عناصر الخطبة
1/ معنى حسن الخلق 2/ مظاهر حسن الخلق 3/ منزلة المسلم ذي الخلُق الحسن 4/ حاجتنا للأخلاق الحسَنة 5/ التربية النبوية العاملة على إشاعة التآخي والمحبة بين المسلميناهداف الخطبة
اقتباس
ما أحوجنا -نحن المسلمين- إلى الاتصاف بالأخلاق الحميدة، والخلال الجليلة! ما أحوجنا إلى طُهر الألسنة! ما أحوجنا إلى طهارة القلوب! ما أحوجنا إلى البعد عن الغش والبذاء، وإزالة الحقد والبغضاء! فان المسلمين -متى تآلَفَتْ قلوبهم، وحسنت معاملتهم- كانوا كالبنيان يشد بعضه بعضا؛ "لا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونا عباد الله إخوانا؛ المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره؛ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ..
يا أيها المسلمون: صِفةٌ من صفات المؤمنين، يتحلَّى بها الأولياء الصادقون، بعث الله نبيه ليتممها، وأنزل الله في كتابه آيات تعظيم في قلوب العباد ومكانتها، مَن اتصف بها كمل إيمانه، وعظم يوم القيامة قدره وشأنه، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها عموم المسلمين، وخص بالحث عليها الدعاة إلى الدين، من أعظم صفات عباد الرحمن، وأكثر ما يدخل الناس الجنان، ولا يلقها إلا الصابر ذو الحظ العظيم.
يقول أسامة بن شريك -رضي الله عنه- كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذا جاءه ناس فقالوا : مَن أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحسنهم خلقاً".
حسن الخلق طيب الكلمة، ولين الجانب، وطلاقة الوجه، وقلة النفور، وسلامة القلوب من الأذى والشرور، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199].
أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمكارم الأخلاق، وليس في القران أية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
أيها الإخوة: حسن الخلق صفة من الصفات العظيمة، وعمل من محاسن الأعمال، مَن اتصف به فقد مَنَّ الله عليه، ورزقه بخير ما رزق الله العباد، جاء الصحابة إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ما خير ما أعطي الإنسان يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم-: "خلُقٌ حسَن".
وقال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34]، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: أمر الله المؤمنين بالصبر عد الجهل، والحلم عند الغضب، والعفو عند الإساءة؛ فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.
واِنِّي لَألْقَى المرءَ أعلمُ أنه *** عَدُوٌّ وفي أحشائه الضِّغْنُ كامنُ
فأمنَحُهُ بِشْرَاً فيرجِع قلبه *** سليماً وقد ماتَتْ لديهِ الضغائنُ
أيها المسلمون: حسن الخلق أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته، وأكد به على رسله ودعاته، يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: إن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أراد سفرا فقال: يا نبي الله، أوصني. قال: "اعبد الله ولا تشرك به شيئا"، قال: يا نبي الله، زدني. قال: "إذا سألت فأحسن". قال: يا نبي الله، زدني. قال: "استقم، وليحسن خلقك".
حسن الخلق، هو كف الأذى، وطلاقة الوجه، وبذل المعروف، قال محمد بن نصر -رحمة الله-: "حسن الخلق كظم الغيظ لله، وإظهار الطلاقة والبشر، والعفو عن الزالين، وكف الأذى عن كل مسلم".
يقول أنس -رضي الله عنه-: كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذ رداءه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنقه -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وضحك وأمر له بعطاء.
ليسَ الجمالُ بمنظَرٍ *** فاعْلَمْ وإنْ أُلْبِسْتَ برْدَا
إنَّ الجمالَ مآثرٌ *** ومناقبٌ أورثنَ حَمْدا
أيها الأحبة: حُسن الخلق احتمال ما يكون من الناس من زَلَّة، وأن لا يغضب ولا يحقد عند الخطأ، فاذا فُعل ذلك صفت القلوب، وقلت العداوة، وتسهلت الأمور؛ يقول الماوردي رحمه الله-: "إذا حسنت أخلاق المرء كثر مصافوه، وقل معادوه، فسهلت الأمور الصعاب، ولانت له القلوب الغضاب".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم لن تسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق"، حسن الخلق اللين للناس في الكلام، البذل في العطاء والإكرام، وكظم الغيظ عند الزلة والخصام.
