عناصر الخطبة
1/ الفرح برمضان 2/ تذكر نعمة الله في رمضان 3/ تنبيهات ووصايا للصائميناهداف الخطبة
اقتباس
بشراكم شهر الصيام، وهنيئاً لكم إدراك شهر رمضان، وحق للمسلمين أن يفرحوا ويغتبطوا بشهر القرآن، وكيف لا يفرح المسلم بشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ويفرح المشمرون لأن الفرصة تتجدد لهم، ولأن أبواب الخير تهيأ لهم، ويستبشر أولوا العزائم؛ لأن ميداناً فسيحاً للمسارعة للخيرات يفتح أمامهم، وواعظ القرآن يغذو سيرهم ..
الحمد لله رب العالمين، بلغنا شهر الصيام، وأسبغ علينا نعمة الأمن والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده خزائن السماوات والأرض، وشهر رمضان شهر الجود والإحسان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -معاشر الصائمين- واعلموا أن الصيام سبب ووسيلة للتقوى كما قال ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
ويتذكر المتقون بتقواهم منازلهم وما قدموا لها وهم على يقين أن الله مطلع على ما يعملون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
أيها المسلمون: بشراكم شهر الصيام، وهنيئاً لكم إدراك شهر رمضان، وحق للمسلمين أن يفرحوا ويغتبطوا بشهر القرآن، وكيف لا يفرح المسلم بشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ويفرح المشمرون لأن الفرصة تتجدد لهم، ولأن أبواب الخير تهيأ لهم، ويستبشر أولوا العزائم؛ لأن ميداناً فسيحاً للمسارعة للخيرات يفتح أمامهم، وواعظ القرآن يغذو سيرهم (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26]. (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ) [آل عمران:133]، كما يفرح المبطؤون لأن الحسنة تضاعف لهم، ومردة الجان التي تعيق سيرهم تصفد ويضعف أثرهم يستبشر المذنبون والمقصرون بشهر الصيام لأنهم يجدون فيه عوناً على التوبة وتطهير النفوس وإصلاح القلوب وما منا إلا وله ذنب وخطايا، وفي شهر رمضان فرصة للخلاص منها، والاستزادة من الحسنات الماحيات، والحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.
أيها الصائمون: يا من أدركهم شهر الصيام وهم يتمتعون بالصحة والعافية هلا تذكرتم إخواناً لكم أقعدهم المرض عن الصيام مع المسلمين، وحبسهم العذر عن الصلاة والقيام مع المصلين، وهلا قادكم ذلك إلى شكر المنعم واستثمار الصحة بتقديم الصالحات، فقد يمرض الصحيح، ويضعف القوي، وحينها يتمنى على الله الأماني.
ويا من أدركهم شهر الصيام وهم آمنون في أوطانهم، مطمئنون بين أهليهم وعشيرتهم هلا تذكرتم نفراً من المسلمين ساد الرعب والقلق بلادهم، وحل الخوف محل الأمن بين شعوبهم هل ترونه يهدأ بال الخائف، أم ترونه يطمئن في عبادته الذي لا يأمن على نفسه ومن تحت يده..؟؟
إن الذين يهيء الله لهم نعمة الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان، والفراغ مما يشغل بال الإنسان ثم لا يستثمرون هذه النعم في مرضاة الله هم مغبونون بكل حال يقول عنهم عليه الصلاة والسلام: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".
أيها الصائم: أدرك نعمة الله عليك وتدارك نفسك وتقرب إلى مولاك، وأضمر جيادك، والملتقى في جنان الخلد إن قبلت منا صلاة وطاعات وإحسان!!
يا أخا الإيمان: افتح قلبك الخيرن ولا يصدنك الشيطان وأنت في شهر الصيام فتقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، أتدري لم سمي رمضان برمضان؟ قال العلماء: لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة – من الإرماض وهو الإحراق.
وقيل: لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفطرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حرارة الشمس.
