عناصر الخطبة
1/الفرح بعيد الفطر 2/تكبير الله وشكره على ختام الشهر 3/خصوصية أعياد المسلمين 4/الفرح وانتظار الفرج 5/التفاؤل والأمل بانتصار المسلمين 6/من جماليات العيد في الإسلام 7/رسائل إلى المرأة المسلمة.اقتباس
لا يبتهج بالعيد إلا المسلمون، ولا يفرح فيه إلا المؤمنون؛ لأنه عيدٌ يؤصّل عقيدتهم، فلا يُعظَّم فيه إلا الله -جل جلاله-، ولا يُرْفَع فيه إلا اسمه -سبحانه-؛.. نفرح بهذا العيد رغم المآسي في أُمّتنا، وتكالب أُمم الكفر على تمزيق وحدتنا، وتشويه عقيدتنا، فنفرح بعيدنا لأنها لا تزيدنا إلا يقينا بوعد الله، واستبشاراً بنصر الله...
الخطبة الأولَى:
الحمد لله، وأُكبّره تكبيراً، والحمد لله حمداً كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بنعمته تتم الصالحات، أفاضَ علينا من خزائن جُوده عظيم الهبات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وإمام المرسلين، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أما بعد: فاتقوا الله معشر المؤمنين والمؤمنات حق التقوى، وتقرَّبوا إليه بما يحبُّ ويرضى، تزيَّنوا بلباس التقوى ذلك خير.
عيدُكم مُبارك، وتقبَّل الله منكم الصيامَ والقيامَ، واستجاب الله لكم الدعوات، ورفع بأعمالكم الدرجات، وكما فرِحتم بصيامكم، فافرحوا بفِطركم، أدَّيتم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، صُمتم وقرأتُم وتصدَّقتُم، فهنيئًا لكم ما قدَّمتم، وبُشراكم الفوزَ بإذنه -سبحانه-؛ (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)[البقرة: 143].
إن من حقكم أن تفرحوا بعيدكم، وتبتهِجوا بهذا اليوم؛ يوم الزينةِ والسرور.
يوم تُوفّى فيه النفوسُ ما عملت *** ويَحْصُدُ الزارعونَ ما زَرَعُوا
ومن حقِّ أهل الإسلام في يوم بهجتهم أن يسمعوا كلامًا جميلاً، وحديثًا مُبهِجًا، وأن يرقُبوا آمالاً عِراضًا ومُستقبلاً مشرقاً، يتلألأ في سمائه إشراقه التمسك بهذا الدين، ونور النصر يلوح في أفق الظلام.
عِيدٌ بِهِ الأَرْضُ وَالآفَاقُ مُشْرِقَةٌ *** تَمَازَجَتْ فِيه أَنْوَارٌ بِأَنْوَارِ
فاهنأوا بعيدكم، وابتهِجوا بأفراحكم (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].
هذا العيد السعيد؛ يفرح فيه كل مكلوم، ويستبشر فيه كلّ مهموم، ويسعد فيه الحاضر والباد.
يا عيد كل فقير هزّ راحته *** شوقاً وكل غني هزّه الجودُ
ما أجمل العيد المُعْلن للتوحيد "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
عيدٌ لم يُبنَ على شعاراتٍ وأعلام، ولم يَقم على طقوس نِحَلٍ وتفاخرِ أمم، بل هو عيدٌ يتجددُ كل عام، يُكَبَّرُ فيه اللهُ ويُذْكَر، ويُحمدُ الله ويُشْكَر (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
لا يبتهج بالعيد إلا المسلمون، ولا يفرح فيه إلا المؤمنون؛ لأنه عيدٌ يؤصّل عقيدتهم، فلا يُعظَّم فيه إلا الله -جل جلاله-، ولا يُرْفَع فيه إلا اسمه -سبحانه-؛ "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً".
فلا يذوقُ طعمُ الإيمانِ والعيد مَن أحبَّ ووالى من أجلِ هوًى مُتَّبع، أو رجاءً لمصلحةٍ وابتغاءً لمنفعةٍ، أو من أجل لعبة ورياضة؛ "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"(متفق عليه).
نفرح بهذا العيد رغم المآسي في أُمّتنا، وتكالب أُمم الكفر على تمزيق وحدتنا، وتشويه عقيدتنا، فنفرح بعيدنا لأنها لا تزيدنا إلا يقينا بوعد الله، واستبشاراً بنصر الله.
وهل يكون الفرح وانتظار الفرج إلا في الأزمات؟ وهل يُطلَبُ حسنُ الظن إلا في المُلِمَّات؟
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب: 22]؟
نفرح بالعيد ونبعث في النفوس الأمل الجميل، فكلما ازداد التحدِّي ازداد اليقين؛ (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 61- 62]؛ أملٌ يبعث في النفوس العمل (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7].
