عناصر الخطبة
1/ انتشار وباء التصوير 2/ عدم اقتناع الناس بحرمة الصور والتصوير 3/ تحريم التصوير وحرمة استعمال الصور 4/ مفاسد وجود الصور في البيوت.اهداف الخطبة
اقتباس
أصبحت الصور مما ابتُلينا بها في زماننا هذا، وقد دخلت في كل شيء، فألفها الناس، وصار إنكاره والتخلص منه، من الأمور الصعبة جداً.. وقد انهمك الناس في هذا المعصية، حتى أصبحت مهنة من المهن، ومورداً من الموارد عند بعض الناس، التي تُستغل لاكتساب المال، فهُيِّئت لها المحلات في الأسواق وكتبت عليها اللافتات، بالخطوط العريضة، فقل أن تجد شارعاً من الشوارع، إلا وفيه محلات للتصوير، بل ويكثر أن تجد الصور معروضة للبيع، كعرض السلع المباحة، وكل هذا...
الحمد لله:
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واجتنبوا ما نهاكم ربكم عنه.
عباد الله: سيكون حديثنا معكم في هذه الجمعة، بعد توفيق الله عز وجل عن قضية انتشرت في هذا الزمان وتساهل فيها الناس، حتى أصبحت أمراً عادياً، لكنها عند الله عز وجل، أمر إثمه شديد، إلا وهو التصوير، واستعمال الصور.
أصبحت الصور يا عباد الله، مما ابتُلينا بها في زماننا هذا، وقد دخلت في كل شيء، فألفها الناس، وصار إنكاره والتخلص منه، من الأمور الصعبة جداً.
وقد انهمك الناس في هذا المعصية، حتى أصبحت مهنة من المهن، ومورداً من الموارد عند بعض الناس، التي تُستغل لاكتساب المال، فهُيِّئت لها المحلات في الأسواق وكتبت عليها اللافتات، بالخطوط العريضة، فقل أن تجد شارعاً من الشوارع، إلا وفيه محلات للتصوير، بل ويكثر أن تجد الصور معروضة للبيع، كعرض السلع المباحة، وكل هذا محادة لله ولرسوله، وتجشم لكبيرة من كبائر الذنوب دون مبالاة ولا خوف من الله تعالى.
أيها المسلمون: لقد ترددت كثيراً في أن أتحدث في هذا الموضوع، ومنذ زمن، كلما أردت أن أتكلم في هذه القضية، صرفت النظر إلى غيرها؛ لأنني على علم، بأن الناس لا يتركون الصور بمجرد خطبة أقولها لهم، ولأن التخلص وتجنب هذا الأمر يحتاج إلى إرادة قوية، قل ما تجدها عند الناس، في زمان رقّ فيه وضعف إيمان أغلب عباد الله. ولأمر ثالث، وهو عدم اقتناع الناس بحرمة الصور والتصوير أصلاً.
لكن بعد هذا التردد، عزمت في تبيين الحق للناس في هذه المسألة، ولكي أبرئ ذمتي أمام الله عز وجل، سواء اقتنع الناس أم لم يقتنعوا، لأن الحق أحب إلى قلوبنا من اقتناع الناس، وبعد هذا (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42].
وها أنا، أسوق لكم نصوصاً صحيحة صريحة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تحريم التصوير، وحرمة استعمال الصور، والوعيد على ذلك بألوان من الوعيد.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذين يصنعون هذه الصور، يعذبون يوم القيامة، يقال لهم، أحيوا ما خلقتم" متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلون وجهه وقال: " يا عائشة، أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة، الذين يضاهون بخلق الله، قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو سادتين" متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصوّر في النار، يُجعل له لكل صورة صورها، نفس فيعذبه في جهنم، قال ابن عباس: فإن كنت لا بد فاعلاً، فاصنع الشجر وما لا روح فيه" متفق عليه.
وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صوّر صورة في الدنيا، كُلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخ" متفق عليه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة، المصورون" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" متفق عليه.
وعن أبي طلحة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" متفق عليه. وعن أبي الهياج حيان ابن حصين قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته". رواه مسلم.
أيها المسلمون: هذا بعض من النصوص الواردة في التحذير من التصوير، واستعمال الصور، وهي تدل على مسائل:
المسألة الأولى: أن تصوير ذوات الأرواح من الآدميين والبهائم والطيور وغيرها، حرام شديد التحريم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وذلك للوعيد عليه بالنار، وأنه من أعظم الظلم.
المسألة الثانية: أن المصوّر من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأنه يكلف يوم القيامة أن ينفخ الروح في كل صورة صورها، وهو لا يستطيع نفخ الروح؛ لأن الروح من أمر الله تعالى. ولكنه يكلف ذلك زيادة تعذيب له، وتوبيخ له، وأن هذه الصورة التي صورها في الدنيا، تحضر كلها يوم القيامة، ويجعل في كل صورة منها، نفس تعذبه في جهنم.
