عناصر الخطبة
1/إجراء الامتحانات الدراسية 2/مشاغبات الطلاب بعد الامتحانات 3/الاستعداد لامتحان الآخرة 4/خطورة الغفلة عن الآخرة 5/شتان بين نتائج امتحان الدنيا والآخرة.اقتباس
إِنَّ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا قَرِيباً سَوْفَ يَسْتَلِمُونَ نَتَائِجَ مَا قَدَّمُوا فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ؛ فَفَرِحٌ مُسْتَبْشِرٌ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ بِنَتِيجَةِ الامْتِحَانِ يَكَادُ يَطِيرُ مِنَ الْفَرَحِ. وَآخَرُ حَزِينٌ يَضْرِبُ كَفّاً عَلَى كَفٍّ، وَيَتَمَنَّى لَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَيَّامِهِ وَلَمْ يَغْفَلْ عَنِ الاسْتِعْدَادِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار، مُقَدِّرِ الْأَقْدَار، وَمُصَرِّفِ الأُمُورِ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَار, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الْعَزِيزُ الْغَفَّار، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ الكِرَامِ الأَطْهار.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْمَلُوا لِنَجَاتِكُمْ, فَأَنْتُمْ فِي دَارِ عَمَلٍ وَغَداً فِي دَارِ جَزَاءٍ وَحِسَاب.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ نَعِيشُ أَجْوَاءَ الامْتِحَانَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ, وَبَعْدَهَا تَكُونُ فَرْحَةٌ بِالنَّجَاحِ أَوْ حُزْنٌ بِسَبَبِ الْكَسَلِ.
وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ لَيس مَوْضُوعُهَا حَثّ الطُّلَّابِ عَلَى الْاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ, مَعَ أَنَّهُ جِدِيرٌ بِهِمُ التَّعَلُّقُ بِاللهِ حَقّاً وَالإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَنْ يُوَفِّقَهُمْ وَيُنَجِحَهُمْ, وَلَكِنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ.
إِنَّ الْخُطْبَةَ لَنْ تَكُونَ عَنِ مُخَدِّرَاتٍ فَتَكَتْ بِالشَّبَابِ وَالشُّيَّابِ, بَلْ وَبِالنِّسَاءِ, فَكَمْ مِنَ الأُسَرِ هُدِمَتْ وَضَاعَ أَفْرَادُهَا بِسَبَبِ تِلْكَ الْحُبُوبِ الْمُدَمِّرَةِ! وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَرَاءَ الْقُضْبَانِ أَوْ فِي الْمَصَحَّاتِ النَّفْسِيَّةِ بِآثَارِ تِلْكَ الْحُبُوبِ الفَتَّاكَةِ التِي اسْتَعْمَلَهَا لِيَنْجَحَ فَكَانَ حَلِيفَهُ الْفَشَلُ وَالْخَسَارَةُ وَالْفَضِيحَةُ وَضَيَاعُ مُسْتَقْبَلِهِ, الْخُطْبَةُ لَيْسَتْ عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ.
إِنَّ خُطْبَتَنَا الْيَوْمَ لَيْسَتْ عَنِ الْغِشِّ الذِي فَشَا وَانْتَشَرَ فِي أَوْسَاطِ الْمُتَعَلِّمِينَ, حَتَّى اسْتَمْرَأَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مَعَ أَنَّ رَسُولَنَا -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- تَبَرَّأَ مِنَ الْغَشَّاشِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغِشَّ بِأَيِّ صُورَةٍ وَأَيِّ نَوْعٍ كَبِيرَةٌ مِنَ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ, الْخُطْبَةُ لَنْ تَكُونَ عَنْ هَذَا.
أَنَا لَنْ أَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ تَضْيِيعِ الآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ حَيْثُ يُعْطِيهِ السَّيَّارَةَ الْجَدِيدَةَ وَلا يُتَابِعُهُ أَوْ يُحَذِّرُهُ أَوْ يُخَوِّفُهُ مِنَ الْضَيَاعِ, حَتَّى إِنَّ النَّاسَ يُعِدُّونَ الامْتِحَانَاتِ أَيَّاماً عَصِيبَةً بِسَبَبِ الْهَوَجِ الذِي يَكُونُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ قَاعَاتِ الامْتِحَانَاتِ, وَالتَّسَكُّعِ بِلَا حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ وَالتَّفْحِيطِ فِي الطُّرُقَاتِ أَوِ الْوُقُوفِ بِالسَّيَّارَاتِ فِي وَسَطِ الشَّارِعِ مَعَ الأَصْدِقَاءِ لِتَبَادُلِ أَطْرَافِ الْحَدِيثِ مَعَ أَصْدِقَاءِ السُّوءِ.
وَرُبَّمَا عَدَّ بَعْضُ الشَّبَابِ هَذَا مَفْخَرَةً أَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ أَوْ لِيُبَيِّنَ رُجُولَتَهُ؛ لِأَنَّ رُجُولَتَهُ ضَاعَتْ, وَصِفَاتُهُ لَمْ تَعُدْ مَحَلَّ فَخْرٍ وَاعْتِزَازٍ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاشِلٌ فَأَرَادَ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ شَيْءٍ يَفْخَرُ بِهِ, وَهُوَ الْوُقُوفُ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ وَإِيذَاءِ النَّاسِ.
وَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ الشَّبَابِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الْهَوَانُ عَلَيْهِ *** مَا لِجُرْحٍ بِمَيَّتٍ إِيلامُ
الْخُطْبَةُ أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ لَنْ تَكُونَ عَنْ هَذَا!
