الموت أنواع: منهم المنهمك في الدنيا والمحب لشهواتها، فهذا غافل عن ذكر الموت، وإن ذَكره أو ذُكِّر به نفَر واشمأز منه، وربما كره مَن يُذَكِّر به.
وقسم منهمك في دنياه، غافل عن مولاه، إن ذَكر الموت ذكره تأسفًا على دنياه ومفارقتها، وأرصدتها وأموالها.
وقسم لا يذكر الموت إلا على خوفٍ؛ خشيةَ أن يموت ويذهب ويفوت.
وقسم غافل نائم لا يستيقظ إلا إذا مات، قال عليّ: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا".
وإنما الناس نيام من يمت *** منهم أزال الموت عنه وسنه
وقسم يكره ذكره لظنه أنه يكدّره وينغّص عيشه، ويقول: دعنا من المنغّصات والمقبضات، وأعطنا السرور والمفرحات، ولهذا قل ذكر الموت والاستعداد له والتذكير به والعمل له.
يا من بدنياه اشتغل *** قد غره طول الأمل
الموت يأتي بغتة ***والقبر صندوق العمل
وما علم هذا المسكين الغافل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر حديث الشفاعة الكبرى وموقف الورى وتدافع الأنبياء وهو على مائدة الطعام، ويقرأ "ق" و"اقتربت الساعة" في الأعياد والمناسبات، ويقرأ "الأعلى" و"المنافقون" و"الجمعة" و"الإنسان" و"السجدة" يوم الجمعة، يوم عيد الأمة مع ما فيها وبها من التذكير والموعظة وذكر الموت والنار والجنة، فلا مانع من ذكر الموت والآخرة في كل لحظة ومناسبة، كيف وهو الموقظ للقلوب والمقرّب لعلام الغيوب؟! وانظر لما نُسي على المنابر وفي المجالس والمحاضر ذكر الموت كان ديدن السلف فاستمع إلى آثارهم وأقوالهم والتحف.
عن أبي الدرداء: "من أكثر ذكر الموت قل حسده وقل فرحه".
وقال حيوة: "ما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك الفرح والحسد".
وعن عمر بن عبد العزيز: "من قرب الموت من قلبه استكثر ما في يديه".
وعن الحسن: "ما ألزم عبدٌ قلبه ذِكر الموت إلا صغرت الدنيا عنده وهان عليه جميع ما فيها".
وقال قتادة: "كان يقال طوبى لمن ذكر ساعة الموت".
وقال حكيم: "كفى بذكر الموت للقلوب حياة للعمل".
وقال شُمَيْط: "من جعل الموت نصب عينيه لم يبالِ بضيق الدنيا ولا بسعتها".
وقال كعب: "من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا ".
وقال بعضهم: "من أكثر ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط في العبادة، ومن نسي ذكر الموت عُوقب بتسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة".
هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين..
التعليقات