عناصر الخطبة
1/ كثرة فتن آخر الزمان 2/ فتنة الدجال فتنة عظيمة 3/ سبب خروج الدجال 4/ الوسائل المعينة على النجاة من فتنة الدجال 5/ كثرة صور الدجل في هذا الزمان 6/ وجوب الحذر من الأكاذيب والدجالين.اهداف الخطبة
اقتباس
من كانت فتنته للناس بشدة الكذب، وتضخيم الأمور والتمويه على الناس، ويعتمد على هذا إما بقوة بيانه أو سلاطة لسانه، أو نفوذه السياسي أو الشعبي، فهو دجَّال يُستعاذ بالله من شره.. اتخذوا الكذب بضاعة، والخداع مهارة من زعماء الأحزاب الكاذبين، والقادة المخادعين، والمدراء المتلاعبين، وعامة الناس المتلونين. ومن هؤلاء من يغرِّرون بالأمة ويتلاعبون بمصير الشعوب، ويزعمون أنهم حماتها ضد اليهود والنصارى أو غيرهم.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله رب العالمين، نحمده، أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله – وتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واستمسكوا بدينكم، واحذروا التغير والتغيير ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه – عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقِطَع الله المظلم؛ يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعَرَض من الدنيا".
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنَّ هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء الفتنةُ فيرقِّق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه.. فمنَّ أحبَّ أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر".
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقوم الساعةُ حتى يمرَّ الرجل على القبر فيتمرَّغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدَّين إلا البلاء" (رواه مسلم).
وهذه الفتن قد توجد وتشتدُّ في بلد، وتخفُّ في آخر، وتعظم في زمن، وتهون في آخر إلا أنَّ المؤمن يستعدُّ لها بالعمل الصالح ما دام في فراغ من وقته، وفسحة في عمره، وخلو من منغصات قلبه ومشغلات خاطره "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم".
ألا وإنَّ من أعظم الفتن -بل هي أعظم الفتن- فتنةً ما بعث الله نبياً إلا حذَّر أمته منها، وما بين خلق آدم إلى قيام الساعةِ أمرٌ أكبر من الدجال.
عباد الله – إنَّ فتنة الدجال فتنة عظيمة، كثرت الأحاديث في التحذير منها، ووصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يكشف حاله، ويميزه عن غيره فهو رجل من بني آدم قصير أفحج قَطَطُ الشعر يقال له المسيح؛ لأنَّ عينه اليمنى ممسوحة، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنَّه أعور العين اليمنى كأنَّ عينه عنبة طافية أي: بارزة.
سمي دجالاً لعظم كذبه وكثرته، يظهر الباطل بمظهر الحقِّ تغريراً بدهماء الناس وتلبيساً على عامتهم، ومن ذلك ما حدثنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي القوم فيدعوهم فيؤمنون به، فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر لهم، والأرض فتنبت حتى ترجع ماشيتهم آخر النهار أوفر ما تكون ضروعاً وخواصر، وفي مقابل ذلك يأتي القوم الآخرين فيردون دعوته فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم!!
ومن فتنته أيضاً أنه يمرُّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، أي: ذكران النحل، والمعنى: على التشبيه، أي: تتبعه هذه الكنوز كما تتبع النحل ذكرانها.
ومن فتنته أنَّ معه ماءً وناراً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فأما الذي يراه الناس ناراً فماءٌ بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً فإنه عذب طيب".
ومن ذلك أيضاً أنَّ معه طعاماً وأنهاراً وجبالاً من خبز ولحمٍ ونهراً من ماء.
هذه بعض فتنته جمعت بين فتنة الشبهة وفتنة الشهوة.
وأمَّا سبب خروجه فإنه يخرج على إثر غضبة يغضبها من جهة المشرق، معه سبعون ألفاً من اليهود في زمان اختلاف من الناس وفُرقة على حين غفلة منهم فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتَّى تترك الأئمةُ ذكره على المنابر" (صححه الهيثمي).
فإذا خرج فإنه يمكث أربعين يوماً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم "
والمعنى: أنَّ هذه الأيام يطولها الله تعالى بهذه المقادير سنة وشهر وأسبوع، حتى إنَّ الصحابة -رضي الله عنه- استشكلوا هذا الطول، فقالوا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاةُ يوم؟
قال: "لا، اقدروا له قدره"، أي: إذا مضى بعد طلوع الفجر قدرُ ما يكون بينه وبين الظهر في الأيام العادية فصلوا الظهر… وهكذا.
وهو في هذه المدة يسير في الأرض في فتنته فيكثر أتباعه، ولا يترك بلداً إلا دخله إلا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما؛ تحرسهما الملائكة.
أيها الإخوة: لقد عظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- شأن الدجال قال النواس بن سمعان – رضي الله عنه– قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الدجال ذات غداة فخفَّض ورفَّع حتى ظننا أنه في طائفة النخل أي: أنه قد خرج فهو قريب في بعض نخل المدينة".
ومع هذا كله فإنَّ الله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يكون به العصمة من فتنته فأعظمها التمسك بهذا الدين ومعرفة صفات الله ونعوت كماله، ومن ذلك ما خصَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- به أمته فقال: "ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنَّه أعور، وإنه الله تعالى ليس بأعور".
ومن ذلك أنَّ الله جعل علامة حسية حيث كتب بين عينيه كافر يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب، ويخفيها الله عمن أراد شقاوته وفتنته.