في الهجرة انتصرت النفوس فقوي إيمانُها، وازداد يقينُها، ودفعها للعمل في المقدورِ ولو بشَقِّ النطاق، فأسماءُ بنت أبي بكر تشُقُّ نطاقَهَا لربط الطعام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبيها، وعبدُ الله الإعلامي الصادق الذي ينقل الأخبار، والراعي عامر بن فهيرة يسقيهم اللبن ويمحو الأثر، تلك نموذجٌ صغيرٌ بحجمه، عظيمٌ بأثره، فلم يُقْعدهم حجم المؤامرة الكبيرة على القضاء الإسلام وتكالب أئمة الكفر على المسلمين عن أن يقدموا شيئًا يكون فيه نصرة للدين.
أملٌ وحُسن ظنٍّ وتفاؤل مقرونٌ بعملٍ ونصبٍ، قال عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْخَنْدَقِ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا صَفَاةً لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُنَقِّبُوهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقُمْنَا مَعَهُ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَلَمْ أَسْمَعْ ضَرْبَةً مِنْ رَجُلٍ كَانَتْ أَكْبَرَ صَوْتًا مِنْهَا، فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، فُتِحَتْ فَارِسُ"، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى مِثْلَهَا فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، فُتِحَتِ الرُّومُ"؛ يُبشر بالنصر بكسرِ الحجر، تفاؤلٌ بعمل، لا تفاؤل مقنّع بلباس التخدير والقعود.
تفاؤلك يتحققُ بأملك، وأملُك يتحقق بعملِك، نجاحُك أن تصنع مشروعك في حياتك على قدر طاقتك ومقدورك (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286]، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق: 7].
اعمل لدينك ولو بشق تمرة؛ آية تحفظها وخيرٌ تُعلّمه، سنّةٌ تُحييها، وبدعةٌ تُميتها، ريال تنفقه وحاجة تسدُّها، منكرٌ تنكره، ومعروفٌ تأمرُ به، أسرةٌ تربيها وبيتٌ تصلحه، وابدأ بمن تعول، لا يُقْعِدُك تخاذل أو تواكل؛ "اعْمَلوا فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".
ولينطَلِقْ كُلُّ فَردٍ حَسْبَ طَاقَتِهِ *** يَدعُو إلَى اللهِ إخفَاءً وَإعلاناً
ولْنَترُك الَّلومَ لا نَجعلْهُ عُدَّتَنَا *** وَلْنَجعَل الفِعلَ بَعدَ اليَوم مِيزَاناً
المتفائل يسقط من أجل أن ينهض، ويُهزَم من أجل أن ينتصر، وينام من أجل أن يستيقظ، ومن جدَّ وجَد، ومن قام ليس كمن رقد.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
هذا العيد يبعث في النفس الأمل، ولا يرى الجمالَ إلا الجميلُ، والكون ليس محدودًا بما تراه عيناك، ولكن ما يراه قلبُك وفكرُك وعملك.. قسَمات وجه المرء انعكاسٌ لأفكاره، ومصائب الحياة تتماشى مع هِمَم الرجال، تشيبُ الرؤوس ولا تشيبُ الهِمَم.
نفسك وروحك أجملُ مخلوقٍ على وجه الأرض، والذين لا يُغيِّرون ما بأنفسهم لا يُغيِّرون ما حولَهم، ولهذا ترى الجميعَ يُفكِّر بتغيير العالَم، وقليلٌ منهم من يُفكِّر بتغيير نفسه، وفي الكتابِ العزيز: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
لا يُجَمِّلُ بيوتنا نومُ عن الصلاة، ولا لباسٌ فاضح للبنات، ولا يُحَسِّنُ أسواقنا غشٌ وخداع، وبيعٌ وشراءٌ بعد النداء، ولا يُبْهجُ جلسات الكافيهات والمطاعم والحدائق صوتُ الغناء، أو تزاحم الرجال والنساء ونزع الحجاب وكسر الحياء.
الجمالُ أن ترى القبيحَ من منكرِ الأقوالِ والأفعالِ فتُحوّلها إلى حسنةٍ وخير (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].
الدين النصيحة، كلمةٌ طيبةٌ، أو رسالةٌ لطيفةٌ، نصحَ عمرُ بن الخطابِ فتًى وهو يُحتضر فقال: "ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ".
متى قام الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ بين الرجال والنساء، والشباب والفتيات، وشاع التناصحُ في البيوتِ والعملِ والمتاجرِ والمتنزهاتِ؛ صلح المجتمع، وضمنّا العزةَ والتمكينَ، وحفظنا ديننا وارتفعت عنا الشدائدَ والعقوبات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لتأمُرنَّ بِالْمعْرُوفِ وَلتَنْهَوُن عن المنكَر، أَوْ لَيوشِكن الله أن يَبعَثَ عَليْكُم عِقَابًا مِن عِندِه، ثم لتَدْعُنَّه فَلَا يَسْتَجيبُ لَكُمْ"؛ قال جَرِيرٍ -رضي الله عنه-: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"(متفق عليه).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
جمالُ هذا اليوم بالمحافظة على الصلاة الوسطى صلاة العصر؛ فَإِنَّه "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"(أخرجه البخاري).
ووالله لا يتم إيمان عبدٍ بربه حتى يتم صلاته (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء: 103].
