عناصر الخطبة
1/فضائل الصحابة الكرام 2/عدالة الصحابة 3/خطورة الطعن في الصحابة 4/محبة الصحابة.اقتباس
هُم أبرُّ هذهِ الأمَّةِ قُلوباً، وأعمَقُها عِلماً، وأقلُّها تكلُّفاً، وأَقوَمُها هَدياً، وأحسنُها حَالاً، وهم خيرُ هذهِ الأمَّةِ بشهادةِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- حِينَ قالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْني، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم"، فحبُّهم سُنَّةٌ، والدُّعاءُ لهم قُربةٌ، والاقتداءُ بهم وَسيلةٌ، والأَخذُ بآثارِهم فَضيلةٌ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الحَمدَ للهِ؛ نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
أمنيَّةٌ قَد تُخالجُ قُلوبَنا في بَعضِ الأوقاتِ، لا نُريدُ بها إلا الخيرَ وعَاليَ الدَّرجاتِ، نتمنى أن نَكونَ قد رأينا رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- ونَصرناهُ، ولكنْ، ما رأيُ مَن حَضرَ تلكَ الأيامَ، من الصَّحابةِ الكِرامِ؟
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وَاللَّهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ. فَاسْتُغْضِبَ، قَالَ ابنُ نُفَيرٍ: فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلاَّ خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ المِقدَادُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللَّهُ عَنْهُ؟، لاَ يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ يَكُونُ فِيهِ؟
وَاللَّهِ، لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللَّهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، لَمْ يُجِيبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، أَوَلاَ تَحْمَدُونَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ أَخْرَجَكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ إِلاَّ رَبَّكُمْ، فَتُصَدِّقُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلاَءَ بِغَيْرِكُمْ.
وَاللَّهِ لَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ قَطُّ، فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ قُفْلَ قَلْبِهِ بِالإِيمَانِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلاَ تَقَرُّ عَيْنُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ.
وصَدَقَ المِقدادُ -رضيَ اللهُ عنهُ-، فمَنْ مِثلُ ذلكَ الجيلِ العظيمِ إيماناً وحِرصاً؟، الذينَ اختارَهم اللهُ -تَعالى- شَخصاً شَخصاً، بَعدَما نظرَ اللهُ في قلوبِ العِبادِ، فجَعلَهم وُزراءَ نبيِّهِ والأصحاب والأجناد، ونصَرَ بِهم دينَه وفَتحَ بِهم البلادَ، وقد جَاءَ مَدحُهم في التَّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح: 29].
هُم أبرُّ هذهِ الأمَّةِ قُلوباً، وأعمَقُها عِلماً، وأقلُّها تكلُّفاً، وأَقوَمُها هَدياً، وأحسنُها حَالاً، وهم خيرُ هذهِ الأمَّةِ بشهادةِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- حِينَ قالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْني، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم"، فحبُّهم سُنَّةٌ، والدُّعاءُ لهم قُربةٌ، والاقتداءُ بهم وَسيلةٌ، والأَخذُ بآثارِهم فَضيلةٌ.
ولذلكَ كانَ حُبُّ الصَّحابةِ -رَضيَ اللهُ عنهم- من أركانِ عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، كما هو مَبثوثٌ في كُتبِ العقائدِ الكَثيرةِ، قَالَ الطَّحاويُّ -رَحمَه اللهُ تَعالى- في العَقيدةِ الطَّحاويةِ: "ونُحبُّ أَصحابَ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، ولا نُفرِطُ في حُبِّ أَحدٍ مِنهم، ولا نَتبرأُ مِن أَحدٍ مِنهم، ونُبغضُ من يُبغضُهم، وبِغيرِ الحَقِّ يَذكرُهم، ولا نَذكرُهم إلا بِخيرٍ، وحُبُّهم دِينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كُفرٌ ونِفاقٌ وطُغيانٌ".
