عناصر الخطبة
1/عظم حق الجار في الإسلام 2/تحريم إيذاء الجيران 3/ من صور إيذاء الجيران 4/خطورة تدهور العلاقات بين الجيران.اقتباس
إن المسلم ليتألم عندما يلاحظ في المجتمع تدهور العلاقات بين الجيران، فتجد جارًا يكيد بجاره، وآخر لا يتكلم مع جاره أيَّامًا طِوَالاً. وبعضهم لا يعرف أحوال جيرانه، فلا يُهَنِّيهم بمناسبة سعيدة، ولا يواسيهم في مناسبة حزينة. وأخطر من ذلك أن تجد جيراناً يعيشون سنيناً ثم إن سألت أحدهم عن أقرب الجيران منه لا يعرفه.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ : فإنَّ الله -تعالى- يقول في كتابه المجيد: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)[سورة النساء: 36]، والحبيب -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ"(رواه أحمد والحاكم والترمذي وصححه الألباني).
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ. وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ، وَالْمَرْكَبُ الضَّيِّقُ"(رواه ابن حبان، والحاكم، وخرجه الألباني في الصحيحة).
عباد الله: إن الجار المسلم التقي الصالح يشعر بجيرانه، فيرحم صغارهم، ويعلِّم جاهلهم، ويستشير عُقَلاءهم، ويذكِّر الناسي منهم، وينصح لهم في كل حال.
والجار المسلم يهنئ جيرانه في أفراحهم، ويواسيهم في أحزانهم، ويزورهم، ويعُودُ مَرضاهم، ويَكُفُّ أَذاه عنهم، ولا يحسُدُهم ولا يُؤذِيهم، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"(رواه مسلم)؛ أي: شروره وأذاه.
وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذية الجار فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ"، قَالُوا: وَمَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "جَارٌ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"(رواه البخاري).
وجعل -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أسباب دخول النار أَذِيَّة جِيرانِهِ، فقد قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَة! يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلانَة! يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي الْجَنَّةِ"(رواه أحمد والبزار، وصححه الألباني).
معاشر المسلمين: من ابتلي بجار يؤذيه فعليه بالصبر والتصبر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَاصْبِر"، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ: "اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ"، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. (رواه أبوداود وابن حبان، وحسنه الألباني).
أمَا والله -يا عباد الله- لو علم المرء منا ما جعل الله لمن أَحْسَنَ إلى جيرانه، لبادَرَ للإحْسانِ إليهم، ولو علم ما أَعَدَّهُ الله لمن آذي جاره، لحذِر أشد الحذرِ من وقوع الأذى على جاره بأي صورة كانت، عن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"(متفق عليه).
ألا فلنكن جيراناً متآلفين، متحابين، متزاورين، متعاونين، متسامحين، فتنزل علينا بركات ربنا ورحماتُه وخيراته..
أَقُولُ قولي هذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
روى أَبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ"، ومن صُوَر إيذاء الجار التي يجب تجنبها: حَسَدُه وتمني زوال نعمة أنْعَمَها الله عليه، ومنها السخرية والاستهزاء به واحتقاره أو بعض أهله وأولاده.
ومن صُوَر إيذائه: إشاعة أخباره وإفشاء أسراره، وأشَدُّ منها الكذبُ عليه أو الافتراء عليه وتنفير الناس منه، ومنها تتبّع عثراته، والفرح بزلاته ونشر نقائصه، ومنها مضايقته في المسكن أو موقف سيارته، أو إلقاء الأذى في طريقه، أو التطلّع إلى عوراته.
عباد الله: إن المسلم ليتألم عندما يلاحظ في المجتمع تدهور العلاقات بين الجيران، فتجد جارًا يكيد بجاره، وآخر لا يتكلم مع جاره أيَّامًا طِوَالاً. وبعضهم لا يعرف أحوال جيرانه، فلا يُهَنِّيهم بمناسبة سعيدة، ولا يواسيهم في مناسبة حزينة. وأخطر من ذلك أن تجد جيراناً يعيشون سنيناً ثم إن سألت أحدهم عن أقرب الجيران منه لا يعرفه.
عباد الله: لا بد أن يراعي كل منا حق جاره، وأن يتفقد أحواله، وأن يراعي ظروفه، ويعينه فيما احتاج.
ثم اعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[سورة الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشدين، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وَفِّق إمامنا وولي أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه لِمَا تُحِبُّ وترضى، خذ بنواصيهما للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه.
اللهم وفِّق جميعَ ولاة المسلمين لِمَا تحبه وترضاه، ووفقهم للعدل والإنصاف في رعاياهم.
اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم وسدد رميهم، واكبت أعداءهم، وعاف جريحهم، وانصرهم على القوم الباغين، يا قوي يا عزيز.
اللهم أعنا ولا تُعنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، واجعلنا من عبادك الموحدين المتوكلين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.
اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وكُنْ للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولوالد والدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
التعليقات