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ خُطْبَتَنَا اليَوَمَ عَنِ الْامْتِحَانِ الْأَكْبَرِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَة. تَأَمَّلُوا دُنْيَانَا فَهِيَ أَمْثِلَةٌ لِآخِرَتِنَا، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ عَظِيمٌ وَالْبَوْنَ شَاسِعٌ، فَفِي الدُّنْيَا نَارٌ وَفِي الآخِرَةِ نَارٌ, فِي الدُّنْيَا أَكْلٌ وَشُرْبٌ وَزَوْجَاتٌ وَفِي الآخِرَةِ مِثْلُهَا، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَنْ تَكُونَ مُقَارَنَةٌ! فِي الدُّنْيَا عَمَلٌ ثُمَّ امْتِحَانٌ وَنَجَاحٌ وَرُسُوبٌ, وَلِلآخِرَةِ عَمَلٌ ثُمَّ امْتِحَانٌ وَاخْتِبَارٌ وَسُؤَالٌ ثُمَّ نَجَاحٌ أَوْ رُسُوبٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا التِي نَعِيشُ فِيهَا مَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ وَلَيَالٍ ثُمَّ نَغِادِرُهَا إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ, بَلْ سَيَأتِي يَوْمٌ يَأْذَنُ اللهُ بِخَرَابِ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ، فَيَا تُرَى هَلْ نَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِلآخِرَةِ وَاخْتِبَارِهَا أَمْ نَحْنُ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[ق:19-22].
فَهِذِهِ حَالُنا -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- فَهَلْ مُسْتَعِدُّونَ لِهَذَا الْمَصِيرِ؟
إِنَّ يَوْمَ الْقَيَامَةِ يَوْمٌ عَصِيبٌ وَإِنَّ الَّذِي يُحَاسِبُ فِيهِ لَيْسَ بَشَرَاً يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَفِرَّ مِنْ عِقَابِهِ أَوْ نَحْصُلَ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى ثَوَابِهِ، لا وَاللهِ.. إِنَّ الذِي يُحَاسِبُنَا هُوَ الذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. إِنَّ الذِي يَسْأَلُنَا هُوَ الذِي قَالَ: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء:13- 14].
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"(رَوَاهُ البُخَارِي)؛ فَكَيْفَ بِنَا وَمَا هُوَ حَالُنَا إِذَا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّنَا؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- عَلِيمٌ بِنَا, بَصِيرٌ بِأَحْوَالِنَا, وَمَعَ ذَلِكَ أَلْزَمَنَا مَلائِكَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَنَا صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا، دَقِيقَهَا وَجِلِيلَهَا، ثُمَّ نَرَاهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَعْرِفُهَا وَلا نَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار:10-12]، وَقَالَ: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف:49].
يَا مُسْلِمُ: احْذَرْ مِنَ الْفَضِيحَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُشْهِدُ عَلَيْكَ مَنْ لا تَسْتَطِيعُ تَكْذِيبَهُمْ؛ إِنَّ الأَرْضَ تَشْهَدُ عَلَيْكَ، وَإِنَّ أَعْضَاءَكَ تَنْطِقُ عَلَيْكَ، فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)[الزلزلة:1-5]، وَالْمَعْنَى: أَنْ تَتَكَلَّمَ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[يس:65]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[فصلت:20-21].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحَاسِبُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ جِدّاً لا يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَتَصَوَّرَهُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[المائدة:4]؛ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ قَدْرُ نِصْفِ نَهَارٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، بَلْ رُوِيَ أَنَّهُ يُحَاسِبُ الْخَلْقَ فِي قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ, وَرُوِيَ فِي مِقْدَارِ فَوَاقِ نَاقَةٍ, وَرُوِيَ فِي مِقْدَارِ لَمْحَةٍ, وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- لا يَحْتَاجُ إِلَى عَدٍّ وَلا فِكْرَةٍ.
وَقَدْ قِيلَ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَيْفَ يُحَاسِبُ اللهُ النَّاسَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ؟ قَالَ: كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ.
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُحْيِيَ قُلُوبَنَا وَتُعِيذَنَا مِنَ الْغَفْلَةِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتِغْفِرُوهُ, إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلََّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَأُصَلِّي عَلَى خَيْرِ مُعَلِّمٍ, نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبِهِ وَأُسَلِّم.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاسْتَعِدُّوا لِلْحِسَابِ وَإِيَّاكُمْ وَالْدُّنْيَا دَار غُرُور.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا قَرِيباً سَوْفَ يَسْتَلِمُونَ نَتَائِجَ مَا قَدَّمُوا فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ؛ فَفَرِحٌ مُسْتَبْشِرٌ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ بِنَتِيجَةِ الامْتِحَانِ يَكَادُ يَطِيرُ مِنَ الْفَرَحِ. وَآخَرُ حَزِينٌ يَضْرِبُ كَفّاً عَلَى كَفٍّ، وَيَتَمَنَّى لَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَيَّامِهِ وَلَمْ يَغْفَلْ عَنِ الاسْتِعْدَادِ لِلاخْتِبَارَاتِ.
وَسُبْحَانَ اللهِ!! هَذِهِ الصُّورَةُ سَتَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ شَاسِعٌ وَالْبَوْنَ وَاسِع، فَهَلْ نَحْنُ مُعْتَبِرُونَ؟ وَهَلْ نَحْنُ مُسْتَيْقِظُونَ؟ قَالَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الحاقة:13-24].
فَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الأَوَّلُ، وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَقَالَ -سُبْحَانَهُ- عَنْهُمْ: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوه)[الحاقة:25-32].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا هُوَ الامْتِحَانُ الأَكْبَرُ, وَهَذَا هُوَ الاخْتِبَارُ الأَعْظَمُ، فَيَا لَيْتَنَا نَسْتَعِدُّ لَهُ وَيَا لَيْتَنَا نَنْجَحُ فِيهِ.
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا, أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا, اللَّهُمَّ إِنَّا أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ.
اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
التعليقات