عناصر الخطبة
1/فضائل القرآن العظيم 2/ثمرات الإقبال على القرآن 3/القرآن كتاب عزيز 4/خطورة هجر القرآن 5/أسباب هجر القرآن 6/ شكر نعمة القرآن الكريم تلاوته والإقبال عليه.اقتباس
وما أغبنَ أنْ يَقْطَعَ العبدُ تواصلَهُ مع خالقِهِ -عزَّ وجلَّ- بهجرِ القرآنِ؛ ليتواصلَ مع أشخاصٍ ومنصاتٍ لا تزيدُه إلا وَبَالًا وخَسَارًا، فيستبدلُ الذي هو أدني بالذي هو خيرٌ، نعوذُ باللهِ من الخُذْلانِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، ويقضِي ولا رَادَّ لقضائِهِ، بيدهِ مقاليدُ الأمورِ والأسبابِ، أحمدُهُ سبحانَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ.
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، فالتقوى وصيةُ اللهِ للأوَّلينَ والأخرينَ، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131].
عِبَادَ اللهِ: إنَّ القرآنَ الكريمَ عِزٌّ لا يُهزمُ أنصارُهُ، ومِنهَاجٌ لا يضِلُّ ناهجُهُ، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركَهُ من جبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، ومن ابتَغَى الهُدَى في غيرِه أضلَّهُ اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ، لا تزيغُ بهِ الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبسُ به الألسُنُ، ولا تنقضي عجائبُهُ، مَنْ قالَ بهِ صدَقَ، ومَنْ حَكَمَ به عَدَلَ، ومَنْ عَمِلَ بهِ أُجِرَ، ومَنْ دَعَا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ، قالَ اللهُ -تعالى-: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[سبأ: 6].
أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ المسلِمَ إذا أَقْبَلَ على كِتَابِ ربِّهِ بقلبٍ خاشِعِ، يتلُو آياتِهِ، ويتدبَّرُ عِظَاتِهِ، ويَقِفُ عِنْدَ أَحْكَامِهِ، لا يُعْدَمُ الخيرُ أبَدًا، ومِنْ وُجُوهِ هذا الخيرِ مَا يَأتي:
أولاً: مُضَاعَفَةُ الحسنَاتِ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قَرَأَ حَرْفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنةٌ، والحَسَنةُ بعَشَرةِ أمثالِها لا أقولُ (الم) حَرفٌ، ولكن ألِفٌ حَرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ" (أخرجه الترمذي ٢٩١٠، وصححه الألباني).
ثانيًا: رِفْعَةُ الدرجاتِ في الجنَّةِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرَأْ وارتَقِ ورتِّلْ كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَك عندَ آخِرِ آيةٍ تقرؤُها"(أخرجه أبو داود ١٤٦٤، وصححه الألباني).
ثالثًا: الفوزُ بشفاعةِ القرآنِ يومَ القيامَةِ: قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا القرآنَ، فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه"(أخرجه مسلم ٨٠٤).
رابعًا: ثباتُ القلبِ عند الفتنِ: قال -تعالى-: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)[الفرقان: 32].
خامسًا: القرآنُ عِصْمةٌ وحِصْنٌ من الشيطانِ، قال -تعالى-: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)[الشعراء: 210-212].
أيُّهَا المؤمنونَ: اعلموا أنّ القرآنَ الكريمَ كتابٌ عزيزٌ، ومن مظاهرِ عزَّتِهِ أنَّهُ لا يقبلُ الضَّيْمَ، فمنَ هَجَرَ القرآنَ هجرَهُ القرآنُ، ولذا أُمِرَ المسلم بتعاهدِهِ، وكثرةِ تلاوتِهِ أناءَ الليلِ وأطرافَ النَّهَارِ، والحذرَ من هجرِهِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ"(أخرجه البخاري 5031). وقال أيضًا: "بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ"(أخرجه البخاري 5032).
أيُّهَا المؤمنونَ: وقد حذَّر اللهُ -عزّ وجلّ- مِن هجرِ القرآن فقالَ: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[فصلت:3، 4]، وتوعَّد مَن يهجرُ القرآنَ بقولِهِ: (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا)[طه: 99-101].
