عناصر الخطبة
1/قبح الرجوع إلى المعاصي بعد رمضان 2/ مواسم الخير بعد رمضان 3/ علامات قبول الحسنة وردها 4/ فضل صيام ست من شوال.اهداف الخطبة
الحث على المداومة على الطاعة بعد رمضان .اقتباس
والآن انقضى شهر رمضان فلا ترجعوا بعده إلى المعاصي فإن رب الشهور واحد، ولا تهدموا ما بنيتم فيه من صالح الأعمال، فإن من علامة قبول الحسنة إتباعها بالحسنة، وإن الرجوع إلى المعاصي بعد التوبة منها أعظم جرماً وأشد إثماً مما كان قبل ذلك.
الحمد لله مصرف الشهور. ومقدر المقدور. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، وهو عليم بذات الصدور. جعل لكل أجل كتاباً. ولكل عمل حساباً. وجعل الدنيا مزرعة للآخرة، وسوقاً يتزود منه العباد.
فيا سعادة من أحسن اختيار الزاد. ويا شقاوة من ضيع نفسه ونسي يوم المعاد. أحمد ربي على نعمه الظاهرة والباطنة. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. كل حياته جهاد وعمل. فما زال يعبد ربه حتى حضره الأجل –صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه الذين كل دهرهم رمضان. فما كان دخوله يزيد من اجتهادهم. وما كان خروجه ينقص منه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
عباد الله: كنتم في شهر الخير والبركة تصومون نهاره وتقومون من ليله وتتقربون إلى ربكم بأنواع القربات طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه. ثم انتهت تلك الأيام، وقطعتم بها مرحلة من حياتكم لن تعود إليكم وإنما يبقى لكم ما أودعتموه فيها من خير أو شر. وهكذا كل أيام العمر مراحل تقطعونها يوماً بعد يوم في طريقكم إلى الدار الآخرة. فهي تنقص من أعماركم. وتقربكم من آجالكم. ويحفظ عليكم ما عملتموه فيها لتجازوا عليه في الدار الباقية (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).
حل عليكم شهر رمضان لترجعوا إلى ربكم بالتوبة والأعمال الصالحة.
وتتربوا على فعل الطاعات وترك المحرمات وتتلقوا دروس الصبر. وتنتصروا على النفوس الأمارة بالسوء. فما تنقضي أيام هذا الشهر المبارك إلا وقد ألفتم الطاعة. وكرهتم المعصية. وتربيتم على الأخلاق الفاضلة فتيقظتم بعد غفلة. وحضرتم بعد طول غياب. وعرفتم قدر الحياة وقيمة العبادة.
عباد الله: والآن انقضى شهر رمضان فلا ترجعوا بعده إلى المعاصي فإن رب الشهور واحد، ولا تهدموا ما بنيتم فيه من صالح الأعمال، فإن من علامة قبول الحسنة إتباعها بالحسنة، وإن الرجوع إلى المعاصي بعد التوبة منها أعظم جرماً وأشد إثماً مما كان قبل ذلك. وإن أمامكم ميزاناً توزن فيه حسناتكم وسيئاتكم (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ).
والشهور مزرعة الأعمال. ومواقيت للآجال.
