عناصر الخطبة
1/أهمية رسوخ العقيدة في القلب 2/أعظم مكائد الشيطان 3/الثبات على الإسلام والوفاة عليه 4/إمام في التوحيد 5/سنن وآداب يوم العيد وذبح الأضاحي.اقتباس
إن رُسوخَ العقيدةِ في القلبِ، أعظمُ قواعدِ الدينِ، وأرسى أساساتِه، وأمتنِ مبانِيه، ومتى ما اهتزت قواعدُ العقيدةِ في القلب، تهاوى كُلُّ بِناءٍ من الأعمالِ مُشَيَّد.. وأعظمُ كيدٍ يكيده الشيطانُ للإنسان، كيدٌ يُزِيْحُهُ به عن تحقيق العبوديةِ لله رب العالمين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، إلهِ الأولين والآخرين، ومالكِ الدنيا ويومِ الدين، أحاط بكل شيءٍ علماً، وأحصى كل شيءٍ عدداً، (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يونس:61].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى الله عما يشركون (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر:67].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين، وأنيبوا إلى ربكم (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:21].
أيها المسلمون:
يَهْوَى الكريمُ مِنَ الأمورِ شريفَها *** والشَّهمُ يأبى أن يعيشَ مُحَقَّرا
أكرمُ الأشياءِ خالِصها، وأنفَسُ المشارِبِ صافيها، وعلى قدر صفو الماء يطيبُ المَوْرِدُ، وحياضُ التوحيدِ أطيَبُ مَنْهَلٍ، والواردون على الحياض عطاشُ.
ومَنْ ارْتَوى مِنْ حَوْضِ سُنَّةِ أحمدٍ *** عاشَ النعيمَ وأدركَ المأمولا
من ابتغى مَشْرَباً عذباً ومورِداً زلالاً، فليستمسك بما أنزله الله على رسولِه -صلى الله عليه وسلم- فإن من استمسك بهدي الرسولِ هُدِي (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى:52].
صراطُ الله المستقيم، دينه القويم، عقيدةٌ خالصةٌ، وعبوديةٌ حقة، يستمسك بها المسلمُ وعليها يستقيم. عقيدةُ المسلمِ، ما عَقَدَ عليه قَلْبُه من الإقرارِ والاستسلامِ لله بالتوحيد، والانقيادِ له بالطاعة، والبراءةِ من الكفر وأهله.
عقيدةٌ خالصةٌ، هي حق الله على العبيد، عن معاذ بن جبلٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟"، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، قَالَ: "أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟" فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ"(متفق عليه).
وأشرفُ الناسِ ما بين الورى رجلٌ *** لم يَحْنِ جَبْهَتَهُ إلا لخلاَّقِ
إن رُسوخَ العقيدةِ في القلبِ، أعظمُ قواعدِ الدينِ، وأرسى أساساتِه، وأمتنِ مبانِيه، ومتى ما اهتزت قواعدُ العقيدةِ في القلب، تهاوى كُلُّ بِناءٍ من الأعمالِ مُشَيَّد (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر:64].
وأعظمُ كيدٍ يكيده الشيطانُ للإنسان، كيدٌ يُزِيْحُهُ به عن تحقيق العبوديةِ لله رب العالمين: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف:16-17].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
أيها المسلمون: ولا يزال المؤمنُ يتوسلُ إلى الله في كل أحوالِه، يسألُه الثباتَ على الإسلامِ والوفاةَ عليه, فما أمِنَ عبدٌ من الزيغِ، إلا استشرفته المهالك. نَبِيُّ اللهِ إبراهيمُ -عليه السلام-، أسوةُ الموحدين، وخليلُ رب العالمين، حَطَّم الأصنامَ فتىً (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)[الأنبياء:59-60].
وحَاجَّ المشركينَ كهلاً وشيخاً؛ (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)[الأنعام:80].
وتبرأ من أقرب الناس إليه حين كفر بالله (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إيَّاهُ فَلَمَا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّه عَدُوٌ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إنَّ إبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ)[النحل:114].
إمامٌ في التوحيد يقتدي به النبيون (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النحل:123]، هذا النبي الكريم يتوسلُ إلى الله في آخر حياتِه يسأله الثباتَ على التوحيد (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)[إبراهيم:35-36].
قال إبراهيم التيمي -رحمه الله-: "ومن يأمنُ البلاءَ بعدَ إبراهيم؟، من يأمن البلاءَ بعد إبراهيم؟!".
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
أيها المسلمون: يومُ العيدِ، يومُ إظهارٍ لشعائرِ التوحيد، تكبيرٌ، وتهليلٌ، وصلاةٌ، وتلبيةٌ، ونحرُ هديٍ وذبحُ أضحية. وفي يومِ العيدِ يجدر الحديث عن التوحيد. فما وَحَّدَ الله حقاً، من أنزلَ فاقتَه بمخلوق، ما وحد الله من صرفَ شيئاً من العبادةِ لغير الله. ما وحد الله، من أعرضَ عن تحكيم شريعةِ الله.
توحيدُ الله، صِدْقُ اعتماد القلبِ على الله في طلب المنافعِ ودفعِ المضار، وصِدْقُ التوكل على الله في كل الأحوال، وإخلاصُ العبادةِ لله وحده لا شريك له. تلك منازل العبوديةِ تتجلى في قول ربنا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:5]؛ فاحموا حمى العقيدةِ لا ينتهك، وصونوا جناب التوحيد لا يُسْتَباح، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:161-162].
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم النحر ، فقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"(رواه البخاري).
ذَبْحُ الأضَاحِي لا يكون إلا بعد صلاة العيد، فمن ذبح قبل الصلاة فذبيحته ذبيحة لحم ليست ذبيحةَ نسك، وآخر يوم لذبح الأضحية هو غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق وهو اليومُ الثالثُ عشر، ويجوز ذبح الأضحية ليلاً ونهاراً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضلَ مما يليه لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
عباد الله: إن ذَبْحَ الأضاحي من القرباتِ التي لا تُصرفُ إلا لله. فأخلصوا لله في ضحاياكم، لا يفاخروا بها ولا تُراؤوا. واعلموا أنما شُرِعَت لتحقيق التوحيد وبلوغِ التقوى، (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الحج:37].
كُلُوا من ضحاياكم وتصدقوا وأهدوا، سنةَ نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: (فكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)[الحج:36]، ثم اعلموا أنه قد صح عن رسولكم -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ"(رواه مسلم).
معاشر المسلمين:
لئن تباعدتِ الأجسادُ خوفاً من الوباء *** فما لقلوبٍ طال للخِلِّ هجرُها
ولئن أمسَكَت الأكُفُّ عن المصافحة طلباً للسلامة، فلتتصافحِ القلوبِ بِوِدادِها، ولتتعانقِ الأرواحُ بصفائها، ولتتصالحِ النفوسُ، فما عاد في الدنيا ما يستحقُ أن تُقَطَّعُ لأجلِه الأرحامُ، ويُهجرُ الأقران.
عن أَبي أيوبَ الأنصاري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ: يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ"(متفق عَلَيْهِ).
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وجُدْ علينا بعفوك إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار..
التعليقات