عناصر الخطبة
1/ترابط الجيران في الماضي 2/حال الجيران مع بعضهم في وقتنا الحالي 3/الوصية بالجار والتحذير من أذيته 4/إحسان النبي إلى جيرانه 5/الصبر على الجار السيء.اقتباس
فهذي تؤذي جيرانها بلسانها فقط, فما بالكم بحق من يؤذي جيرانه بلسانه وأفعاله؛ فيتعمد توقيف السيارة أمام جاره لمضايقته, ويضع القمامة أمام جاره, و غير ذلك من الأفعال المؤذية للجيران!, فهذا ليس من حسن الجوار...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
من الحقوق الواجب على المسلم بعد حق الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام-, ثم حق الوالدين وصلة الرحم؛ هو حق الجار.
لقد كان مجتمعنا قبل أن تفتح علينا الدنيا مثالاً يقتدى به في حسن الجوار, فكان كل جار يعرف أحوال جيرانه, ويشاركهم في همومهم وأفراحهم, وكان الجار يراقب أبناء جاره ويؤدبهم إذا أخطأوا وينصحهم, فكانوا مترابطين ومتكاتفين في التربية والنصيحة.
أما اليوم ومع وسائل الانفتاح فلا أحد يسأل عن أحد, ولا يتعارف الجيران على بعضهم, بل لا يصبر بعضهم على بعض, وقد يؤذي بعضهم بعضا, مع أن الجار له حق في الإسلام؛ ففي البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"؛ أي: يكون له شيئاً من الميراث, والإحسان إلى الجار من الإيمان؛ فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلي جاره"(متفق عليه).
وقد بلغ التقاطع بين الجيران أن بعضهم لا يزور بعضاً, ولا يهتم به حتى قيل: إن رجلاً سُرق أثاثه في النهار, وحمل السارق أثاثه في سيارة من أمام المنزل, ولم يسأل أحد من الجيران هذا الشخص عن سبب حمله أثاث جارهم, وكأنه شيء لا يعنيهم, وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم الاهتمام بالجار, وعلى القطيعة بينهم, لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.
واعلموا أن عرض الجار وماله أشد حرمة من غيره؛ فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده, أن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: "مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟", قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ, فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, فَقَالَ: "لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ", قَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟", قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ, قَالَ: "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ"(صححه الألباني).
بل إن أذى الجار فيه إثم عظيم؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"(رواه مسلم)؛ ومعنى بوائقه أي: شروره .
وكم من مسلم يقوم الليل ويصوم النهار ثم يضيع ذلك كله؛ بالأذى لجيرانه, عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله! إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها, غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها, قال: "هي في النار", وقال يا رسول الله! فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وصدقتها, ولا تؤذي جيرانها بلسانها, قال: "هي في الجنة", فهذي تؤذي جيرانها بلسانها فقط, فما بالكم بحق من يؤذي جيرانه بلسانه وأفعاله؛ فيتعمد توقيف السيارة أمام جاره لمضايقته, ويضع القمامة أمام جاره, و غير ذلك من الأفعال المؤذية للجيران!, فهذا ليس من حسن الجوار؛ بل الأدهى من ذلك أن ينظر الى أهل جيرانه وبناته لمعاكستهم, فإن هذا من الذنوب, وإثمها أعظم مع الجار, والواجب أن يصون عرض جيرانه؛ لأن هذا من حق الجوار.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من المحسنين للجار, القائمين بحق الجوار, إنه ولي ذلك والقادر عليه, أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على محمد, وعلى آله وصحبه وسلم.
إن حق الجوار عظيم في الإسلام, وقدوتنا في حسن الجوار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فقد كان يحسن إلى جيرانه بالإطعام والمعاملة الحسنة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من الأقوال والأفعال الحسنة, كما أنه يصبر -عليه الصلاة والسلام- على أذى جيرانه.
فالواجب على المسلم أن يقتدي بالنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- في حسن الجوار, وإن ابتلاه الله بجار سيئ فعليه بالصبر عليه, ومناصحته بالتي هي أحسن, وله أجر الصبر وحسن الجوار.
التعليقات