عناصر الخطبة
1/من أجل نعم الله علينا 2/نعمة الهداية 3/ارتباط شهر رمضان بنعمة الهداية والتوفيق 4/الثبات على الطاعة 5/سؤال الله الهداية 6/رسائل للمرأة المسلمة.اقتباس
لقد وُجدَ الإنسانُ في هذه الدنيا تائهاً يحتاجُ إلى من يدلُّه، جاهلاً يحتاجُ إلى من يعلمُه، ضعيفاً يحتاجُ إلى يعينُه ويأخذُ بيدِه. وكلُّ هذه الحاجاتِ تُوفَّى لمن يرزقُه اللهُ نعمةَ الهداية، حين يدلُّه اللهُ على طريقِ السعادةِ في الدنيا والآخرة، ويعلِّمُه كيفيةَ السيرِ عليه، ثم يُمِدُّه بالعونِ والتثبيتِ عليه حتى يلقاه...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ذي الفضلِ والإنعامِ، الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ، الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا العدة، وهدانا السبلَ، وأتمَّ لنا شهرَ رمضان، بفضلِ منه وإحسان. (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد: عباد الله: نعمُ اللهِ علينا لا تعد، ومننُه علينا لا تُحصى. لكنّ أعظمَ نعمةٍ يُتنعمُ بها إنسان، هي نعمةُ الهداية، فما أعظمَها وما أعلى شأنَها! وما أشقى الحياةَ بدونِها!
لقد وُجدَ الإنسانُ في هذه الدنيا تائهاً يحتاجُ إلى من يدلُّه، جاهلاً يحتاجُ إلى من يعلمُه، ضعيفاً يحتاجُ إلى يعينُه ويأخذُ بيدِه. وكلُّ هذه الحاجاتِ تُوفَّى لمن يرزقُه اللهُ نعمةَ الهداية، حين يدلُّه اللهُ على طريقِ السعادةِ في الدنيا والآخرة، ويعلِّمُه كيفيةَ السيرِ عليه، ثم يُمِدُّه بالعونِ والتثبيتِ عليه حتى يلقاه.
الهدايةُ باختصارٍ هي معرفةُ الحقِّ، ثم العملُ به، ثم الثباتُ عليه حتى الممات. من يسيرُ على هذه الخطواتِ الثلاثةِ هو المهتدي بإذن الله.
معاشر المسلمين: في رمضانَ تجلت نعمةُ الهدايةِ علينا جميعا، حين عرّفنا اللهُ طريقَ طاعتِه، ثم أعانَنَا ووفقنا للعملِ بما علمنا. فبفضلِ اللهِ صمنا، وبمعونتِه قُمنا، وبتوفيقِه تلونا القرآن، وأطعمنا الطعام، وجادت أيدينا بالمال. وكلُّ ذلك من نعمةِ اللهِ علينا بالهداية، نعمةٌ تستلزم منا أن نكبرَ الله على ما هدانا، ونشكرَه على ما أولانا (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
فالله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. اللهم لولا أنت ما اهتدينا، ولا صمنا ولا تصدقنا ولا صلينا، فلك الحمدُ كله ولك الشكرُ كله.
وإن من واجبِ شكرِ هذه النعمةِ العظيمة، أن نثبتَ على الهدايةِ بعد رمضان، وألّا نتنكبَ الطريق، ولا تنحرفَ بنا السبل، وألا نرجعَ إلى التيه في أوديةِ الدنيا الهالكة (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)[الأنعام: 71].
معاشر المسلمين: في الليلةِ الماضيةِ حُلَّت قيودُ الشياطين، وعادت المردةُ من جديدٍ إلى ساحةِ المعركة، ليُكملوا مسيرةَ الإغواء، ويرابطوا على أبوابِ الصراطِ المستقيمِ، ليخرجوا منه عباداً كانوا على دربِ الطاعةِ سائرين، وعن سبلِ المعاصي معرضين.
ستسمعون نداءَهم للمعاصي فأغلقوا عنهم آذانَكم، سترون تزيينَهم للمنكراتِ فغُضُّوا عنها أبصارَكم، ستشعرون بوسوستِهم وتثبيطِهم، فاستعيذوا باللهِ منهم ولا تمكِّنوهم من قلوبِكم.
اثبُتُوا على الطاعات وأكثروا منها فهي من أعظمِ من المثبتات (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)[النساء: 66- 68].
اعتصموا بالقرآنِ الذي كنتم تختمونَه، ولا يكن آخر العهد به يوم أمس، فالقرآن هو الحبل، وهو المنجى والمعتصم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا)[آل عمران: 103].