جمالُ العيدِ أن لا يُنسى فيه ورد القرآن، ولا ركعات في جنح الظلام، ولا يُتأخر عن تكبيرةِ الإحرام، كن كما كنت في رمضان، ثم أتبعه بصيام ست من شوال.
الجمالُ بالعيدِ أن تُجَمِّلَ وجه والديك بالبرِ والاحسان، ووجه زوجِك وولدِك بالبِشرِ والحنان.
العيدُ جمالُه بالتزاورِ وصلةِ الأرحام، جمالُه بتصافي القلوب والتسامح والتصافح؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ".
جمال العيد يبدو حين يجتمع شمل الأسر مع إيمانها وصلاحها ووصلها؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ)[الطور: 21].
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه؛ إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله أحاط بكل شيءٍ علماً، وجعل لكل شيءٍ قدراً، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابِه ومن اهتدى بهديهِ إلى يوم الدِّينِ.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ما أجمل النساء الناصعات وهن يخرجن للعيد متلفعاتٌ بمروطهن، ما يَعرفهن أحد من الحشمة، ولا يُضايقهن سفيه من الحياء والعزلة.
كم هو شموخٌ وعزٌّ، وجمالٌ وفخرٌ حينما نرى نساءنا تزدحم بهن عتبات المساجد في رمضان، كم هو سعادة وإسعاد حينما نسمع عن حافظات للقرآن وأخريات علون في مراقي السُّنة!
لا تزالُ الفتاةُ جميلةً بهيةً، تعيش بعزٍّ وشموخٍ مع أسرةٍ محشومةٍ، وبيت مستورة، وكرامة مصونة، ما لم تُصْغِ إلى إعلام خادع، واسناب فاتن، وانفتاح مزيف.
جمال المرأة نابع من جمال أمها الصدِّيقةُ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: "كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي، وَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ؛ فَوَاللهِ مَا دَخَلْتُهُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي، حَيَاءً مِنْ عُمَرَ"، وكانت إذا غضبت لا تهجر من زوجها إلا اسمه.
طابت منابتُها فطاب صنيعُها *** إن الفعال إلى المنابت تُنسب
المرأةُ البهيةُ الحصيفةُ الرزينةُ مَن تدركُ عناءَ زوجِها، وكدِّه وعملِه من أجلِ أن يفرشَ لأسرتِه بساطَ العيشِ والعزةِ والكرامةِ، فتنطقُ في الغضبِ كما نطقت الصِّدِّيقةُ، فلا تهجرَ إلا اسمَه، ولا تُعيّرهُ بما يروّجهُ الأسافل.
متى قدّرتِ المرأةُ تحمُّلَ زوجِها ديوناً من أجلِ مسكنٍ وافرٍ يكنُّها، وعيشٍ طيبٍ رغيدٍ؛ فإنها لا تخاصمَه إذا أمر، ولا تنازِعَه إذا قرَّر، تُدرك سرّ قولِ الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].
المرأةُ الوفيةُ مَن تمسحُ عناءَ شقاءِ الحياةِ من جبينِ زوجِها بلطيفِ قولِها وجميلِ منطقِها.
المرأةُ الوفيةُ الجميلة من تشكرُ نعمةَ ربِّها، ولا تمدّ عينَها إلى خارجِ أسوارِ بيتِها، وتقرُّ في بيتِها حفاظًا على جدرانِ مسكنِها أن يتصدعَ، ممتثلةً قول ربها (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الأحزاب: 33].
والبيتُ سكنُ واستقرارُ وعيشُ وهناء (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)[النحل: 80]؛ فالرجلُ يأوي للبيتِ ليسكنَ بعد الكدِ والعناءِ، والعجبُ أنّ من النساءِ مَن تخرجُ مِن السكنِ تبحثُ عن العناءِ والشقاء.
وفي المقابل فإن الرجل يؤمرُ بالتغافلِ والحلمِ والأناةِ عن أهلِ بيتهِ، ويُطالبُ بحسنِ المعشرِ والرفقِ والإنفاقِ، متكسباً غير متكلاً على غيره، أو عالةً على أهله (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228]، "وخَيْرُكُمْ خيركم لِأَهْلِهِ".
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا أيها الأبناء والبنات: إن أردتم السعادة والنجاح والفلاح فحافِظُوا على صلاتكم، والزموا أقدام آبائكم وأمهاتكم، فلن تجدوا أحنى عليكم ولا أنصح لكم ولا أرحم بكم من والديكم، الزموهم فثمَّ الجنة، طاعةً وخدمةً وبراً ورحمة. تفلحوا وتسعدوا وتدخلوا جنة ربكم.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
في صحيح البخاري، قال جابر -رضي الله عنه-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ"؛ وانصرفوا تقبَّل الله منا ومنكم، وجعل الله عيدكم سعيدًا وشملكم ملتمًّا، وكفاكم شر الأشرار، وشر طوارق الليل والنهار.
اللهم احفظنا وأزواجنا وذرياتنا من مضلات الفتن.
اللهم تقبل منا، اللهم آمنا في دورنا...
اللهم صلِّ وسلِّم
التعليقات