حسن الخلق أن تتحمل ما يكون من الناس من الخطأ، فلا لسان يشتم، ولا يد تبطش، فإذا فعلت ذلك كنت من أكمل المؤمنين إيمانا، وأعظمهم منزلة وشأنا، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا، المؤمن، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون".
فالمؤمن سهل لين يألف الناس ويخالطهم، ويألفه الناس ويحبونه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ أو بمن تحرم عليه النار؟: على كل قريب هشٍّ سهل".
فتىً مثلُ صفوِ الماء أمَّا لقاؤه *** فَبِشْرٌ وأمَّا وعدُهُ فجميلُ
عيّي عن الفحشاء أمَّا لسانُهُ *** فَعَفٌّ وأمَّا طَرْفُهُ فَجَمِيلُ
أيها الإخوة: حسن الخلق نبذ الكِبْر، هذه الصفة الذميمة، وتلبس للتواضع، هذه الصفة الحميدة، فمن اتصف بحسن الخلق عظمت محبته، وقرب مجلسه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ يقول: "إنَّ أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقا، وان أبعضكم إلى وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون"، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا: الثرثارون والمتشدقون. فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون".
حسن الخلق، هو جِماعٌ للأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة، والصفات العظيمة الجليلة،
جمع بعضهم هذه الصفات فقال: حسن الخلق كثرة الحياء، وقلة الأذى، وكثرة الصلاح، وصدق اللسان، وقلة الكلام.
حسن الخلق كثرة العمل، وقلة الزلة، وقلة الفضول، حسن الخلق هو البر والصلة والوقار والصبر والشكر والرضا والحلم والرفق والعفة والشفقة، حسن الخلق عدم اللعن والسب والنميمة والغيبة، حسن الخلق عدم العجلة والحقد والبخل والحسد.
حسن الخلق هو الهشاشة والبشاشة، هو الحب في الله، والبغض في الله، والرضا في الله، والغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق؛ من أجل ذلك كان وزنه في الميزان ثقيلاً، وقدر صاحبه عند الله جليلاً، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسّن خلقه"، وقال: "إن المسلمَ لَيُدْرك درجة الصوام القوام بحسن خلقه وكرم ضريبته"، أي: إن المسلم ليدرك درجة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لايفتر بحسن خلقه، وكرم طبيعته ومعاملته.
نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وجعلنا من الهداة المهتدين، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
يا أيها المسلمون: ما أحوجنا -نحن المسلمين- إلى الاتصاف بالأخلاق الحميدة، والخلال الجليلة! ما أحوجنا إلى طُهر الألسنة! ما أحوجنا إلى طهارة القلوب! ما أحوجنا إلى البعد عن الغش والبذاء، وإزالة الحقد والبغضاء! فان المسلمين -متى تآلَفَتْ قلوبهم، وحسنت معاملتهم- كانوا كالبنيان يشد بعضه بعضا؛ "لا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونا عباد الله إخوانا؛ المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره؛ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل مسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه".
وان الناظر إلى السُّنة ليجدها كثيرا ما تحث على ما يقرب القلوب، ويحسن الأخلاق بين المسلمين: "لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان؛ فيصد هذا ويصد هذا. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
حثت السنة على البشاشة عند اللقاء: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، حثت السُّنة على إفشاء السلام والمصافحة: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا"،
حثت السُّنة على كل ما يبعد الحزن وسوء الظن عن المسلم: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخَر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه"،
حثت السنة على العطاء وتبادل المعروف بين المسلمين: "مَن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه"،
حثت السنة على التذلل للمسلمين وعدم احتقارهم وإزرائهم، أخرج الأمام مسلم -رحمه الله- أن أبا سفيان لما كان على الكفر أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر -رضي الله عنه- أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم! لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟! قالوا: لا. يغفر الله لك".
ولم يكن هذا وذاك -أيها الإخوة- كله إلا من اهتمام الإسلام بصفاء القلوب، وحسن المعاملة بين المسلمين...
التعليقات