عناصر الخطبة
1/ فضائل رمضان 2/ دعوة الناس إلى استغلال رمضان في الخير 3/ صور من العمل الصالح في رمضاناهداف الخطبة
اقتباس
إن من فضل ربنا سبحانه علينا، أن أنعم علينا بمواسم الخيرات وأزمنة مضاعفة أجور الطاعات، ومن هذه المواسم الفاضلة شهر رمضان المبارك، الذي نتفيأ ظلاله هذه الأيام، شهر عظيم جعل الله فيه من جلائل الأعمال وفضائل العبادات وخصه عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل..
الحمد لله الذي فضل رمضان على غيره من الأزمان، وأنزل فيه القرآن هدى وبينات من الهدى والفرقان، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الذي كان يخص رمضان بما لا يخص به غيره من تلاوة وقيام، وصدقة وبر وإحسان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: إن من فضل ربنا -سبحانه- علينا، أن أنعم علينا بمواسم الخيرات وأزمنة مضاعفة أجور الطاعات، ومن هذه المواسم الفاضلة شهر رمضان المبارك، الذي نتفيأ ظلاله هذه الأيام، شهر عظيم جعل الله فيه من جلائل الأعمال وفضائل العبادات وخصه عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185].
شهر يزين الله فيه جنته ويقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك.
شهر تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار.
فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله ومن قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ولله فيه عتقاء من النار وذلك في كل ليلة، ويغفر للصائمين في آخر ليلة منه.
وتستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا, وللصائم فيه دعوة لا ترد.
وإن شهرًا هذه خصائصه وفضائله، حري بنا أن نستغل أيامه ولياليه بل ساعاته ولحظاته.
عباد الله: لقد شرع الله تعالى الصيام تربية لأجسامنا وترويضًا لها على الصبر وتحمل الآلام، شرعه تقويمًا للأخلاق وتهذيبًا للنفوس وتعويدًا لها على ترك الشهوات ومجانبة المنهيات، شرعه وسيلة عظمى لتقواه قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
فاتقوا الله -عباد الله- وأدّوا فريضة الصيام بالتقوى والإخلاص، واحفظوها مما يشينها، فالصوم الحقيقي ليس مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والاستمتاع، ولكنه مع ذلكم إمساك وكف عن الحرام بأنواعه, إن الصائم حقيقة من خاف الله في عينيه فلم ينظر بهما نظرة محرمة، واتقى ربه في لسانه فكف عن كل قول محرم، وخشيه في أذنيه فلم يسمع بهما منكرًا، وخشيه في قلبه فطهره من الغل والحقد، والبغضاء والحسد.
قال جابر رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم, ودع أذى الجار وليكن عليك سكينة ووقار ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
وكم تتألم النفوس المؤمنة وتتقطع حسرة على حال بعض المسلمين، ممن اتخذوا رمضان موسمًا للهو والمحرمات، والغفلة والإعراض عن الرحمات والنفحات, أجواؤهم سود، صبحهم مثل ليلهم، وأحوالهم أسوء من غيرهم، جعلوا من رمضان محلاً للسهرات المنحلة، والجلسات المضلّلة، وموعدًا للأفلام الهابطة والبرامج الساقطة، التي ترمي بشرر كالقصر، لإحراق ما بقي من حشمةٍ أو ستر، أو تديُّنٍ يستحقّ الذكر.. والله يعلم كم تخسر الأمة في كل لحظة مواطناً صالحاً، بسبب هذا الخبث المرئي والداء المستشري.
ويا خسارة المفرطين، ويا ندامتهم يوم وقوفهم بين يدي رب العالمين، حينما يسألهم (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:65].
ألا فاتقوا الله -أيها المفرطون- وتنفَّسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عُنف السياق، يومئذ تعرَضون لا تخفى منكم خافية, إنه ما بين أحدنا وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزِل به، فالبدار البدار قبل مفاجأة الأجل، و والله لو أن أحدًا يجد إلى البقاء نفقا في الأرض أو سلمًا في السماء دون الموت، لكان ذلك لسليمان بن داود عليه السلام، الذي سخَّر الله له ملك الجن والإنس، (والرّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ، وَءاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى الأصْفَادِ) [ص:36-38] هذا مع نبوّته وعظيم منزلته، لكنه لما استوفى طُعمتَه واستكمل مُدّته، رماه قوسُ الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديارُ منه خالية (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [سـبأ: 14].
فيا مؤخِّرًا توبته: لأيّ يوم أجّلتَ توبتك، ولأي سبب أخَّرت أوبتك؟ لقد كنت تقول: إذا صمتُ تبت، وإذا دخل رمضان أنبت، فهذه أيام رمضان أظلتك، فأين التوبة والخشوع، وأين الحزن والدموع.
