عناصر الخطبة
1/مكانة العلاقة الزوجية في الإسلام 2/حكم الطلاق 3/أسباب الطلاق 4/مفاسد الطلاق 5/دعوة لأخذ لقاح الأنفلونزااقتباس
ولا يخلو بيتٌ من المنازعاتِ والخلافاتِ؛ فالنَّسِيمُ لا يَهُبُّ عَلِيلًا على الدَّوَامِ، وهذا أمرٌ فِطْرِيٌّ، لكنْ يجبُ ضبطُ هذه الخلافات بميزانِ الشَّرعِ، فيعرفُ كُلٌّ مِنَ الزوجينِ حقَّ الآخَرِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا، سبحانه هو اللهُ الحميدُ في وَصْفِهِ وفِعْلِهِ، الحكيمُ في خلقِهِ وأمرِهِ، الرِّحيمُ في عطائِهِ ومنْعِهِ.
أحمدُ الله سبحانَهُ بارئَ النسماتِ، وفاطِرَ السمواتِ، أَحَلَّ لعباده الطَّيبَات، وحَرّمَ عليهم الخبائث والمنكرات، وسنَّ لهم الشرائع، وأبانَ الحقوقَ والواجبات.
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
أيُّهَا المؤمنونَ: لقد اهتمَّ الإسلامُ بالأسرةِ اهتمامًا خاصًا منذُ إنشائِهَا، فحثّ على الزَّوَاجِ، وبَيَّنَ أحكامَ الْخِطْبَةِ، وشَرَّعَ النِّكَاحَ، وضَبَطَ مَا لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الآخَرِ مِنَ الحقوقِ والواجباتِ، وَوَضَعَ قاعدةً لكلا الزَّوجينِ في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء:19]
ووصفَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- عقْدَ النكاحِ أَدَقَّ وصفٍ وأشمله، قال سبحانه: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)[النساء:21]. ذكرَ المفسرونَ أنَّ الميثاقَ الغليظَ هو كلمةُ النِّكاحِ التي يُسْتَحَلُّ بها الفَرْجُ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فاتَّقوا اللهَ في النِّسَاءِ، فَإنّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ"(أخرجه مسلم).
أيُّهَا المؤمنونَ: وَلِعِظَمِ عقدِ النكاحِ ومكانتِهِ في الإسلامِ، كانَ الأصلُ في عقد الطلاقِ الكراهية، وإنما يُبَاحُ منهُ بقدرَ الحاجةِ، وجاءَ النهيُ عن التساهلِ في الطلاقِ، فشرعَ الإسلامُ الرُّجْعَةَ بعدَ الطَّلاقِ الأول والثاني، ونهى الرجلُ أن يُطَلِّقَ في الحيضِ، أو في طُهْرٍ جامعَ فيهِ، وجاءت النُّصُوصُ بالتحذيرِ من نقضِ عقدِ النكاحِ، أو التهاون في شأنِهِ، فحرّمت على المرأةِ طَلَبَ الطلاقِ بِلا حاجةٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيُّمَا امرأةٍ سَأَلَتْ زَوجَها الطَّلاقَ في غيرِ ما بَأسٍ، فحَرامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجنَّةِ"(أخرجه أبو داود، وصححه الألباني).
عبادَ اللهِ: ولا يخلو بيتٌ من المنازعاتِ والخلافاتِ؛ فالنَّسِيمُ لا يَهُبُّ عَلِيلًا على الدَّوَامِ، وهذا أمرٌ فِطْرِيٌّ، لكنْ يجبُ ضبطُ هذه الخلافات بميزانِ الشَّرعِ، فيعرفُ كُلٌّ مِنَ الزوجينِ حقَّ الآخَرِ، قال تعالى: (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة:237]، والتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- القائل: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِ"(أخرجه الترمذي، وصححه الألباني)، والقائل -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَر"(أخرجه مسلم).
عبادَ اللهِ: وكثرةُ وقوعِ الطلاقِ في المجتمعِ ظاهرةٌ مقيتةٌ، وناقوسُ خطرٍ، وجرسُ إنذارٍ، وعلامةٌ على غيابِ الوعيِ، وقلَّةِ الفِقْهِ، ومن أهم أسبابِ وقوع الطلاق ما يلي:
أولًا: الجهلُ بالأحكامِ الشَّرعيةِ، وضعفُ الوازعِ الديني، وعدمُ النظرِ في العواقِبِ فيتساهلُ الزوجُ في التَّلَفُّظِ بالطَّلَاقِ، وربَّما على أَتْفَهِ الأسبابِ، وتَتَسَاهَلُ المرأةُ في طَلَبِ الطَّلاقِ، والتَّصْرِيحِ بهِ، مما يدلُّ على نقصِ في الرؤية، وعدمِ المسؤوليةِ.
