عناصر الخطبة
1/ تنظيم الإسلام لكافة شئون المجتمع 2/ آداب المجالس 3/ حقوق الطريق 4/ عظم الأجر في كف الأذى 5/ صور من أذى الناس في الطريق 6/ تربية الأولاد أمانةاهداف الخطبة
اقتباس
من المجالات المهمة التي اعتنى بها الإسلام عناية فائقة: مجالس الناس ومنتدياتهم، وما يدور فيها من أحاديث؛ تجلى هذا الاهتمام بوضع آداب خاصة لها.. والمتأمل لمجالسنا وما يدور فيها من أحاديث يلحظ خللاً كبيرًا وتقصيرًا كثيرًا إذا قارنها بما سنّه هذا الدين من آداب ووجّه إليه من قيم.. حتى صارت بعض المجالس وبالاً على أهليها، وحسرة على مرتاديها، فما أحرنا أن نتنبه لذلك، وما أجدرنا بأن نجعل مجالسنا عامرة بالجد والحكمة ..
أما بعد:
أيها الإخوة: اتقوا الله وأطيعوه وعظّموا أمره ونهيه، واشكروه على نعمه، ألا إن من أعظم النعم وأجلها الهداية لهذا الدين.. (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17].
أيها الأحبة: إن شرائع الإسلام استوعبت شتى جوانب الحياة وشؤونها، وانتظمت كل ما يعرض للمرء من مهده إلى لحده.. إن الدين الذي يبني أمة ذات رسالة لتبقى قائدة رائدة صالحة لكل زمان ومكان.. إن دينًا هذا شأنه لا يدع مجالاً في السلوك العام أو السلوك الخاص إلا جاء فيه بأمر السداد.
ومن هنا فلا غرو أن تدخل توجيهات الإسلام وأحكامه الشرعية في تنظيم المجتمع في دقيقه وجليله.. في أفراده وجموعه وفي شأنه كله..
ولا تزال مدونات الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونة بالأحكام والحِكَم في فكر أصيل ونظر عميق في فهم الحياة وشئون الإنسان مع نماذج حية وسير فذة وتطبيقات جليلة طوال تاريخ الأمة المجيد..
أيها الإخوة: من المجالات المهمة التي اعتنى بها الإسلام عناية فائقة مجالس الناس ومنتدياتهم وما يدور فيها من أحاديث؛ تجلى هذا الاهتمام بوضع آداب خاصة لها.. والمتأمل لمجالسنا وما يدور فيها من أحاديث يلحظ خللاً كبيرًا وتقصيرًا كثيرًا إذا قارنها بما سنّه هذا الدين من آداب ووجّه إليه من قيم.. حتى صارت بعض المجالس وبالاً على أهليها، وحسرة على مرتاديها، فما أحرنا أن نتنبه لذلك، وما أجدرنا بأن نجعل مجالسنا عامرة بالجد والحكمة، حافلة بما يعود علينا بالفائدة والمتعة بعيدًا عما ينافي الأدب والمروءة.
ومجالس الناس -أيها الإخوة- إما أن تكون في الطرقات والمتنزهات العامة أو في البيوت والاستراحات والمخيمات الخاصة.. وسنركز في حديثنا هذا اليوم على القسم الأول.. في الحديث المتفق عليه، وهذا لفظ مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ.؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ».
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ». رواه الترمذي وقال الألباني: حسن لغيره.
أيها الإخوة: إن مصادر الشريعة الموثوقة قد فاضت بأمثال هذه النصوص المؤكدة لهذه الحقوق والمرشدة إلى هذه الآداب.. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أربعة عشر أدبًا للجلوس في الطرقات، أشارت إلى بعضها هذه الأحاديث وورد الباقي في غيرها. وهي: إفشاء السلام ورده، والإحسان في الكلام، وتشميت العاطس، إرشاد ابن السبيل، والعون على الحمولة، وإعانة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكفّ الأذى، وغض البصر، وهداية الحيران، والإكثار من ذكر الله تعالى..
أيها الأحبة: إن كف الأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي المؤمنين من قول أو عمل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ».
وحينما سأله أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه عندما قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ.. قَالَ: «اعْزِلْ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ». روى هذه الأحاديث مسلم..
ما أعظمه من أجر وأيسره من عمل لمن يزيل الأذى عن طرق المسلمين ومجالسهم.. ويفهم منه عظم ذنب من تعمد إيذاء المسلمين في طرقهم ومجالسهم، وجلب المستقذرات ونشر المخلفات في منتزهاتهم وأماكن استظلالهم.. فعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم». رواه الطبراني وحسنه الألباني.