المسألة الثالثة: إن وجود الصور في البيوت، يمنع من دخول ملائكة الرحمة فيه، فتأملوا رحمكم الله، بيت من بيوت المسلمين، لا يدخله الملائكة، ولو لم تدخله الملائكة، فلمن يكون المأوى، فأي خسارة عظيمة لأهل هذا البيت، وهذا عقوبة لهم، باستعمال الصورة، وبإدخالها منازلهم.
المسألة الرابعة: تحريم تعليق الصور على الجدران، سواء علقت الصورة وحدها، أو كانت في ستارة، وبعض الناس يعلقون صور أنفسهم أو أولادهم، أو بعض أقاربهم، أو غيرهم ممن يعظمونهم في بيوتهم، أو في مكاتبهم، وهذا من أعظم الظلم، والمحادة لله ولرسوله، فقد سمعتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، امتنع من دخول البيت، وغضب غضباً شديداً، لما رأى الصور في الستر التي علقته عائشة رضي الله عنها.
وحجة أغلب الناس هداهم الله، بأنها صور تذكارية. وبعض الناس يزين جدران بيته بهذه المصورات، وكل ذلك مما نهى الله عنه ورسوله، بل ذلك أشد أنواع استعمال الصور؛ لأنه وسيلة إلى الشرك، وهو يشبه فعل النصارى في كنائسهم حيث يصورون في جدرانها التصاوير، وأول شرك حدث في الأرض، كان بسبب التصوير، وتعليق الصور، فقد روى البخاري وغيره، أنه كان في قوم نوح رجال صالحون، فماتوا في عام واحد، فحزن عليهم قومهم أشد الحزن، فجاءهم الشيطان، وقال لهم: صوروا صورهم، وانصبوها على مجالسهم، حتى إذا رأيتم صورهم تذكرونهم، وتنشطون على العبادة، ففعلوا ما أشار عليهم به، من نصب صور أولئك الصالحين.
واستمرت تلك الصور منصوبة، مدة من الزمان، حتى جاء جيل متأخر، فقال لهم الشيطان: إن آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها، وأشار عليهم بعبادتهم، فقبلوا مشورته وعبدوها من دون الله، فحدث الشرك بالله من ذلك الحين، فبعث الله نوحاً عليه السلام ينهاهم عن هذا الشرك، لكنهم استمروا على عبادة الصور (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح: 22- 23].
المسألة الخامسة: مما دلت عليه هذه الأحاديث: أن تصوير غير ذوات الأرواح، لا بأس به، فيجوز تصوير المباني والأشجار، والجبال والأنهار والبحار، وسائر المناظر، والآلات، سواء صُورت على أوراق أو على حيطان، أو غير ذلك. لما جاء في صحيح مسلم، عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها، فقال ابن عباس: ادن مني، فدنا منه، ثم قال ادن مني، فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبأك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصوّر في النار، يجعل له بكل صورة صورها، نفساً تعذبه في جهنم" وقال: إن كنت لابد فاعلاً، فاصنع الشجر وما لا نفس له.
المسألة السادسة: أنه يجوز استعمال ما فيه صورة، إذا كانت الصورة ممتهنة، تداس أو يُجلَس أو يُنَام عليها، كالصور التي في البسط والوسائد ونحوها؛ لأن عائشة رضي الله تعالى عنها هتكت الستر الذي فيه تماثيل، وجعلته وسائد. ويدخل في هذا الجواز، استعمال النقود التي فيها صور؛ لأنه مما عم به البلوى بين المسلمين، ولا يمكن التخلص منه، فلا إثم في هذه الحالة على المستعمل لهذه النقود.
عباد الله: من عموم النصوص السابقة وغيرها، ندرك تحريم التصوير، وحرمة استعمال الصور بجميع أشكاله، سواء كان تماثيل لها أجرام، أو رسوماً على أوراق، أو على خرق، أو حيطان، سواء رُسمت باليد، أو صُوّرت بآلة التصوير، كل ذلك محرم داخل في عموم الوعيد الشديد، والنهي الأكيد، فعلى المسلم أن يتجنبه ويحذر منه، ويخلي بيته ومكتبه منه، ويطمس ما يستطيع طمسه منها.
أيها المسلمون: ربما يسأل سائل فيقول: إذا كان التصوير بهذه المنزلة من التحريم والإثم، فما حكم التصوير لأجل جواز السفر وما شابه ذلك؟ مما يلزم النظام له التصوير، فالجواب: أن التصوير حرام بجميع أنواعه، ولأي غرض كان - لكن المسلم قد يكون معذوراً في ارتكاب بعض المنهيات، لسبب من الأسباب، والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، فإذا حيل بين المسلم وبين غرضه الصحيح، الذي يتضرر بتركه وألزمه النظام بالتصوير، من أجل تحصيل ذلك الغرض الذي لابد منه، فحينئذٍ لعله يكون المسلم معذوراً، بأن يصور نفسه، دفعاً لتلك الضرورة، مع كراهته لذلك في قلبه، وعدم استباحته.
