عناصر الخطبة
1/الثناء على الله بما هو أهله 2/فضل يوم النحر وأثره على عشر ذي الحجة 3/وقفات ولمحات مع يوم الحج الأكبر 3/نصائح وتوجيهات للمؤمنات الطاهراتاقتباس
هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ وَفَرَحِكُمْ، وَمَوْسِمُ حَجِّكُمْ وَنَحْرِكُمْ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَبَاحَ لَكُمْ نِعَمَهُ وَفَضَائِلَهُ، شَرَعَ لَكُمْ تَعْظِيمَهُ وَذِكْرَهُ وَثَنَاءَهُ. إِنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ الْعَظِيمُ الْأَغَرُّ، يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الشَّرِيفَةِ، كَيْفَ لَا وَمَا اكْتَسَبَتِ الْعَشْرُ فَضْلَهَا إِلَّا مِنْهُ وَعَرَفَةَ، وَلَا حَازَتْ قَدْرَهَا إِلَّا بِهِمَا؛ فَيَوْمُ عِيدِكُمْ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَوَّعَ لِعِبَادِهِ مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ، وَدَلَّهُمْ لِمَوَاطِنِ الْبَرَكَاتِ، وَحَثَّهُمْ لِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ وَاغْتِنَامِ الْقُرُبَاتِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهَا جَزِيلَ الثَّوَابِ وَجَمِيلَ الْأُعْطِيَاتِ، فَنَصَبَ لَهَا أُولُو الْأَلْبَابِ، مُسَارِعِينَ قَبْلَ الْفَوَاتِ، وَنَأَى عَنْهَا الْغَافِلُونَ وَانْشَغَلُوا بِالْمَلَذَّاتِ.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّاتِ، أَرْغَبِ الْعِبَادِ صَلَاةً وَصِيَامًا وَأَكْثَرِهِمْ قُرُبَاتٍ، وَأَفْضَلِ مَنْ بِالْبَيْتِ طَافَ وَسَعَى وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ، وَبِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى رَفَعَ هُنَالِكَ الدَّعَوَاتِ، وَعَلَى صَحَابَتِهِ نَمَاذِجِ الْوَفَاءِ وَرُمُوزِ التَّضْحِيَاتِ، وَالتَّابِعِينَ أُولِي الْمَكْرُمَاتِ وَأَهْلِ الْفُتُوحَاتِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْوُقُوفِ فِي الْعَرَصَاتِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ وَعَظِّمُوهُ وَسَبِّحُوا لَهُ وَكَبِّرُوهُ؛ فَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا اشْتَاقَ قَلْبٌ لِبَيْتِ اللَّهِ وَفَكَّرَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَاقَتْ نَفْسُ مُتَلَهِّفٍ لِبَيْتِهِ فَعَجَزَ عَنِ الْمَسِيرِ وَتَعَسَّرَ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا قَطَعَ الْحُجَّاجُ الْفَيَافِيَ وَالْقِفَارَ وَعَبَرُوا الْمُحِيطَاتِ وَالْبِحَارَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَرَجَّلَ حَاجٌّ أَوْ حَلَّقَ فِي السَّمَاءِ وَلِلْقَارَّاتِ عَبَرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَقَفَ مُصَلِّيًا وَلِلْكَعْبَةِ نَظَرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا سَعَى سَاعٍ وَرَحَلَ لِمِنًى وَبِعَرَفَةَ وَقَفَ يَدْعُو رَبَّهُ مُخْبِتًا أَشْعَثَ أَغْبَرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا سَالَ دَمْعٌ عَلَى خُدُودِ الْمُخْبِتِينَ وَتَحَدَّرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا لَهِجَتْ أَلْسُنُ الدَّاعِينَ رَاجِينَ الرَّحَمَاتِ وَيَخْشَوْنَ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا نَفَرَ الْمُحْرِمُونَ لِمُزْدَلِفَةَ مُلَبِّينَ وَدَاعِينَ اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا رُمِيَتِ الْجِمَارُ وَذُبِحَ الْهَدْيُ وَحَلَقَ كُلُّ مُحْرِمٍ وَتَحَلَّلَ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا كَبَّرَ الْمُحْرِمُونَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْحَادِي وَالثَّانِي وَالثَّالِثَ عَشَرَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُبْتَهِجُونَ: هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ وَفَرَحِكُمْ، وَمَوْسِمُ حَجِّكُمْ وَنَحْرِكُمْ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَبَاحَ لَكُمْ نِعَمَهُ وَفَضَائِلَهُ، شَرَعَ لَكُمْ تَعْظِيمَهُ وَذِكْرَهُ وَثَنَاءَهُ. إِنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ الْعَظِيمُ الْأَغَرُّ، يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الشَّرِيفَةِ، كَيْفَ لَا وَمَا اكْتَسَبَتِ الْعَشْرُ فَضْلَهَا إِلَّا مِنْهُ وَعَرَفَةَ، وَلَا حَازَتْ قَدْرَهَا إِلَّا بِهِمَا؛ فَيَوْمُ عِيدِكُمْ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدَّهْرِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مِثْلُ هَذَا الْيَوْمِ الْأَضْحَى الَّذِي شُرِعَ لَكُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً كِبَارًا وَصِغَارًا شُهُودُهُ وَالتَّعَرُّضُ لِبَرَكَاتِهِ وَنَفَحَاتِهِ، وَيَوْمٌ كَيَوْمِ النَّحْرِ حُقَّ لَنَا أَنْ نَقِفَ مَعَهُ وَقَفَاتٍ:
الْوَقْفَةُ الْأُولَى: تَذَكَّرْ يَا مَنْ لَبِسَ الْجَدِيدَ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ حَيْثُ مَدَّ فِي عُمْرِكَ لِتُدْرِكَ مَوَاسِمَ بَرَكَاتِهِ وَهِبَاتِهِ، وَتَشْمَلَكَ مَحَطَّاتُ هِبَاتِهِ وَأُعْطِيَّاتِهِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي حُرِمَهَا آخَرُونَ بِسَبَبِ حُرُوبِهِمْ وَأَمْرَاضِهِمْ وَسُجُونِهِمْ أَوْ فَارَقَتْ أَجْسَادَهُمْ أَرْوَاحُهُمْ وَأَصْبَحُوا رَهْنَ الْقُبُورِ؛ وَكُنْتَ أَنْتَ الْحَيَّ الْآمِنَ الْمُعَافَى؛ فَهَلْ أَدْرَكْتَ سِرَّ هَذَا الْفَضْلِ لِتَغْتَنِمَهُ؟ وَهَلْ عَرَفْتَ قِيمَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَتَشْكُرَهَا؟ مَا أَجْمَلَ أَنْ تَعِيَ قَوْلَ نَبِيِّكَ: "خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ".
لَقَدِ اخْتَارَكَ اللَّهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ لِتَكْسِبَ فَضِيلَةَ مَوَاسِمَ عَظِيمَةٍ كَانَ آخِرُهَا عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ؛ مَوْسِمٌ وَأَيُّ مَوْسِمٍ! نَادِرَةُ الْفَضْلِ، فَرِيدَةُ الْقَدْرِ؛ إِنَّهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ، تَعَدَّى فَضْلُهَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَتَجَاوَزَ قَدْرُهَا نَهَارَ رَمَضَانَ، أَوَمَا قَرَأْتَ أَوْ سَمِعْتَ قَوْلَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ..."؛ فَهَلْ تَزَوَّدْتَ فِيهَا لِأُخْرَاكَ؟!
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: أَدْرَكَ الْمُسْلِمُونَ عِيدَ الْأَضْحَى وَمَوْسِمَ الْحَجِّ، وَالْعَالَمُ أَجْمَعُ يَعِيشُ حَالَةً اسْتِثْنَائِيَّةً جَرَّاءَ الْقُيُودِ الَّتِي اتَّخَذَتْهَا سُلُطَاتُ الدُّوَلِ بِسَبَبِ جَائِحَةِ "كُورُونَا"، الْوَبَاءِ الَّذِي عَطَّلَ عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ، وَبَدَّدَ سَعَادَتَهُمْ وَأَفْسَدَ خُطَطَهُمْ، وَلَمْ يَكُنِ الدِّينُ بِمَنْأًى مِنْ تَبِعَاتِهِ؛ فَقَدْ تَوَقَّفَتْ شَعَائِرُ عِدَّةٌ، وَحُرِمْنَا فَضَائِلَ مُتَنَوِّعَةً، كَانَ مِنْهَا حَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَزِيَارَةُ الْبِقَاعِ الْمُقَدَّسَةِ؛ حَيْثُ حَالَتِ الِاحْتِرَازَاتُ الْوِقَائِيَّةُ لِاتِّقَاءِ الْوَبَاءِ دُونَ ذَلِكَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ مُصِيبَةٌ فِي الدِّينِ قَاصِمَةٌ؛ "فَاللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا...".