أيها المقصّر: ابك على ذنوبك، ولا تقنع في توبتك إلا بحزن يعقوب على يوسف، أو بعبرة داود حينما استغفر ربه، أو بمناداة أيوب لربه في ظلمات ثلاث: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] أو بصبر يوسف عن الهوى، فإن لم تُطق ذلك فبذلِّ إخوته يوم أن قالوا: إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ.
ولا تخجل من التوبة، ولا تستح من الإنابة، فلقد فعلها قبلك أبواك: آدم وحواء حين قالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23] وفعلها قبلك إبراهيم حين قال: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِينِ) [الشعراء:82] وفعلها موسى حين قال: (رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) [القصص:16].
أما أيوب -عليه السلام- فقد قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أيوب نبيَّ الله لبث في بلائه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوته، كانا من أخصِّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلَمُ -والله- لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة لم يرحمْه الله فيكشفَ ما به, فلما راح إليه لم يصبر الرجلُ حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غيرَ أن الله يعلم أني كنت أمرّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفِّر عنهما كراهية أن يُذكر الله إلا في حق قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَاب) [ص:42] فاستبطأته فبلغته، فأقبل عليها حتى قد أذهب الله ما به من البلاء، فهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت؛ أي: بارك الله فيك، هل رأيتَ نبي الله هذا المبتلى، واللهِ على ذلك ما رأيتُ أحدًا كان أشبهَ به منك إذ كان صحيحًا، قال: فإني أنا هو، وكان له أندران، أندرُ القمح وأندر الشعير "والأندر المكان الذي توضع فيه الحبوب" فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض" رواه ابن حبان والحاكم وصححه الذهبي والضياء في المختارة.
فلا إله إلا الله، من يمنع المذنب من التوبة؟ ولا إله إلا الله، من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون؟.
يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: دعا الله إلى مغفرته من زعم أن عزيرًا ابن الله، من زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول لهؤلاء جميعا: (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة:74].
فأين أنتم أيها التائبون؟ تنوون قيام الليل فتتكاسلون، وتسمعون القرآن فلا تبكون، بل أنتم سامدون، ثم تقولون: ما السبب؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ.
ألا فاتقوا الله، وبادروا بالتوبة والاستغفار، وإلا فالمصير النار والخسارة، وما لهذا الجلد الرقيق صبرٌ عليها، فارحموا أنفسكم، فقد رأيتم جزع أحدكم من الشوكةِ تصيبه، والرمضاءِ تحرقهُ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيعَ حجر، وقرين شيطان، في (لَظَى نَزَّاعَةً لّلشَّوَى تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى) [المعارج:15-18] يحطم بعضها بعضا، لا تسمع فيها إلا تغيظًا وزفيرًا، كلما نضجت فيها الجلود بدَّلها الله جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا جميعًا بالتوبة النصوح.
يا من ترى مدَّ البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في نحرها *** والمخّ في تلك العظام النُحَّل
امنُن علينا بتوبة تمحو بها *** ما كان منا في الزمان الأول
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
عباد الله: إن لرمضان أناسًا غضّ أبصارَهم خوفُ المرجِع، وأراق دموعَهم هولُ المطلَع، فقاموا بحق الشهر خير قيام، وتنافسوا في الأعمال الصالحة على الدوام.
ومن هذه الأعمال:
الصيام فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" متفق عليه.
ومنها القيام فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قام إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
واحرص -أخي- على أن تصلي التراويح كلها مع الإمام حتى ينصرف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" رواه أحمد وأهل السنن بسند صحيح.
ومنها الصدقة فعن ابن عباس قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة, متفق عليه.
ومن الصدقة: إطعام الطعام, وكان بعض السلف إذا دخل رمضان، يقول: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام.
ومن الصدقة: تفطير الصائمين، وقد ثبت عند أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء".
ومن أعمال رمضان، الاجتهاد في قراءة القرآن، والإكثار من قراءته بتدبر وخشوع.
ومن أعمال رمضان العمرة، وعمرة في رمضان تعدل حجة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في الحديث.
ومن أعمال رمضان، الدعاء، وقد ذكر الله -عز وجل- الدعاء في وسط آيات الصوم، في قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186] فعلى الصائم أن يحرص على الاستكثار من الدعاء وأن يلح على ربه ويتحين مواطن وأوقات الإجابة، وخاصةً عند الإفطار وفي الثلث الأخير من الليل.
عباد الله: هذه بعض من الأعمال التي تستغلّ بها أوقات رمضان، وعليكم بالصبر والمصابرة والجد والمثابرة, فعند الصباح يحمد القوم السرى، وتذكّروا أن هذه الدنيا أيام معدودة وأنفاس محدودة ولا ندري -والله- متى الرحيل, وكل تعب ونصب سيزول، ويبقى الأجر عند الله سبحانه وتعالى.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية.
التعليقات