عناصر الخطبة
1/الحث على الاستمرار في الطاعات 2/ عبادات مشروعة في ختام رمضان 3/ أحوال الناس بعد رمضان.اهداف الخطبة
الحث على الاستمرار في الطاعات بعد رمضان .اقتباس
المستحق لزكاة الفطر هو المستحق لزكاة المال، فيدفعها إليه أو إلى وكيله في وقت الإخراج. فإن لم يجد من يريد دفعها إليه، ولا وجد وكيله في والوقت المحدد للإخراج؛ دفعها إلى غيره من المستحقين.
الحمد لله المتوحد بالعز والبقاء. الذي قضى بالفناء والزوال على أهل هذه الدار. ليدلنا بذلك على أن لكل نازل رحيلاً وانتقالاً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. أهل علينا شهر رمضان ليفيض فيه الإحسان على خلقه، ويغفر لهم الذنوب، ويضاعف له لهم الأعمال الصالحة. ثم حكم بانقضائه وانتقاله، فمن رابح فيه صار فيه شاهداً له عند الله بالخير، وشافعاً لديه في تخليصه من العذاب وتمكينه من نيل الثواب. ومن خاسر فيه قد ضيع أوقاته الشريفة ومواسمه العظيمة باللهو الغفلة والتفريط، فصارت حياته عليه وبالاً، وصار شهر رمضان شاهداً عليه عند الله بالتفريط والإضاعة، وخصماً له يقيم الحجة عليه عند أحكم الحاكمين بما ضيع من حقوقه وانتهك من حرمته. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على اغتنام الأوقات قبل الفوات. وأمر بالاستغفار من التقصير والهفوات. وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله. أيها المسلمون: هذا شهر رمضان قد قرب رحيله عنكم، فمن كان منكم محسناً فيه فليحمد الله على ذلك وليبشر بعظيم الثواب من الملك الوهاب. ومن كان مسيئاً فليتب إلى الله توبة نصوحاً. فإن الله يتوب على من تاب، وليحسن الختام فإن الأعمال بالخواتيم.. أيها المسلم يا من بنيت حياتك على الاستقامة في هذا الشهر المبارك، دم ذلك بقية حياتك، ولا تهدم ما بنيت بعودك إلى المعاصي فتكون (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً).
يا من اعتقه مولاه من النار، إياك أن تعود إليها بفعل المعاصي والأوزار. يا من اعتاد حضور المساجد وعمارة بيوت الله بالطاعة وأداء صلاة الجمعة والجماعة؛ واصل هذه الخطوة المباركة ولا تقلل صلتك بالمساجد فتشارك المنافقين الذين (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى) ولا تهجر المساجد وتنقطع عنها نهائياً ، فيختم الله على قلبك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- على أعواد منبره: "لينتهيَنَّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين" وراه الإمام مسلم.. يا من تعودت تلاوة القرآن في هذا الشهر داوم على تلاوته. ولا تقطع صلتك به، فإنه حبل الله المتين.
وهو روح من أمر الله وهدى ونور وشفاء لما في الصدور. هو شفيعك عند ربك وحجتك يوم القيامة فلا تعرض عنه بعد رمضان فإنه لا غنى لك عنه بحال من الأحوال.. يا من اعتدت قيام الليل استمر في هذه المسيرة الطيبة، فاجعل لك حظاً مستمراً من قيام الليل ولو كان قليلاً، ترفع فيه حوائجك إلى ربك، وتكون ممن قال الله تعالى فيهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) وتكون مع المستغفرين بالأسحار.. يا من اعتدت الصيام ي رمضان امض في هذه العادة الحميدة، فإن الصيام لا يزال مشروعاً في العام كله. وهناك أيام من السنة حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على صيامها، منها: صيام ستة أيام من شوال، قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم.