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: الصِّرَاعَاتُ الْكَبِيرَةُ وَالْحُرُوبُ الطَّاحِنَةُ الَّتِي تَعِيشُهَا كَثِيرٌ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكَادُ جُرْحٌ مِنْ نَزْفِهِ يَبْرَأُ حَتَّى يُنْكَأَ آخَرُ؛ دَفَعَ أَهْلُهَا فَاتُورَةً بَاهِظَةً مِنْ أَمْنِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ وَدِينِهِمْ وَقِيَمِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَهَذَا يُحَتِّمُ عَلَيْنَا عَوْدَةً إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- عَاجِلَةً، وَمُقَابَلَةَ نِعَمِهِ تَعْظِيمًا وَشُكْرًا عَلَى مَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ نِعَمٍ وَفَضْلٍ، وَأَلَّا نَأْمَنَ مَكْرَ اللَّهِ؛ (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النَّحْلِ: 112]، وَأَنْ نُدْرِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ قَرَابَةٌ وَلَا شَافِعٌ لَهُمْ إِنْ أَرَادَ عِقَابَهُمْ إِنْ هُمْ خَالَفُوا أَمْرَهُ وَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ.
كَمَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا -شَرْعًا وَأُخُوَّةً وَمُرُوءَةً- أَنْ نَعِيشَ مُصَابَ إِخْوَانِنَا وَنَسْعَى لِتَخْفِيفِهِ عَبْرَ الطُّرُقِ السَّلِيمَةِ الْآمِنَةِ؛ مُتَذَكِّرِينَ تَوْجِيهَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ..."؛ وَلِأَيِّ مُسْلِمٍ دُونَ النَّظَرِ لِلَوْنِهِ أَوْ لِجِنْسِيَّتِهِ أَوْ لِلُغَتِهِ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ دَوَامَ الْحَالِ مِنَ الْمُحَالِ، وَأَنَّ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانٌ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: نَعِيشُ زَمَانًا فِتَنُهُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، فِتَنٌ عَصِيبَةٌ لَا تَزَالُ بِالْعَبْدِ حَتَّى تَسْلَخَهُ مِنْ عَقِيدَتِهِ وَتَسُلَّهُ مَنْ قِيَمِهِ، وَاسْمَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُبَلِّغِ عَنْهُ كَيْفَ صَوَّرَ زَمَانَنَا هَذَا؛ "يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُومِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا"، وَقَالَ عَنْهُ: "الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ...".
عِبَادَ اللَّهِ: لِلَّهِ سُنَنٌ يُجْرِيهَا فِي خَلْقِهِ وَكَوْنِهِ؛ وَالسُّؤَالُ: مَا مَوْقِفُ الْعَبْدِ مِنْهَا! وَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ تُجَاهَ نَفْسِهِ لِصَدِّ هَذِهِ الْفِتَنِ وَحِمَايَةِ مَنْ يَعُولُ مِنْ سَيْلِهَا الْجَارِفِ؟ سَوَاءٌ فِتَنُ الشُّبَهَاتِ الَّتِي تَصْطَدِمُ بِالْمُسَلَّمَاتِ وَالْمُحْكَمَاتِ وَتُحَارِبُ جَمِيلَ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنَ الصِّفَاتِ، أَوْ فِتَنَ الشَّهَوَاتِ؛ كَفِتْنَةِ الْمَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَنَاصِبِ وَغَيْرِهَا وَالَّتِي تَشْغَلُ الْعَبْدَ عَنْ مَوْلَاهُ وَتُنْسِيهِ أُخْرَاهُ؛ فَتَرَى بَعْدَهَا مُسْلِمًا بِلَا دِينٍ، وَإِنْسَانًا بِلَا قِيَمٍ.
قُلْتُ هَذَا الْقَوْلَ وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.
