عناصر الخطبة
1/قدوم رمضان وبعض فضائله 2/وصايا لمن أدرك رمضان 3/شروط وجوب الصوم.اقتباس
ثم ذكر أن الصائمَ يفرحُ عند فطره؛ لأن الله أعانه على الصيام ووفقه لهذه العبادة العظيمة، وتعظم الفرحةُ يومَ يلقى العبدُ ربه -سبحانه وتعالى- ورائحةُ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من رائحةِ المسك لأن هذه الرائحةُ من أثر الصيام...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعلَ لعباده مواسمَ تعظمُ فيها الحسناتِ وترفعُ فيها الدرجات وتكفرُ فيها السيئاتِ، وفَّق مَن شاء من عباده لاغتنامها وخذلَ من شاء من عباده فأضاع أمره وعصاه.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد...
تنتظرُ قلوبُ المؤمنين بفارغ الصبر في شوق ولهفة شهراً عظيماً شهراً مباركاً؛ إنه شهرُ رمضان، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشرُ بقدومه أصحابه؛ فقد جاء في مسند الأمام أحمد وفي سنن النسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاكم رمضانُ شهرٌ مباركٌ فرضَ الله عز وجل عليكم صيامَهن تفتحُ فيه أبوابُ السماءِ، وتغلقُ فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَّلُ فيه مردةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ من حُرِمَ خيرَها فقد حرم"(وفي مسند الأمام أحمد ( تفتح فيه أبواب الجنة).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة. وغلِّقت أبواب النار، وصفَّدت الشياطين"(رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية لمسلم: "فتحت أبواب الرحمة".
أتى رمضانُ مرزعةِ العبادِ *** لتطهيرِ القلوبِ من الفسادِ
فأدِ حقوقه قولاً وفعلاً *** وزادكَ فاتخذهُ إلى المعادِ
فمن زرع الحبوبَ وما سقاها *** تأوهَ نادماً يومَ الحصادِ
رمضان وما أدراك ما رمضان! شهرٌ تعددت فضائلُه وتعددت خيراته؛ هو ركن من أركان الإسلام، وما مِن أمة من الأمم إلا وقد فرض الله عليها الصيام، وهذا دليل على فضله؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
ومن فضائل هذا الشهر ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو حديث قدسي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله- تعالى-: «كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ لَهُ يُضَاعفُ الحَسَنَة بعَشرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائِة ضِعْفٍ، قَالَ الله -تعالى- إِلاَّ الصَومَ فإِنه لِي وأَنَا أجْزي به، يَدَعُ شهْوَتَه وطعامه من أجْلِه، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك".
جميعُ أعمال الإنسان الصالحة الحسنةُ بعشر أمثالها، وتضاعفُ إلى سبعمائة ضعف، بحسب إخلاص العباد وتحقيقهم لمتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الصوم فإن الله أضافه لنفسه فقال: "فإنه لي وأنا أجزي به"، وهذه إضافة تشريف، وذكر أن الصائمين يجازيهم ولم يذكر الجزاء؛ فدل أنه بلا حساب؛ قال أهلُ العلم لأن الصوم يظهر الصبُر فيه أكثرُ من غيرهِ من الأعمال؛ ففيه الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله؛ فيصبر الصائم عن الوقوع في شيء من المفطرات لله -سبحانه وتعالى-، وكذلك فيه الصبر على أقدار الله ما يصيب الصائم من جوع وعطش، والله -تعالى- يقول في الصابرين: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].
ثم ذكر أن الصائمَ يفرحُ عند فطره؛ لأن الله أعانه على الصيام ووفقه لهذه العبادة العظيمة، وتعظم الفرحةُ يومَ يلقى العبدُ ربه -سبحانه وتعالى- ورائحةُ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من رائحةِ المسك لأن هذه الرائحةُ من أثر الصيام.
رمضان -عباد الله- تنوعت فيه أسبابُ مغفرةِ الذنوب؛ فما مِن شهرٍ كثُرت فيه أسبابُ المغفرة مثلُ شهر رمضان؛ فالصيام يكفر الذنوب وكذلك القيامُ وقيامُ ليلةِ القدر؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا ًواحتسابا ًغفر له ما تقدم من ذنبه".
عبادَ الله: إن الذي يبلغُ هذه الشهر ولا تغفر ذنوبه فهو محروم وبعيد عن الله جاءَ عند الطبراني في المُعجم الكبير عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ يَوْمًا إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "حِينَ ارْتَقَى دَرَجَةً: «آمِينَ» ، ثُمَّ ارْتَقَى الْأُخْرَى فَقَالَ: «آمِينَ» ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «آمِينَ» ، فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَفَرَغَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ كَلَامًا الْيَوْمَ مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ قَبْلَ الْيَوْمِ؟، قَالَ: «وَسَمِعْتُمُوهُ؟» ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ -صلى الله عليه وسلم- عَرَضَ لِي حِينَ ارْتَقَيْتُ دَرَجَةً فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبْرِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، قَالَ: قُلْتُ: آمِينَ، وَقَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ".
ومن فضائل الصيام أن الله -تعالى- اختص الصائمين بباب من أبواب الجنة لا يدخل منه غيُرهم إكراماً لهم؛ فقد روى سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحدٌ غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"(متفق عليه).
ومن فضائل هذه الشهر أن الله أنزل فيه القرآن؛ قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].
ومن فضائل هذا الشهر أن فيه ليلةَ القدر التي؛ قال الله -تعالى- فيها: (لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ)؛ فالعبادة في هذه الليلة أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة.
ومن فضائل هذه الشهر أن في هذا الشهر تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم وتصفد الشياطين؛ جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصُفِدت الشياطين"، ومعنى "صُفدت" الصَفْد هو الغِل أي أوثقت بالأغلال.
وإنما تفتح أبواب الجنة ليعظمَ الرجاءُ وتتعلقُ بها الهمم ويتشوق إليها الصابر وتغلق أبواب النار لتخزى الشياطين وينكفُ الناسُ عن المعاصي.
ومن فضائلِ هذا الشهر أنه شهرُ العتقِ من النار بل في كلِ ليلةٍ يعتقُ الله بعض عباده من النار؛ فقد جاء في سنن الترمذي والحديث صحيح عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا كان أولُ ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردةُ الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخيرِ أقبل ويا باغي الشرِ أقصر ولله عتقاءُ من النار وذلك كلَ ليلة من رمضان".
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام إنه سميعٌ قريب مجيب الدعاء.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فبعد أن بينا شيئاً من فضائل هذا الشهر فهذه وصايا مهمة أوصي بها إخواني:
أوصيكم -عبادَ الله- بالإكثار من شكر الله -سبحانه وتعالى- على نعمه، ولا شك أن بلوغَ هذا الشهر نعمةٌ عظمية من الله -سبحانه وتعالى- وبالشكر تزاد النعم؛ (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)؛ نعمه فإذا بلغك الله -عز وجل- هذا الشهر فعليك أن تكثرَ شكرَ الله فالنعم تقابل بالشكر.
كذلك من الوصايا عقد العزيمة الصادقة على إحسان التعبد لله في هذا الشهر؛ فعلينا أن نُريَ الله -عز وجل- قلوباً صادقة مخلصة تريدُ وجهه وتريدُ ما عنده -سبحانه وتعالى-؛ قال تعالى (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الأنفال: 70].
كذلك من الوصايا استغلال الوقت بالأعمال الصالحة والتزود بالزاد الحقيقي زاد التقوى؛ قال تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)؛ فقد يكونُ هذا الشهرُ أخرُ شهرٍ تصومُه وما يدريك فالموتُ يأتي بغتة.
كذلك من الوصايا المهمة التوبة إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل هذه القلوب أوعيةً لذكره -سبحانه وتعالى- وعلى قدر صلاحِ هذه القلوب يكونُ أثرُ الأعمال الصالحة فيها؛ فكيف يخشع في رمضان قلبٌ تعلق بغير الله وتعلق بما نهى الله عنه.
ومن الوصايا التي أوصي بها أخواني أن رمضان فرصةٌ لترك المعاصي والسيئات؛ فالجنة أبوابها مفتوحة والنار أبوابها مغلقة والشياطين مصفدة.
رمضان فرصة للمدخنين أن يقلعوا عن التدخين الذي آذوا بهم أنفسهم ومن حولهم.
كذلك رمضان فرصةٌ لتربية النفسِ على عبادةِ الله على طولِ القيامِ وعلى قراءةِ القرآنِ وعلى الدعاءِ وغيرِ ذلك من العبادات.
كذلك أوصي إخواني بالاستمرار في العبادة وعدمِ الانقطاعِ فكثيرٌ من الناس ينشط للخير في أول الشهر ثم يضعف بعد ذلك، مع أن المطلوب أن يجتهد في العبادة خاصة عند دخول العشر الأخيرة من رمضان.
كذلك أوصي إخواني بالاهتمام بتربية الأولاد بحثهم على الخير من صيام وقراءة للقرآن وصلاة للتراويح والقيام وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
ولنعلم -عباد الله- أن الصيام لا يجب إلا بشروط أولها الإسلام؛ فالكافر لو صام لا يصح صيامه والذي ينبغي علينا أن ندعوه أولاً للإسلام؛ فإذا أسلم يُؤمر بالصوم.
ومن شروط الوجوب البلوغ؛ فالصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم، ولكن وليه يأمره به إذا كان يطيقه حتى يعتاد هذه العبادة.
ومن شروط وجوب الصوم أن يكون قادراً؛ فالعاجز لا يجب عليه الصوم، ولكن إذا كان يرجى زوال عجزه ينتظر حتى يزول العجز ثم يقضي الأيام التي أفطرها كإنسان أصابه مرض يرجى زواله، وأما إذا كان عجزه مستمراً ككبير السن الذي لا يستطيع الصيام فإنه يطعم عن الأيام التي أفطرها عن كل يوم نصف صاع أي كيلو ونصف ويدفعها للفقراء والمساكين.
ومن شروط وجوب الصوم العقل؛ ففاقد العقل لا يجب عليه الصوم ولا يُطعم عنه؛ لأن الصيام ما وجب عليه أصلاً.
ومن شروط وجوب الصوم أن يكون مقيماً فالمسافر له أن يترخص بالفطر مادام أنه مسافر.
ومن شروط وجوب الصوم وهو خاصٌ بالنساء عدم وجود الحيض والنفاس.
ويسأل بعض النساء هل يجوز لها أن تأكل مانعاً يمنعها من الحيض حتى تصوم الشهر كاملاً؟
والجواب الأفضل عدم ذلك وأبواب الخير كثيرة التي لا يشترط لها الطهارة كقراءة القرآن وذكر الله والصدقة.
وإن أكلت المانع للحيض لا بأس بشرط أن لا يكون هناك ضرر صحي عليها.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام ......
التعليقات