عناصر الخطبة
1/شدة عداوة الكافرين للإسلام 2/خطر المخدرات وضررها 3/أثر غياب العقل على الإنسان 4/من أدلة تحريم المخدرات 5/وصية للشباباقتباس
فَهَا هِيَ وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ تُطَالِعُنَا صَبَاحَ مَسَاءَ مُظْهِرَةً جُهُودَ رِجَالِ الأَمْنِ، عَارِضَةً كَمِّيَّاتٍ مُخِيفَةً وَعِصَابَاتٍ نَتْنِةً مِنْ جِنْسِيَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ, الأَمْرُ الَّذِي يَجْعَلُنَا فِي قَلَقٍ وَخَوْفٍ مِنْ تِلْكَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ؛ لأَنَّ ضَحَايَاهَا مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ شَبَابٌ فِي سِنِّ الزُّهُورِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مُنْذُ بَزَغَ نَجْمُ الإِسْلاَمِ وَأَعْدَاؤُهُ يُحَاوِلُونَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ، بِكُلِّ مَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ قُوَّةٍ؛ (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة: 32], وَعَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُوشِكُ الأمم أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ, كَمَا تَدَاعَى اَلْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا", فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ اَلسَّيْلِ, وَلَيَنْزِعَنَّ اَللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ اَلْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اَللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ اَلْوَهْنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! وَمَا اَلْوَهْنُ؟, قَالَ: "حُبُّ اَلدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ اَلْمَوْتِ"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فَمُخَطَّطَاتُ أَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ مِنْ أَشَدِّهَا فَتْكًا، وَمِنْ أَخْطَرِهَا وَأَشَدِّهَا ضَرَرًا وَخَطَرًا الْمُخَدِّرَاتُ بِأَنْوَاعِهَا وَأَشْكَالِهَا وَأَصْنَافِهَا، الَّتِي تُوَجَّهُ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي عُقُولِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ؛ لِتَجْعَلَ الْعَاقِلَ لاَ عَقْلَ لَهُ، وَالْمُفَكِّرَ لاَ فِكْرَ لَهُ، وَالْغَيُورَ عَلَى دِينِهِ وَخُلُقِهِ وَبَلَدِهِ لاَ غَيْرَةَ لَهُ؛ حَتَّى تَسْلُبَ مِنَ الْمُسْلِمِ كَرَامَتَهُ، وَرُجُولَتَهُ، وَشَرَفَهُ وَعِفَّتَهُ، وَقَبْلَ ذَلِكَ دِينَهُ.
وَالنَّاظِرُ بِعَيْنِ الْبَصَرِ وَالْبَصِيرَةِ لِمَنْ ابْتُلِيِ بِالْمُخَدِّراتِ: كَيْفَ يُضَحِّي بِأَغْلَى مَا يَمْلِكُ وَهُوَ عَقْلُهُ فَضْلاً عَنْ دِيِنِهِ؟! فَأثْمَنُ نِعْمَةٍ وَهَبَهَا اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ، وَمَيَّزَهُ وَزَيَّنَهُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ هُوَ الْعَقْلُ؛ وَلِذَا شَرَّفَ اللَّهُ الْعُقَلَاءَ بِالْعُبُودِيَّةِ والْأَمْرِ وَالنَّهْيِ, وَالتَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ وَالْآلَاءِ، فَفِي جُمْلةٍ مِنَ الحُقُوقِ ذَكَرَهَا اللهُ -تَعَالَى- فِي آخِرِ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ، وَبَدَأَهَا بِحَقِّهِ -تَعَالَى- عَلَى الْأَنَامِ، ثُمَّ خَتَمَهَا بِوَصِيَّتِهِ لِلْعُقَلَاءِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الأنعام: 151], فَالْعَقْلُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، ودُرَّةٌ ثَمِينَةٌ، إِنِ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا خُلِقَ لَهُ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْمَلُ عَلَى ضَيَاعِ عَقْلِهِ لِمُجَرَّدِ مُتْعَةٍ رَخِيصَةٍ، تُفْقِدُ الْمَرْءَ تَوازُنَهُ، وتُسْقِطُ كَرَامَتَهُ، إلَى جَانِبِ مَا يَخْسَرُهُ مِنْ نَقْصِ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَمَا يَجُّرُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نِقْمَةِ رَبِّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ!.
