عناصر الخطبة
1/ تأكيد الشرع على حرمة المسلم 2/ تحريم أذية المسلم في ماله أو عرضه أو دمه 3/ من صور إيذاء المسلمين 4/ الحث تفعيل مبدأ الأخوة ومراعاة حقوقها.اهداف الخطبة
اقتباس
جاءت الشريعةُ بالآداب والتوجيهات والأحكامِ والحدود التي تعظِّم الحرماتِ، وتحمِي جنابَ المسلم أن يُمَسّ بأدنى أذى، ولو كان لمشاعِره وأحاسيسِه، وقرَّر الإسلامُ الأخوّةَ مبدأً يستوجِب الإحسانَ وينفي الأذى مهما كانت صُورُه وأشكاله،.. وتزدادُ الجريمةُ إثمًا إن كانت الأذيّة للعلماء والدعاة والصالحين، وهذا ما يحدث كثيرًا بأيدي كُتّاب منحرفين، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: "مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا" (رواه ابن ماجه).
أيها الإخوة في الله: إن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة التي يعظمها الناس، فهل تعلمون ذلك؟ فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ" (رواه البيهقي).
وهذا مصداق ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم- للناس في موسم الحج في عرفة وهو في أعظم محفل يجتمع فيه الناس، أعلن فيه حقوق المسلم ومبدأ كرامته وتعظيم حرمته عند الله عز وجل وتحريم أذيته، حيثُ خَطَبَ في النَّاسَ قائلاً: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" (رواه مسلم).
أيها الإخوة في الله: إن للمؤمن حرمة سواء كان حيًّا أو ميتًا، فأما حرمته ميتًا فقد نهانا النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذكر مساوئ الموتى، لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، فقد روى مجاهد قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما فعل يزيد بن قيس لعنه الله؟ قالوا: قد مات، قالت: فأستغفر الله، فقالوا لها: ما لك لعنته ثم قلت أستغفر الله؟ قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم أفضوا إلى ما قدموا" (رواه ابن حبان).
كما نُهينا عن الجلوس على القبور أو المشي عليها، لما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يطأ الرجل على جمرة خير له من أن يطأ على قبر"، ونُهينا عن كسر عظم الميت لحرمته، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا" (رواه ابن ماجه).
أرأيتم إلى حرمة المؤمن ميتا وهو تحت التراب، فكيف إذا كان حيا يرزق، فإن حرمته تزداد، ولذلك نهينا عن غيبته وخيانته والكذب عليه وقتله وترويعه وأخذ ماله بالنصب والتحايل والغش والتدليس، وقد توعد الله عز وجل من آذى المؤمنين بغير جرم منه بقوله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب: 58].
فلحرمة المؤمن عند الله -عز وجل- نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ترويع المسلم ولو كان مزحًا، فعندما قام أحد الصحابة بأخذ عصا من أحد أصدقائه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ" (رواه الترمذي).
وجاء عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" (رواه أبو داود).
ومن هنا ندرك إثم المقالب التي تُعمل للناس في برامج الكاميرا الخفية.
ولحرمة المؤمن عند الله -عز وجل-، حرَّم الإسلام دم المسلم إلا بحق، فقال –صلى الله عليه وسلم-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ" (رواه ابن ماجه).
بل حتى في الحروب، أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بعدم قتل الشيخ الكبير والطفل والمرأة، لتقليل عدد القتلى، ولحرمة الدماء في الإسلام، بينما اليوم لا حرمة لدماء المسلمين حتى في بلاد المسلمين.
ولحرمة المؤمن عند الله -عز وجل-، حرّم أخذ ماله بالنصب والتحايل والغش والتدليس، ولذلك من أخذ حق مسلم بالحلف الكاذب فقد أوجب على نفسه النار، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" (رواه مسلم).
واليوم توجد العديد من المساهمات المتعثرة والتي تقدر بالمليارات لا تزال عالقة في دهاليز مظلمة ضاعت فيها حقوق آلاف الناس لم ترد له منذ عشرات السنين.
ولنعلم أن أذية المسلم في ماله أو عرضه أو دمه لا تكفره الصلاة ولا الصوم ولا الصدقة، بل لا يُغفَر للظالم حتى يَغفِر له المظلومُ، وهيهات أن يعفوَ المظلومُ يومَ تتطاير الصحُف وتعزّ الحسنات! قال –صلى الله عليه وسلم-: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ"؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ"، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم).
ولحرمة المؤمن عند الله -عز وجل-، حرمت الشريعة ما يؤدي إلى مضايقة المسلم حتى في مشاعره، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- مجسدًا أدب المجالس: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ" (رواه مسلم).
وفي رواية الترمذي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ".
ومن صور إيذاء الناس تخطي رقابهم يوم الجمعة، فقد جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ" (رواه الإمام أحمد).
أي آذيت الناس في تخطي رقابهم، وآنيت أي تأخرت في المجيء يوم الجمعة.
ولذلك شدد النبي –صلى الله عليه وسلم- في النهي عن إيذاء الناس وبين بأن من تخطى رقاب الناس تحول ثواب الجمعة إلى صلاة ظهر، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا" (رواه أبو داود).
أرأيتم إلى حرمة المؤمن عند الله عز وجل؟
وإن النصوص الشرعية سواء كانت قرآنية أو أحاديث نبوية، كلها تتضمّن المنعَ الأكيدَ مِن أذيّة المؤمن، والزجرَ الشديدَ من الإضرار بالمسلم بأيّ شكلٍ من الأشكال، القوليّة أو الفعليّة، الحسّيّة أو المعنويّة. فعظموا حرمات الله (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: "كل المسلم على المسلم حرام؛ ماله ودمه وعرضه"، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد جاءتِ الشريعةُ بالآداب والتوجيهات والأحكامِ والحدود التي تعظِّم الحرماتِ، وتحمِي جنابَ المسلم أن يُمَسّ بأدنى أذى، ولو كان لمشاعِره وأحاسيسِه، وقرَّر الإسلامُ الأخوّةَ مبدأً يستوجِب الإحسانَ وينفي الأذى مهما كانت صُورُه وأشكاله، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وقال النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: "لا تَحاسَدُوا ولا تناجشُوا ولا تباغَضوا، ولا يبِعْ بعضُكُمْ على بيعِ بعْض، وكُونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلمُ أخو المسْلم؛ لا يظلمهُ ولا يحقِره ولا يَخْذُلُه، التقوى هَا هُنا -وأشارَ بيدِه إلى صدرِهِ ثلاثا-، بِحسْبِ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقرَ أخاهُ المسلِم، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرَامٌ دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ" (رواه مسلم).
وقال –صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه" (متّفق عليه).
وتزدادُ الجريمةُ إثمًا إن كانت الأذيّة للعلماء والدعاة والصالحين، وهذا ما يحدث كثيرًا بأيدي كُتّاب منحرفين، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وفي الحديثِ القدسيّ: "يقول الله عزّ وجلّ: مَنْ عَادَ لي وليًّا فقدْ آذنتُهُ بالحرْب".
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة،
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.
التعليقات