فصم هذه الست في أول شوال، أو في وسطه، أو في آخره، صمها متتابعة أو متفرقة في الشهر. ولا تتركها فتحرم هذا الثواب العظيم. ومنها: صيام ثلاثة أيام من كل شهر. ومنها: صوم يوم عرفة. ومنها: صيام يوم عاشوراء، ويوم قبله أو بعده. ومنها: صيام يوم الإثنين والخميس. ومنها صيام عشر ذي الحجة. ومنها: صيام شهر الله المحرم. كل هذه أيام يستحب صيامها. ومن أراد الزيادة فليصم يوماً ويفطر يوماًن كما أرشد إلى ذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-. يا من تعودت في هذا الشهر المبارك بذل الصدقات والإحسان واصل مسيرتك الخيرة في بقية السنة فتصدق (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) وتحرّ في صدقتك المحاويج المتعففين عن السؤال.
وهكذا أيها المسلمون: إن انقضى شهر رمضان، فإن عمل المؤمن لا ينقضي قبل الموت. قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وقال عيسى عليه الصلاة والسلام عن ربه عز وجل: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أيها المسلمون: لقد شرع الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك عبادات تزيدكم من الله قرباً، فشرع لكم صدقة الفطر وهي فريضة فرضها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد، وهي زكاة البدن. وطهرة للصائم من اللغو والإثم.
وهي إحسان إلى الفقراء. ويجب أن يخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجة وأولاد وسائر من ينفق عليهم. ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في البطن. لكن يخرجها عنه من باب الاستحباب. ويخرجها في البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه. وإن كان من يلزمه أن يفطر عنهم في بلد وهو في بلد آخر، فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه. ويجوز أن يفوضهم في إخراجها عنه وعنهم في بلدهم. ومن لزمت غيره فطرته فأخرجها عن نفسه فلا بأس. ووقت إخراجها يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد ويستمر إلى صلاة العيد. ويجوز تعجيلها قبل يوم العيد بيوم أو يومين. أي في اليوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين. وقبل ذلك لا يجوز. وتأخير إخراجها إلى صباح العيد قبل الصلاة أفضل. وإن أخر إخراجها عن صلاة العيد من غير عذر أثم، ويلزمه إخراجها ولو تأخرت عن يوم العيد ويكون بذلك قضاء.
فتبين بذلك أنه لا بد من إخراج صدقة الفطر في حق المستطيع. وأن وقت الإخراج ينقسم إلى وقت جواز، وهو ما قبل العيد بيوم أو يومين. ووقت فضيلة وهو ما بين غروب سمش ليلة العيد إلى صلاة العيد.ووقت إجزاء مع الإثم وهو ما بعد صلاة العيد إلى آخر اليوم. ووقت قضاء وهو ما بعد يوم العيد.
والمستحق لزكاة الفطر هو المستحق لزكاة المال، فيدفعها إليه أو إلى وكيله في وقت الإخراج. فإن لم يجد من يريد دفعها إليه، ولا وجد وكيله في والوقت المحدد للإخراج؛ دفعها إلى غيره من المستحقين. ولا يودعها عند آخر وهو غير وكيل للمستحق. كما يفعل بعض الجهال.
ومقدار صدقة الفطر عن الشخص الواحد: صاع من البر أو من الشعير أو من التمر أو من الزبيب أو من الأقط. ويخرج من هذه الأصناف ما كان معتاداً أكله في البلد. وكذلك يخرج من غيرها مما يغلب استعماله في البلد كالأرز والذرة والدخن وغيرها، فالعبرة بالطعام الذي يغلب استعماله في البلد فيخرج منه.
ولا يجزئ دفع القيمة بأن يخرج الدراهم عن زكاة الفطر، لأن ذلك يخالف ما أمر به –صلى الله عليه وسلم- ويخالف عمل الصحابة رضي الله عنهم، فلم يكن إخراج القيمة معروفاً في عصر النبي –النبي صلى الله عليه وسلم- ولا عصر صحابته، مع أن الدراهم كانت موجودة عندهم. وقد قال –صلى الله عليه وسلم- "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي". وقال –صلى الله عليه وسلم- "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي: مردود عليه. فإخراج القيمة بدل زكاة الفطر تغيير لما سنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وكفى بذلك إثماً مبيناً. فاحذروا ذلك ولا تلتفتوا لمن يفعله أو يفتي به. فكل يؤخذ من قوله ما وافق الدليل، ويترك منه ما خالفه لأنه يخطئ ويصيب.إلا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فإنه معصوم من الخطأ.