انْظُرُوا لِمَنْ سَرَتْ فِي دِمَائِهِمْ هَذِهِ الْمُخَدِّرَاتُ، وَأَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْهَا؛ يَجِدُ أَنَّهَا حَوَّلَتْهُمْ إِلَى جُثَثٍ هَامِدَةٍ، وَأَعْبَاءَ ثَقِيلَةً، بَلْ وَإِلَى مُجْرِمِينَ يُهَدِّدُونَ أَمْنَ الْمُجْتَمَعِ وَالأُمَّةِ, تَرَى أَحَدَهُمْ هَزِيلَ الْجِسْمِ, ثَائِرَ الشَّعْرِ, غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ، مُرْتَعِشَ الْيَدَيْنِ ,وَسِخَ الثِّيَابِ؛ وَظِيفَتُهُ قَدْ فَارَقَهَا، وَزَوْجَتُهُ طَلَّقَهَا, الأَبْنَاءُ شَرَّدَهُمْ، وَالْوَالِدَانِ عَذَّبَهُمْ، وَالْجِيرَانُ أَزْعَجَهُمْ، وَالأَطِبَّاءُ أَتْعَبَهُمْ، بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُخَدِّرَاتِ اللَّعِينَةِ, وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَذِيلَةُ الْمُخَدِّرَاتِ وَكُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَأَسْكَرَهُ فَهُوَ خَمْرٌ، جَاءَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرِيعَتِنَا؛ قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90], وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا, وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا, وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا, وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ"(صححه الألباني في صحيح أبي داود).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ آفَةٌ خَبِيثَةٌ، لَمْ تَفْشُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ كَمَا فَشَتْ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ؛ فَهَا هِيَ وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ تُطَالِعُنَا صَبَاحَ مَسَاءَ مُظْهِرَةً جُهُودَ رِجَالِ الأَمْنِ، عَارِضَةً كَمِّيَّاتٍ مُخِيفَةً وَعِصَابَاتٍ نَتْنِةً مِنْ جِنْسِيَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ, الأَمْرُ الَّذِي يَجْعَلُنَا فِي قَلَقٍ وَخَوْفٍ مِنْ تِلْكَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ؛ لأَنَّ ضَحَايَاهَا مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ شَبَابٌ فِي سِنِّ الزُّهُورِ, فَطُلاَّبُ الْمَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ وَالْجَامِعِيَّةِ هُمْ أَكْثَرُ الضَّحَايَا. كَمَا أَعْلَنَ ذَلِكَ الْمَسْئُولُونَ!.
فَهِيَ شَرٌّ بِأَنْوَاعِهَا، قَدِ اصْطَلَى بِنَارِهَا مَنْ عَاشَهَا؛ فَوَالِدٌ يَشْكِي، وَأُمٌّ تَبْكِي، وَزَوْجَةٌ حَيْرَى، وَأَوْلاَدٌ تَائِهُونَ فِي ضَيْعَةٍ كُبْرَى، وَمَنْ عُوفِيَ فَلْيَحْمَدِ الْمَوْلَى.
اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَهْوَاءِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاحْفَظْنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا وَبِلاَدَنَا وَبِلاَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ, وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ", فَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْخَمْرَةَ, فَقَدْ حَرَّمَ كُلَّ مَا يُلْحَقُ بِهَا، وَقَدْ يَكُونُ أَضَرَّ مِنْهَا مِنَ الْحُبُوبِ الْمُخَدِّرَةِ، وَمِنْ الْخَبَائِثِ الفَتَّاكَةِ الْمُفَتِّرَةِ.
وَفِي الْمُسْنَدِ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ, أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ"، والمُفَتِّرُ: مَا يُورِثُ الْفُتُورَ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْأَطْرَافِ.
فَاحْذَرُوا -أَيُّهَا الرِّجَالُ الْفُضِلَاءِ, وَأَيُّهَا الشَّبَابُ الْعُقَلَاءُ وَأَيُّهَا الطُّلاَّبُ النُّجَبَاءُ-, احْذَرُوا الْمُخَدِّرَاتِ وَالدُّخَانَ وَنَحْوَهُ مِنَ الْمُفَتِّرَاتِ؛ فَإِنَّهَا مُهْلِكَةٌ لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، عَابِثَةٌ بِكَرَامَةِ الرِّجَالِ، صَائِلَةٌ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ.
احْذَرُوا مِنْ شِبَاكِ الـمـُرَوِّجِيْنَ للمُخَدِّرَاتِ، وَحَذِّرُوا مِنْهُمْ وَبَلِّغُوا عَنْهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَصْطَادُونَ الأَبْرِيَاءَ عَبْرَ السَّيِّء مِنَ الرُّفَقَاءِ، فيُزيِّنُونَها لَهُمْ بِحُجَّةِ أَنَّهَا الشِّفَاءُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ وَدَاءٍ، وَتَقْصِيرٍ فِي الْأَدَاءِ، وَهِيَ الدَّاءُ وَبِئْسَ الدَّوَاءُ!.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم ؛كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
التعليقات