وعن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ». رواه مسلم وغيره.
قال الخطابي: المراد باللاعنين الأمرين الجالبين للعن، الحاملين الناس عليه، والداعيين إليه، وذلك أن من فعلهما شتم ولعن، يعنى عادة الناس لعنه فلما صارا سببًا لذلك أضيف اللعن إليهما..
وفي هذا الزمان لم يقتصر الأذى على ذلك بل تنوع الأذى وكثرت صنوفه منها الإيذاء بالسيارات والدرجات النارية بالسرعة الجنونية والتفحيط والتغزيل وغيرها، حتى إنك لترى شبابًا من أبناء هذا الوطن ليس لهم همّ إلا ذلك، قد آذى الناس بالجية والروحة والحركات المهلكة له أو لمن معه، أو للناس، وكم من الشباب في ريعان الشباب أمسى طريحًا في مستشفيات النقاهة قد فقد كل أنواع الحياة ليس فيه إلا قلب ينبض ونفس يذرى ليس ميتًا فينسى، ولا حيا فيرجى فإنا لله وإنا إليه راجعون..
ومن أذية الناس كذلك في طرقاتهم: إخراج المياه من البيوت بكثرة، وكان بالإمكان توجيهها إلى أماكن الصرف المتوفرة.. من يفعل ذلك ينظف بيته ويؤذي الناس في طرقاتهم..
أيها الإخوة: أما إفشاء السلام ورده فخُلق عظيم يتخلق به أبناء الإسلام، وحق يحفظونه لإخوانهم.. يغرس المحبة، ويزرع الألفة، ويغسل الأحقاد، وفي الحديث أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ». رواه مسلم.
ومن أعظم الآداب: غض البصر عن عورات المسلمين من مستعملي الطريق سواء من الجالسين أو الماشين فيه، من يتناول المارة غمزًا بالأبصار، وطعنًا باللسان، همازٍ مشاءٍ بنميم.. إنه لا يحل لهؤلاء أن يجعلوا أماكن جلوسهم أو مواضع سيرهم مواضع تنطلق منها النظرات المحرمة الجائعة المتفحصة، وكأنما أوكلوا بعباد الله يتفحصونهم بأعين حداد.. وربما أتبعوا النظر القول المشين.. إن من يملأ عينه بمناها يفسق بعد عفة، وينحدر بعد كمال..
ولذلك كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الإرشاد لذكر الخروج من المنزل ليعلم الذاكر أنه في مكان يحتاج فيه للحماية الربانية.. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. يُقَالُ لَهُ: هُدِيتَ وكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ». رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ». رواه أبو داود وغيره وهو صحيح.
والجامع لهذه الآداب والحقوق تلك الكلمة الجامعة المانعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخل في ذلك ما شئت من مكارم الأخلاق والآداب والمروءات.. فهل نؤدي هذه الشعيرة العظيمة لننعم بخيرها.
أيها الأحبة إن المجالس وأماكن التنقل في الطرقات إن لم تراعَ فيها الآداب الإسلامية فهي مرتع خصيب للغيبة والنميمة والسخرية، والكذب والإفك المبين، والتعدي على حرمات الناس..
أسأل الله أن يفقنا لأحسن الأخلاق والآداب لا يوفق إلى أحسنها إلا هو سبحانه، وصلى الله وسلم...
الثانية:
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71] وتمثلوا بأخلاق الإسلام تفلحوا، علموها لأبنائكم، وربوهم عليها كونوا قدوة صالحة لهم.. يقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، قال الشيخ السعدي: وذلك بالقيام التام في تربيتهم في دينهم وأخلاقهم ودنياهم، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المعارج: 32] الأولاد أمانات عند الوالدين عليهم القيام بحفظ هذه الأمانات، وكفهم عن جميع الضار والمفاسد وتعليمهم العلوم النافعة، وأخذهم بالأخلاق الفاضلة.. بشّر الذين يربون أولادهم تربية صالحة بالخير والثواب والانتفاع، وحذّر الذين يهملون أولادهم بالضرر العاجل والآجل والضياع.. كم اغتبط الوالدان بصلاح أولادهم، وكم ندم المفرطون حين تعذر الإصلاح وحاق الفساد ذلك بما قدمت أيديهم وما الله يريد ظلمًا للعباد.. انتهى كلامه رحمه الله..
أسأل الله تعالى أن يعيننا على رعاية الأمانة وحسن التربية إنه جواد كريم وصلوا سلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله..
التعليقات