عباد الله: إن انقضى موسم رمضان فبين أيديكم موسم يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات وهو الصلوات الخمس التي فرضها الله على عباده تدعون لحضورها في المسجد. لتقفوا بين يدي مولاكم وتدعوه وتستغفروه وتسألوه من فضله. فأجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويُجركم من عذاب أليم. ومن لا يجب داعي الله، فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين. وبين أيديكم موسم يتكرر كل أسبوع وهو صلاة الجمعة ويوم الجمعة الذي اختص الله به هذه الأمة، وفيه ساعة الإجابة التي لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً وهو قائم يصلي إلا أعطاه الإجابة التي لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً وهو قائم يصلي إلا أعطاه إياه. وبين أيديكم مواسم في جوف الليل وفي وقت الأسحار. وخزائن ربكم ملأى لا تغيضها نفقة. ويده سحاء الليل والنهار. فإنه لا غنى بكم عنه طرفة عين في أي لحظة من اللحظات فليست حاجتكم إليه في رمضان فقط. فما بال أقوام يقبلون في رمضان على الطاعة فإذا انسلخ تنكروا وتغيرت أحوالهم؟! لقد سئل بعض السلف عن مثل هؤلاء فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. لقد كانت تمتلئ المساجد بهؤلاء في الصلوات الخمس وعندما انسلخ رمضان اختفوا وانمحت آثارهم إلى المساجد وقبعوا في بيوتهم. كأنهم استغنوا عن الله، أو كأن الواجبات سقطت عنهم والمحرمات أبيحت لهم خارج رمضان نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن العمى بعد البصيرة. ومن الكفر بعد الإيمان. قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)
فكما أن الحسنات يذهبن السيئات، فكذلك السيئات تقضي على الحسنات. وقد قيل: ذنب بعد توبة أقبح من سبعين قبلها. بكى بعض السلف عند الموت، فسئل عن ذلك فقال: أبكي عن ليلة ما قمتها وعلى يوم ما صمته. فإذا كان الإنسان سيندم عند الموت على ترك النوافل، فما بالكم بندامة من ضيع الفرائض. إن شهر رمضان يجب أن يودع بالاستغفار وطلب القبول، فقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا بلغهم إياه، وعملوا فيه عملاً صالحاً دعوا الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، فكل زمانهم رمضان.
وكثير من أهل هذا الزمان يودعونه ويتبعونه بالمعاصي وترك الواجبات وفعل المحرمات. إن الله يأمرنا أن نختم شهر رمضان بالتكبير وشكر الله على تمام النعمة حيث يقول سبحانه: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) والرسول –صلى الله عليه وسلم- يحثنا على أن نتبعه بصيام ستة أيام من شهر شوال، فروى مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". وإنما كان صيام رمضان وإتباعه ستاً من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان عن عشرة أشهر وستة أيام من شوال عن شهرين. وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة. منها أن صيام هذه الستة بعد رمضان كصلاة النافلة بعد الفريضة، يكمل بذلك ما حصل في صيام رمضان من خلل ونقص.
فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة. وأكثر الناس يقع في صيامه خلل ونقص فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من صيام النفل. ومنها أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها. كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة على رد الحسنة التي عملها وعدم قبولها.
ومنها أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة. فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرته لذنوبه أن يصوم له شكراً عقب ذلك. ومنها أن العودة إلى الصيام بعد الفطر على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله.
عباد الله: إن مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعد خروجه من تبديل نعمة الله كفراً. فمن عزم على معاودة المعاصي بعد رمضان فصيامه عليه مردود. وباب الرحمة وجهه مسدود. إن هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مقادير الآجال. ومواقيت الأعمال. ثم تنقضي سريعاً، وتمضي جميعاً. والذي أوجدها وابتدعها. وخصها بالفضائل وأودعها باق لا يزول. ودائم لا يحول. هو في جميع الأوقات إله واحد، والأعمال عباده رقيب ومشاهد. فاتقوه ودوموا على طاعته واجتناب معصيته فإن كل وقت يخليه العبد من طاعته فقد خسره. وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر ربه تكون عليه يوم القيامة حسرة وندامة. (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
عباد الله: إن فضل الله عليكم متواصل ومواسم المغفرة لا تزال متتالية لمن وفقه الله لا غتنامها. فإنه لما انقضى شهر رمضان دخلت أشهر الحج إلى بيت الله الحرام. فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه، فكذلك من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات. إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات. فالمؤمن يتقلب ببين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه.
فاشكروا الله على هذه النعم واغتنموها بطاعة الله ولا تضيعوها بالغفلة والإعراض. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
التعليقات