ثانيًا: كثرةُ تدخلِ الأهل بين الزوجين، وظهورُ المشاكلِ الزوجيةِ خارجَ جدارِ البيتِ.
ثالثًا: الدعواتُ المغرضةُ التي يُطْلِقُهَا أصحابُ القلوبِ المريضةِ؛ ليفسدوا بين المرءِ وزوجِهِ، بدعوى الحرِّيَّةِ والاستقلاليةِ، وهي في الحقيقة دعواتٌ للانحلال والخراب.
رابعًا: وسائلُ التواصلِ، وما تبثُّه من فتنٍ وشبهاتٍ، وزرعٍ للشكِّ والريبةِ بين الأزواجِ.
وتصويرها للحياةِ الزوجيةِ أنها مَيْدَانٌ لإثباتِ الذَّاتِ، وإِحْكَامِ السَّيْطَرَةِ، وغَلَبَة الرَّأْيِ، بينما صَوَّرَهَا اللهُ -عزَّ وجلَّ- أنهَا سكنٌ ومودةٌ ورحمةٌ وعشرةٌ بالمعروف.
أعوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشُّكرُ له على توفيقهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أما بعدُ:
فيَا أيُّهَا المؤمنونَ: اعلموا أنّ للطلاقِ مفاسدَ عظيمةً، وأضرارًا جسيمةً، منها: تَبَدُّل المودةِ والرحمةِ والوئامِ إلى فُرقةٍ وبُغْضٍ وخِصَامٍ، ليس بين الزوجين فقط، بل بين أسرتينِ وربما أكثر، وتَشَتُّتُ الأولادِ وضياعُهِمْ، ووقوعُهم في براثِنِ الشَّرِّ وأوكار الخرابِ.
عبادَ اللهِ: لقد عُنِيَ الإسلامُ بالتداوي، وطلب العلاجِ، وحثّ عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاء"(أخرجه البخاري).
وفي هذه الأثناءِ يقومُ رجالُ الصحةِ في بلادِنا بتوفيرِ لقاحِ الإنفلونزا؛ للوقايةِ من المرضِ، والتخفيف من حدته، وخاصةً لدى الأطفالِ وكبارِ السنِّ، وأصحابِ الأمراض المزمنة، وإني أحثُّ إخوانِي وأبنائِي على المبادرة بأخذِ اللِّقَاحِ، وهو من الأخذِ بالأسبابِ الشرعيةِ والممكنةِ لدفعِ المرضِ، ولا يُنَافِي التوكُّلَ على اللهِ -عزَّ وجلَّ-.
أسألُ اللهَ عزّ وجلّ أَنْ يُصْلِحَ بيوت المسلمين، ويعيدَ إليهَا الدِّفْءَ والأُلْفَةَ والسَّكِينةَ، وأنْ يحفظَ بلادَنا آمنةً مُطْمَئِنَّةً، سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ.
اللهمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرنا لكلِّ خيرٍ، واجْزِهمْ عنَّا وعن المسلمينَ خيرَ الجزاءِ. اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك، والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير، واجعلهم رحمة على شعوبهم.
اللهمَّ ارْبِطْ على قلوبِ رجالِ الأمنِ، الذين يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ واحفظهمْ من بين أيديهمِ ومن خلفهمِ، ونعوذُ بعظمتكَ أنْ يُغْتَالُوا من تَحْتِهِمْ.
اللهمَّ ارحمْ هذا الجمعَ من المؤمنينَ، اللهمَّ استر عوراتِهِمْ، وآمِنْ روعاتِهِمْ وارفَعْ درجاتِهِمْ في الجنَّاتِ، واغفرْ لهم ولآبائِهِمْ وأمَّهاتِهِم، وأَصْلِحْ نيَّاتِهِم وذريَّاتِهِم واجمعنَا وإيَّاهُم ووالدِينَا وأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا وجيراننا ومن لهُ حقٌّ علينَا في جنَّاتِ النعيم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56].
التعليقات