فما نصيبك أيها الصائم من هذه وتلك، ذلك سؤال أطرحه على نفسك، وأنت في بداية الشهر، وأجب عليه في نهايته وإياك أن تظلم نفسك بنفسك، وسيقال لك يوماً من الأيام (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الاسراء:14].
يا أخا الإيمان: أسوق لك أنموذجاً صالحاً للاعتبار في (الصيام و القيام)، وفي حياة السلف عموماً عبر توقظ الغافلين وهمم تشد أصحاب العزائم الصادقين.
وقد روي أن قوماً من السلف باعوا جارية لهم لقوم آخرين، فلما أقبل رمضان أخذوا يتهيأون بألوان المطعومات والمشروبات فلما رأت الجارية منهم ذلك قالت: ولم نصنعون ذلك؟ قالوا: لاستقبال شهر رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ والله لقد جئت من قوم السنة عندهم كلها رمضان، ولا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم ورجعت إلى سيدها الأول.
وفي قيام الليل يروى أن الحسن بن صالح رحمه الله – وكان معدوداً في الأخفياء الأتقياء – كان يقول الليل هو وأخوه وأمه أثلاثاً، فلما ماتت أمه تناصف هو وأخوه الليل، فلما مات أخوه صار يقوم الليل كله.
يا أخا الإيمان: جدد إيمانك في شهر الصيام وقد قيل للمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا). واستمر في إحداث التوبة والزم الاستغفار ولا سيما في شهر القرآن، ونبيك صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأتوب إلى الله تعالى في اليوم سبعين مرة".
وفي حديث آخر صحيح: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة".
وإياك أن تستثقل شيئاً من تكاليف الإسلام، أو تتبرم بشهر رمضان، وكم هي نهاية مؤلمة تلك الحادثة لسفيه يروى إنه ضاق ذرعاً حين أقبل رمضان، فأنشد:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر *** ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الأنام بقوة *** على الشهر لاستعديت قومي على الشهر
فأصيب بمرض الصرع، فكان يصرع في اليوم عدة مرات، وما زال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر.
يا أخا الإسلام: لا يغب عن بالك شفاعة الصيام والقرآن لأصحابهما، روى الإمام أحمد والحاكم بسند حسن عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان".
أيها الصائمون: يا من تستعيذون بالله دائماً من النار، تذكروا أن الصيام جنة من النار، قال عليه الصلاة والسلام: "الصوم جنة يستجن بها العبد من النار".
وتأمل عظيم فضل الله، ورسوله يقول في الحديث المتفق على صحته: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" فكيف بمن صام شهراً كاملاًن وكيف إذا كان هذا الشهر شهر رمضان؟ اللهم لا تحرمنا فضلك، ولا تلهنا عن ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان) [البقرة:185].
نفعني الله وإياكم بهدي القرآن، وسنة محمد عليه الصلاة والسلام، أقول ما تسمعون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله صاحب الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد المنان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون: هذه جمة من التنبيهات والوصايا أذكر بها نفسي وإخواني الصائمين، ومن تذكر فإنما يتذكر لنفسه، والله يقول (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) [الأعلى: 9-11] فكن من أهل الخشية ولا تكن من الأشقياء!
التنبيه الأول: احفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وإذا صمت لله فلتصم منك الجوارح كلها عما حرم الله، وكم هو غريب وعجيب أن نلحظ بعض الصائمين قد امتنع عما أحل الله له مؤقتاً من المطعم والمشرب والمنكح -تقرباً لله- ولكن فاته أن يمنع نفسه عما حرم الله عليه أبداً من الغيبة والنميمة وقول الزور أو سماع المحرم، أو رؤيته، وقد صح في الخبر "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
التنبيه الثاني: يروعك أكثر في حياة بعض الصائمين ازدواجية مشينة في الشخصية، وفهم غريب للحكمة من العبادة فتراه يظل صائماً نائماً عن الصلوات المكتوبة، وربما أخر الصلاة حتى يفوت وقتها، وربما جمع الصلاتين مع بعضهما، أما صلاة الجماعة فزهده بها شمل رمضان إلى شعبان وشوال.. ترى أيجهل هذا الصنف أم يتجاهل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183] وهل من التقوى في شيء النوم عن الصلاة المفروضة، أو الزهد في صلاة الجماعة؟!