وحينما تنتهي الحكمة من وجوده، وتنقضي المدة التي قدَّرها الله له فيأذنُ الله -عزَّ وجل- بنزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لُدٍّ وهي بلدةٌ في فلسطين قريبةٌ من بيت المقدس فيقتله هناك، فينهزم أتباعه، وتنتهي فتنته، وينجي الله المؤمنين من شره وشرِّ أتباعه، فلله الحمد والمنة.
أقول قولي هذا…
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد: فمما أرشدنا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- البعد عن فتنته فعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات" حديث صحيح، (رواه أحمد وغيره).
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال"، وفي بعض الروايات " من آخرها ".
والمرجح كونها من أولها؛ وذلك أن في العشر الآيات الأولى ذكر لعصمة الفتية بالكهف الذي آووا فيه فالذي عصم الأولين قادر على عصمة الآخرين.
أيها الإخوة: كان من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ بالله في صلاته من فتنة المسيح الدجال بل كان يأمر بذلك فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخِر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال"، اللهم إنا نعوذ من شر فتنة المسيح الدجال.
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أيها الإخوة بقي أمر لا يسعنا إغفاله ونحن في زمن كثر فيه الدجل ولبس الحق بالباطل والتمويه على عامة المسلمين والتلاعب بقضاياهم.
ففتنة الدجال كائنة بالدجال الأكبر الذي يكون في آخر الزمان، وقد سمعت شيئاً من أوصافه كما بينها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الفتنة إنما تكون للذين يدركون زمنه.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "مع العلم بأن جماهير العباد لا يدركونه ولا يدركه إلا أقل القليل من الناس المأمورين بهذا الدعاء، وهكذا إنذار الأنبياء أممهم فتنة المسيح الدجال حتى أنذره نوح قومه يقتضي تخويف عموم فتنته وإن تأخر وجود شخصه.."اهـ.
ومعنى هذا أن لدينا دجالاً تعظم فتنة على ما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر بالاستعاذة من شره، وهناك دجالون يقومون بما يقوم به الدجال الأعظم الذي يكون في آخر الزمان.
فمن كانت فتنته للناس بشدة الكذب وتضخيم الأمور والتمويه على الناس، ويعتمد على هذا إما بقوة بيانه أو سلاطة لسانه، أو نفوذه السياسي أو الشعبي فهو دجَّال يُستعاذ بالله من شره.
ولا يعجزك المثال في أزمنة التردي، وخفة الدين، وقلة المرؤة لا يعجزك أن تجد المثال فيمن اتخذوا الكذب بضاعة، والخداع مهارة من زعماء الأحزاب الكاذبين، والقادة المخادعين، والمدراء المتلاعبين، وعامة الناس المتلونين.
ومن هؤلاء من يغرِّرون بالأمة ويتلاعبون بمصير الشعوب، ويزعمون أنهم حماتها ضد اليهود والنصارى أو غيرهم.
ومن هؤلاء أيضاً الذين يغشون الأمة وهم يزعمون نصحها، فيهونون من ضرورة رجوع المسلمين إلى دينهم، أو يهوِّلون من شدة عدوها ليوقعوا الإحباط والخور في نفوس أبنائها فهم من الدجاجلة.
والذي مع هؤلاء وهؤلاء من النفوذ الإعلامي والسيطرة على كثير من وسائل إيصال الكلمة هو من تمام دجلهم وفتنتهم وهو نظير ما مع الدجال الأكبر من الطعام والأنهار والماء والنار.
وإن الواحد ربما سمع المقطع أو شاهده أو قرأ خبراً في مقال أو تغريدة فركبه من الهمّ ما ركبه، وغشيه من الكرب ما غشيه، ثم يتبين أنه خبر مكتوب من أصله أو مزاد في تفصيله وقد تولت شياطين الإنس ودجاجلة الزمن فقصُّوا وخاطوا ودَبْلَجُوا وفَبْرَكُوا حتى جعلوا من الحبة قبة، وأرجفوا بالقلوب الآمنة، والنفوس المطمئنة.
ولا تزال مئات الحسابات في مواقع التواصل تديرها أصابع خفية، ومخابرات عالمية، وربما حملت أسماء مستعارة، أو أسماء حقيقة مخترقة أو مستأجرة.
ناهيك عن حسابات المشاغبين، والساخرين والمستخفين بعقول الناس وعقائدهم !
وإن الواحد ربما قرأ عنواناً عريضا تصريحاً في صحيفة ورقية أو إلكترونية لمسؤول أو كلام لعالم أو داعية أو مهتم بالشأن العام أو غيره، ثم تعجب من تردِّي الأحوال، وشناعة ما كتب ثم إذا قرأت ما تحت العنوان المرجف إذا بالحقيقة دون ذلك أو هي والله غير ذلك.
وكل هذا مباح في دجل الإعلاميين بحجة الإثارة، والاستفزاز وجس النبض ومعرفة مدى ردة الفعل!
ومن أمن العقوبة أساء الأدب!!
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 58].
أرأيت بعد هذا أنَّ فتنة الدجال جارية على كل أحد، مدركة كل مكلف فهي نظير فتنة عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات التي جمعت معها، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في سياق واحد، ولا نجاة منها إلا أن يُعِيذَ الله العبد منها، ويَقِيَهُ شرَّها.
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، ونعوذ بك من دجاجلة زماننا، المؤذين لعبادك، المثيرين للفتنة، الذين يفرِّقون وحدتنا، ويُفسِدون ما بيننا وولاة أمورنا.
اللهم افضحهم وسلِّط عليهم مَن يكُفَّ شرهم ويقطع دابرهم.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا …
التعليقات