والله تعالى يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
أيها المسلمون: ومما شرعه الله لكم في ختام هذا الشهر التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس إلى ليلة العيد إلى صلاة العيد. وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلاناً لتعظيم الله وشكره. والنساء تكبر سراً لأنهن مأمورات بالتستر. قال تعالى:(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وشرع الله لكم في ختام الشهر صلاة العيد. وهي من تمام ذكر الله عز وجل. وإنما كان يوم الفطر من رمضان عيداً لجميع الأمة لأنه يعتق فيه أهل الكبائر من الصائمين من النار.
فيلحق فيه المذنبون بالأبرار. كما أن يوم النحر هو العيد الأكبر، لأن قبله يوم عرفة، وهو اليوم الذي لا يرى في يوم من أيام الدنيا أكثر عتقاء من النار منه. فمن أعتق من النار في اليومين فله يوم عيد. ومن فاته العتق في اليومين فله يومُ وعيدٍ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) الآية.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بين لأمته طريق النجاة. وحذر من طريق الغي والهلكات.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس اشكروا الله على استكمال شهر رمضان بالصيام والقيام. واسألوه القبول والعفو عن التقصير. وواصلوا بقية دهركم بالأعمال الصالحة فإن رب الشهور واحد و الجزاء على الأعمال واقع في جميعها، فلا تكونوا كالذين يمسكون عن المعاصي في رمضان، فإذا انسلخ عادوا إلى الإثم والعصيان. وأتبعوا رمضان بقبيح الأفعال وذميم الخصال. فيكونون كالذين بدلوا نعمة الله كفراً، ونكثوا ما عاهدوا الله عليه في رمضان من التوبة، وهدموا ما بنوا فيه من الأعمال الصالحة. وإن أناساً يحصل منهم بعد رمضان إسراف في الشهوات. وإقبال على استعمال الملاهي واستماع المغنين والمغنيات. فكأنهم بهذا يعلنون تضايقهم من رمضان وفرحهم بانقضائه حتى كأنه عدو وانتصروا عليه. وما هكذا ينبغي أن تكون حالة المسلم بعد فراغ العبادة. إن الشرع للمسلم بعد الفراغ من العبادة أن يستغفر الله.
فالاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس. فكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار. والله تعالى يقول:(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
إنه لا مانع من تناول الطيبات، وفعل المباحات، وإظهار الفرح والسرور بالعيد. بل ذلك مستحب مع المحافظة على فعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله. وعدم الإسراف والخيلاء. ومع الاستغفار والتوبة وسؤال الله أن يتقبل منا صالح الأعمال. فقد كان الصحابة مع جلالة ما يؤدون من صالح الأعمال يخافون أن ترد عليهم، كما ذكر الله عنهم بقوله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ). وأخبارهم في ذلك مشهورة.
إن كثيراً من الناس تضيع أوقاتهم بعد العيد بالسهرات والرقصات الشعبية واللهو واللعب، وربما تركوا أداء الصلوات في أوقاتها أو مع الجماعة. فكأنهم يريدون بذلك أن يمحوا أثر رمضان من نفوسهم إن كان له فيها أثر. ويجددوا عهدهم مع الشيطان الذي قل تعاملهم معه في شهر رمضان. إن أولئك حريون أن لا يقبل منهم رمضان. لأن من شروط صحة التوبة العزم على عدم العودة إلى الذنب بعدها. وهؤلاء تركوا الذنوب تركاً مؤقتاً ثم عادوا إليها. وهذا لا يعتبر توبة. لأنهم إنما تركوها لعارض. ثم عادوا إليها بعد زواله. فاتقوا الله عباد الله. إن أصدق الحديث كتاب الله.. إلخ.
التعليقات