عبادَ اللهِ: ومِنْ أسبابِ هجرِ القرآنِ الكريمِ مَا يأتِي:
أولاً: الجهلُ بمكانةِ القرآنِ الكريمِ، وأهميَّتِهِ، وما يترتَّب على العنايةِ بهِ، والإقبالِ عليهِ من الخيرِ والبركةِ والهدايةِ والتوفيق.
ثانيًا: الانشغالُ بغيرِهِ من الملهياتِ، والتي تَعُجُّ بها دُنْيَا النَّاسِ اليومَ، كالجوالاتِ ومِنَصَّاتِ التواصلِ الاجتماعي، ولغوِ الحديثِ، وما أغبنَ أنْ يَقْطَعَ العبدُ تواصلَهُ مع خالقِهِ -عزَّ وجلَّ- بهجرِ القرآنِ؛ ليتواصلَ مع أشخاصٍ ومنصاتٍ لا تزيدُه إلا وَبَالًا وخَسَارًا، فيستبدلُ الذي هو أدني بالذي هو خيرٌ، نعوذُ باللهِ من الخُذْلانِ.
ثالثًا: كثرةُ الذنوبِ والمعاصي، فالذنوبُ حجابٌ عن كلِّ خيرٍ، وعائقٌ عن كلِّ طاعةٍ.
أعوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء:9].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، تعظيمًا لشأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلمُوا أنّ هَجْرَ القرآنِ الكريمِ نذيرُ شؤمٍ، وعلامةٌ على تَسَلُّطِ الشيطانِ، قال -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)[الأعراف: 175-176].
وشكا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربِّهِ -عَزَّ وجلَّ- هَجْرَ قومِهِ للقرآنِ فقالَ: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[الفرقان: 30]. قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- لقراءِ البصرةِ: "..اتْلُوهُ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، كما قَسَتْ قُلُوبُ مَن كانَ قَبْلَكُمْ"(أخرجه مسلم 1050).
أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ القرآنَ الكريمَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ ومِنّةٌ-، تفضّلَ بهِ على هذهِ الأُمَّةِ، ومِنْ شُكْرِ نعمةِ القرآنِ الكريمِ تلاوتُه والإقبالُ عليهِ، قال -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)[الزخرف: 44]، فما من مسلمٍ إلا وسيسأَلُهُ ربُّهُ -عزَّ وجلَّ- عن القرآنِ الكريمِ، هل قامَ بِهِ فارتَفَعَ، أم أَخْلَدَ بِهِ إلى الأرضِ، واتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى.
أسألُ اللهَ أنْ يَجْعَلَ القرآنَ ربيعَ قلوبِنَا، ونُورَ قُبُورِنَا، وشَاهِدًا وَشَفِيعًا لنَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِ المسلمينَ لِلْحُكْمِ بكتابِكَ، والعمل بسنَّةِ نبيِّكَ، اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وسموَّ وليِّ عهدِهِ لما فيه الخيرُ والصلاحُ واحفظهم من كل سوء ومكروه، واجزهم عما يقدمون للإسلام والمسلمين خير الجزاء.
اللهمَّ ارْبِطْ على قلوبِ رجالِ الأمنِ، الذين يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ واحفظهمْ من بين أيديهمِ ومن خلفهمِ، ونعوذُ بعظمتكَ أنْ يُغْتَالُوا من تَحْتِهِمْ.
اللهمَّ ارحَمْ هذا الجمعَ من المؤمنينَ، اللهمَّ استر عوراتِهِمْ، وآمِنْ روعاتِهِمْ وارفَعْ درجاتِهِمْ في الجنَّاتِ، واغفرْ لَهُم ولآبَائِهِمْ وأمَّهَاتِهِم، وأَصْلِحْ نيَّاتِهِمْ وذريَّاتِهِم واجمعنَا وإيَّاهُم ووالدِينَا وأزواجنا وذرياتنا ومن لهُ حقٌّ علينَا في جنَّاتِ النعيم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ -جلَّ من قائلٍ عليمًا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56].
التعليقات