ثالثاً: هذه رسالة أوجهها للصائمين عموماً وللشباب خصوصاً لاستثمار أوقاتهم وحفظ صيامهم ولا سيما في هذه الإجازة وهي نعمة وفضل لمن أحس بقيمتها وسابق إلى الخيرات فيها وأولى ما ينبغي أن تتجه إليه الهمم تلاوة كتاب الله وحفظه وتدبره، وليحمد الله أولئك الشباب الذين توفر لهم الوقت،والمطعم والمشرب، والصحة والأمن ما لم يتوفر مثله لآبائهم من قبل، وما قد لا يتوفر لأمثالهم في بلاد أخرى من بلاد المسلمين!!
أخي الشاب: أتراه يليق بك أن تصفد مردة الشياطين في رمضان، وتظل أنت تؤذي المسلمين وهم يصلون أو وهم نائمون.
وإذا شملت هذه الإجازة المعلمين، فليسأل المربون أنفسهم عن كيفية استثمار أوقاتهم، وإذا كانوا قادرين على توجيه غيرهم فلا أظنه يعجزهم أن يوجهوا أنفسهم، ولكنها مجرد تذكير لهم بقيمة الوقت وفضل الزمن.
على أن استثمار الوقت في رمضان أو غيره شامل للموظفين ورجالات الأعمال.. وكل بحسب همته، بل ربما رأيت أمياً أحرص على وقته من متعلم وربما أبصرت جاهلاً أكثر خشية لله وتقرباً من عالم، وهذا وإن كان خلاف ما ينبغي أن يكون عليه العالم والمتعلم ففضل الله يؤتيه من يشاء، ورحمته ليست حكراً على أحد من خلقه، ومن علم شيئاً من أمور الدين على حقيقته، وعمل به وفق ما شرع الله ورسوله، فهو المسلم الموفق حقاً أياً كان تعلمه، ومهما كانت منزلته.
رابعاً: معاشر المسلمين يفرط بعض الصائمين بأمر عظيم وهو في حقيقته يسير على من وفقه الله، ألا وهو الدعاء، ولا سيما في ساعات الاستجابة، وهل علمت أيها الصائم أ، لك دعوة مستجابة، فقد روى الإمام أ؛مد بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل مسلم دعوة مستجابة يدعو بها في رمضان" وقد جاء في عدة أحاديث أن هذه الدعوة عند الإفطار، فلا يفوتنك هذا المغنم أيها الصائم واسأل الله فيه من خيري الدنيا والآخرة ولا تنس والديك وذريتك والمسلمين – لا سيما المستضعفين – بدعوة في ظاهر الغيب فقد تبلغ الدعوة الصادقة مبلغها وإن لم يحتسبها كذلك الداعي بها!!
خامساً: وللمرأة المسلمة يوجه النداء بالحفاظ على الصيام من اللغو وقول الزور والعمل به، وصيانة نفسها في بيتها وعدم التعرض لفتنة الرجال في الأسواق فإن قدر لها الخروج للمسجد فليكن بآداب الإسلام، وهي حرية بالحفاظ على وقتها والإكثار من الذكر والتلاوة وسائر الطاعات.. بل وفي خدمة زوجها وأبنائها فهي مأجورة مع حسن القصد بكل حال، وتتضاعف الحسنات في رمضان، والناصح لها بقول إياك أختاه بإضاعة الوقت في كثرة ما يطبخ فيستهلك وقتك وتكونين سبباً في التخمة والإسراف لأهل البيت، وهذا ينافي الحكمة من الصيام الواردة في قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) قال القرطبي رحمه الله قيل: معناه: "تضعفون فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي، وهذا وجه مجازي حسن ثم ذكر معاني أخرى".
اللهم ارزقنا التقوى، واسلك بنا سبل الهدى، وجنبنا الشرور والأذى.. هذا وصلوا.
التعليقات