حافظوا على الصلواتِ المفروضة، فإنها عمادُ الدين وأساسُ الصلاح، التي كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن صلَحت صلح سائرُ عملِه، وإن فسدت فسدَ سائرُ عمَلِه". وحافظوا أيضًا على النوافلِ خصوصًا قيام الليل الذي اعتدنا عليه في رمضان، فهو "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ" كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
لِيَكُنْ لكم وردٌ ثابتٌ من الصيامِ لا تتركونه أبدا، كما كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "أَوْصَانِي حَبِيبِي -صلى الله عليه وسلم- بِثَلَاثَةٍ لَا أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَبَدًا: أَوْصَانِي بِصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِالْوَتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَبِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ".
ولتكن البداية بصيامِ ستة من شوال التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ".
وقبلَ ذلك وأثناءَه وبعدَه داوموا على سؤالِ الله الهداية، فقد وعد اللهُ من سألها أن يعطيَه إياها، كما قال -سبحانه- في الحديث القدسي: "يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ". فما بينكم وبين الهدايةِ إلا أن تسألوها اللهَ بقلبٍ صادق. وقد يسر اللهُ لكم هذا الدعاءَ، وفرضه عليكم في كلِّ صلاة، في سورةِ الفاتحةِ حين نقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة: 6]، فأحضروا لهذه الدعوةِ قلوبَكم، والله قريب مجيب، يصدقُ الوعد، ويفي بالعهد (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّه)[التوبة: 111]؟!
اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر النساء
من سيداتِنا وسيداتِكن آسيةُ بنت مزاحمٍ امرأةُ فرعون، تلك المرأةُ الصالحةُ التي عاشت في أفسدِ بيئةٍ يمكن أن يعيشَ فيها إنسان، عاشت في كَنَفِ فرعونَ أعتى أهلِ الأرضِ وأطغاهُم، ومن أجمعِهم للملكِ والمالِ والمتاع. ولكن مع ذلك فإن آسيةَ لم تغرَّها زينةُ الدنيا، ولم تخدعَها أُبَّهَةُ الملك، ولم تُخِفْهَا تهديداتُ الطاغية، فاختارت اللهَ على فرعون، وقدَّمت قصورُ الجنانِ على حطامِ الفراعنة، وآثرتِ الآخرةَ الباقيةَ على الدنيا الفانية، فكانت نعمَ المثلُ ونعمَ القدوةُ الصالحةُ لأهلِ الإيمان (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[التحريم: 11].
قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أفضلُ نساءِ أهلِ الجنةِ خديجةُ بنتُ خويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ، ومريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ بنتُ مُزاحمٍ امرأةُ فرعونَ"، وقال: "حسبُكَ مِن نساءِ العالَمينَ مَريمُ بِنتُ عِمرانَ ، وخَديجةُ بِنتُ خوَيْلدٍ ، وفاطمةُ بِنتُ محمَّدٍ ، وآسيةُ امرأةُ فِرعَونَ".
معاشر النساء: قد علم العدوُّ والصديق، أن صلاحَ المرأةِ هو صلاحُ الأمة، وفسادُها هو فسادُ الأمة، فالجيلُ إنما يُصنعُ على عينِها، ويخرجُ من يديْها.
لا يخفى على أحدٍ أن زمانَنا قد تكاثرتْ فيه الفتنُ، وهجمتْ فيه المغرياتُ من كل حدَبٍ وصوبٍ، وكَبُرَ فيه المكرُ خصوصا عليكنَّ يا معشر النساء.
لكنْ تذكرنَ أن اللهَ أكبرُ من كلِّ مكر، وأعظمُ من كلِّ كيد. فمن اعتصمتْ منكنَّ بالله، وسلكتْ سبلَ الهدايةِ، فواللهِ ثم واللهِ لن تهزّها عواصفُ الفتن، ولن تحركَها رياحُ الشهواتِ والشبهاتِ قيدَ شعرة، ولَكُنَّ في آسيةِ امرأةِ فرعونَ أعظمُ أسوة.
اهتدين بالقرآن، واتَّصلْنَ بالله، وتَزَيَّنَّ بالتقوى، وتَمسَّكْنَ بالحجابِ والسترِ، وكُنَّ داعياتٍ إلى الخيرِ والفضيلة.
زكّى اللهُ قلوبَكن، ونوَّرَ بالهدى طريقَكن، وجعل القرآنَ والسنةَ زادَكن، وأجرى الخيرَ والصلاحَ على أيديكن.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
التعليقات