الخطبة الثانية:
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ: النَّظَرُ فِي يُسْرِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَتِهِ وَلُطْفِ الْخَبِيرِ وَحِكْمَتِهِ؛ وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِيمَا شَرَعَ لِعِبَادِهِ مِنْ عِبَادَاتٍ تَتَنَاسَبُ مَعَ طَاقَتِهِمْ وَقُدُرَاتِهِمْ وَتَتَوَافَقُ مَعَ إِمْكَانِيَّاتِهِمْ وَظُرُوفِهِمْ؛ (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الْحَجِّ: 78]، كَيْفَ لَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِخَلْقِهِ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
فَاللَّهُ لَمَّا خَلَقَ الدُّنْيَا مَزَجَهَا بِالْبَلَاءِ وَقَدَّرَ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ صِفَاتِ الضَّعْفِ الْكَثِيرَةِ، وَلَمَّا شَرَعَ الشَّرَائِعَ رَاعَى فِيهِمْ تِلْكَ الصِّفَاتِ فَخَفَّفَ وَيَسَّرَ، فَالْحَجُّ مَثَلًا لَوْ كَانَ وَاجِبًا فِي كُلِّ عَامٍ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ ضَابِطِ الِاسْتِطَاعَةِ لَمَا تَمَكَّنَ الْأَغْلَبُ الْأَعَمُّ مِنْ أَدَائِهِ نَتِيجَةً لِلظُّرُوفِ الَّتِي قَدَّرَهَا -سُبْحَانَهُ- فِيهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ لَكِنْ تَجَلَّتْ حِكْمَتُهُ وَظَهَرَ تَيْسِيرُهُ بِأَنْ شَرَعَ الْحَجَّ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَلِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
بَلْ مِنْ جَمِيلِ فَضْلِهِ وَمَحَاسِنِ عَطِيَّتِهِ أَنْ شَرَعَ لِعِبَادِهِ بَدَائِلَ مِنَ الْعِبَادَاتِ مَا يُدْرِكُونَ بِهَا فَضْلَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُمَا.
الْوَقْفَةُ السَّادِسَةُ: فَضْلُ اللَّهِ الْوَاسِعُ وَخَزَائِنُهُ الْمَلْأَى؛ فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَ نِيَّتِهِ وَهِمَّتِهِ وَشَدَّةَ شَوْقِهِ وَلَهْفَتِهِ لِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَكِنْ قَعَدَتْ بِهِ ظُرُوفُهُ وَقَطَعَتْهُ أَعْذَارُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لَهُ أَجْرَهُ وَافِيًا بِنِيَّتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَقَوُّلًا عَلَى الْمُحْسِنِ الْكَرِيمِ، بَلْ كَمَا وَعَدَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ؛ (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[النِّسَاءِ: 100]، وَلِقَوْلِ نَبِيِّهِ الَّذِي أَوْحَى إِلَيْهِ: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا مَا سِرْتُمْ وَلَا نَزَلْتُمْ مَنْزِلًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ؛ حَبْسَهُمُ الْعُذْرُ".
الْوَقْفَةُ السَّادِسَةُ: إِلَيْكُنَّ أَيَّتُهَا الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ أُمَّهَاتٍ وَأَخَوَاتٍ وَبَنَاتٍ، فَفِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ لَهُنَّ قُدْوَاتٌ، وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُنَّ أُسْوَاتٌ، أُوصِيكُنَّ بِوَصِيَّةِ اللَّهِ لَهُنَّ فِي كِتَابِهِ؛ أَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاذْكُرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، وَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ فِيكُنَّ مَرْضَى الْقُلُوبِ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَتَنَكَّبْنَ الدُّرُوبَ وَتَتَعَرَّضْنَ لِلْخُطُوبِ، وَأَطِعْنَ الْأَزْوَاجَ وَأَحْسِنَّ تَرْبِيَةَ الْأَوْلَادِ، وَتَجَلْبَبْنَ بِالْحَيَاءِ وَالْعِفَّةِ وَتَسَتَّرْنَ بِالْإِيمَانِ وَالْخَشْيَةِ. وَتَذَكَّرْنَ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَاحْفَظْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَاحْفَظْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبِّ الْمَسَاكِينِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي رِضَاكَ.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَالْمِحَنَ وَالْحُرُوبَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
التعليقات