فاتقوا الله عباد الله، وعظّموا أمره ونهيه، ولا تتعدوا حدوده، يقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
بارك الله لي ولكم في القرآن..
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أما بعد: عباد الله: وإن من أشد أنواع التصوير خطراً على الأخلاق وعلى الأعراض، تصوير النساء، لاسيما الفتيات الجميلات، وعرض صورهن على صفحات الجرائد والمجلات.
وهناك أمر أفحش من هذا، وقد وقع فيه كثير من المسلمين، من الذين ماتت غيرتهم، وتبلدت حواسهم، وذلك بتصوير العروسين ليلة الزفاف، فإن هذا العمل، مع كونه انتهاكًا لما حرم الله من التصوير، هو مع ذلك منافٍ للخلق والغيرة الإسلامية.
إن الحياء يا عباد الله من الإيمان، والحياء خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الحياء من الله، والحياء من الناس، من صميم دينكم، فاستحيوا أيها المؤمنون من الله، واستحيوا أيها المؤمنون من الناس، لا تضيعوا دينكم، أيها المؤمنون، بالتهور والتدهور والانحطاط، ما بالنا يا عباد الله، ننحدر إلى الهاوية في تقاليد الكفار، وأشباه الكفار، الذين لا دين لهم ولا خُلق، كيف ندع تقاليدنا المبنية على التستر والحياء، بوحي من شريعة الله ورسوله، إلى تقاليد جلبناها من غيرنا، وغيرنا تلقاها، من اليهود والنصارى.
لو سألنا أنفسنا من أين دخل علينا بدعة تصوير العروسين ليلة العرس، إنه من عادات الكفار يا عباد الله.
فكيف نرضى وقد سلم الله بلادنا من استعمار الأوطان، أن نستسلم لاستعمار الأفكار والعقول والأديان. كيف نرضى وقد منَّ الله علينا بالتقدم بهذا الدين، أن نرجع إلى الوراء، بتبرج الجاهلية الأولى، وأعمال الكافرين، كيف يليق بنا، وقد أعطانا الله شهامة الرجولة، وولاية العقل، أن ننتكس فننقاد لسيطرة النساء والسفهاء.
أيها المسلمون: إنكم إن سرتم وراء هذه التيارات بدون نظر، ولا رؤية، ولا تفكير في العواقب، فسوف تندمون، وستكون العاقبة وخيمة، وسيحل بالبلاد العقوبة ما يعم الصالح والفاسد (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
أيها المسلمون: احذروا هذه التقاليد المنحرفة، وهذه التيارات الجارفة الضالة، وقابلوها بقوة الإيمان وسيطرة العقل، لتندحر وتقبر في مهدها، وإلا فهي كشرارة النار في المواد المشتعلة، إن لقيت منكم قبولاً لها، واتجاهاً إليها. فأنتم ولله الحمد في بلاد، محافظة على دينها وعلى أخلاقها وعلى تقاليدها الطيبة، فاحذروا أن تمزق سياجكم تلك العادات التي جاء بها من زين له سوء عمله فرآه حسنًا.
إن أخذ صورة للزوج وزوجته عند أول لقاء، لا يزيد الزوجين إيماناً بالله، ولا مودة في القلب، ولا صحة في الجسم، وإذا فرض أن المسألة من باب التقاليد المحضة، أفليس من الأجدر بنا أن نعتز بتقاليدنا، ونحمي كياننا، ونربأ بأنفسنا، عن أن نكون تبعاً لغيرنا، هذا فضلاً عن كون هذه التقاليد، هدماً للأخلاق، ونقصاً في الإيمان.
إن أخذ الصور مع كونه سبباً للفتنة، وتداول صور النساء، فهو كذلك عرضة للعنة الله سبحانه والتعذيب بالنار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من التصوير، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين.
فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا إضافة إلى ما سبق، بأن علماء هذه البلاد الموثوقين في دينهم وأمانتهم، يفتون بحرمة التصوير.
فاتقوا الله أيها المسلمون، ليكن لكلام الله تعالى رهبة في قلوبنا، وليكن لأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وقارٌ في نفوسنا، وليكن لأقوال وفتاوى علمائنا، تقدير عندنا. والذي لا يردعه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يهتم ولا يحترم كلام العلماء. فهو والله على خطر عظيم؛ لأن القضية في حقه لا تكون مجرد صور، ولا مجرد معصية ارتكبها، لكن القضية بالنسبة له، أنه لا يأخذ بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا بقول العلماء.
فماذا يكون مرجع هذا الرجل. إن مرجعه في الغالب وعلى حسب ما شاهدنا أمثال هؤلاء، بأن مرجعه عقله، فالذي يستحسنه عقله عمل به، وما رفضه عقله رفضه، وهذا منهج خطير، يؤدي بصاحبه ولا شك، إلى نهاية سيئة، في الدنيا قبل الآخرة.
اللهم..
التعليقات