فيهم الصَّاحبُ في الغارِ، وفيهم مَن يَفرُّ منه الشَّيطانُ، وفيهم من تَتنزَّلُ الملائكةُ لقراءتِه، وفيهم من اهتزَّ العرشُ لموتِه، وفيهم من غسَّلتهُ الملائكةُ، وفيهم من كلَّمَه اللهُ -تعالى- بعدَ موتِه، فرضيَ اللهُ عنهم جميعاً.
أَقولُ قَولي هَذا، وأستغفرُ اللهَ العَظيمَ لي ولَكم ولِسائرِ المسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍ فَاستغفروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَفعَ قَدرَ أُولي الأَقدارِ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له الواحدُ القَهارُ، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المُصطفى المُختارُ، صَلى اللهُ وَسلَّمَ وبَاركَ عَليهِ وعَلى آلِه الأطهارِ وأَصحابِه من المُهاجرينَ والأَنصارِ، والتَّابعينَ ومن تَبعَهم بإحسانٍ إلى يَومِ القَرارِ.
أما بَعدُ: فعِندَما ذكرَ اللهُ -تعالى- المُهاجرينَ والأنصارَ في سورةِ الحَشرِ، ذَكرَ بعدَهم صِفةَ أهلِ الإيمانِ فقالَ -سُبحانَه-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
فهكذا هم أهلُ السُّنةِ والجماعةِ، وأما مَن طَعنَ فيهم، فحقيقةُ الأمرِ أنَّه يطعنُ في الدِّينِ بالطَّعنِ في حَملتِه، ويطعنُ في النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- بالطَّعنِ في صَحابته، بل ويطعنُ في اللهِ -تعالى-؛ حيثُ اختارَ لرسولِه -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- شِرارَ أُمتِه، يَقولَ ابنُ تَيميةَ -رحمَه اللهُ-: "ومن نَظرَ في سِيرةِ القَومِ بِعلمٍ وبَصيرةٍ، ومَا مَنَّ اللهُ عَليهم بِهِ من الفَضائلِ، عَلِمَ يَقيناً أَنَّهم خَيرُ الخَلقِ بَعدَ الأنبياءِ، لا كَانَ ولا يَكونُ مِثلُهم، وأَنَّهم الصَّفوةُ من قُرونِ هَذهِ الأمَّةِ التي هي خَيرُ الأُمَّمِ وأَكرمُها على اللهِ".
فشرَفُ الصَّحبةِ لا يَعدِلُه شرفٌ في الأنامِ، ورِضا اللهُ عَنهم على صُدورِهم أعظمُ وِسامٍ، (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100]، تزكيةٌ باقيةٌ ببقاءِ كتابِ اللهِ -تعالى- في الأرضِ.
اللهمَّ ارضَ عن صَحابةِ نَبيِّكَ الكَريمِ واجْزِهم عَنَّا أَفضلَ الجَزاءِ وأَعظَمَه، اللهمَّ واعمرْ قُلوبَنا بمحبتِهم يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، ووفقْنَا لاحترامِهم ومَعرفةِ قَدرِهم يا حيُّ يا قَيّومُ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، اللهمَّ اجعلنا من أتباعِ رَسولِكَ ظَاهراً وبَاطناً، واحشرنا في زُمرتهِ يَا ربَّ العَالمينَ.
اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بكَ من الفتنِ مَا ظَهرَ منها وما بَطنَ، اللهم أَرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعَه، وأرِنا الباطلَ بَاطلاً وارزقنا اجتنابَه.
اللهمَّ اغفر لنا ذُنوبَنا كُلَّها، دِقَّها وجِلَّها، أَولَها وآخرَها, عَلانيتَها وسِرَّها، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ الجنةَ وما قَرَّبَ إليها من قَولٍ وَعملٍ، ونَعوذُ بكَ من النارِ وما قَرَّبَ إليها من قَولٍ وعَملٍ.
اللهمَّ آتِ نُفوسَنا تَقواها وزكِّها أَنتَ خَيرُ من زَكَاها، أَنتَ وَليُّها ومَولاها، اللهمَّ أَصلحْ أحوالَ المسلمينَ حُكاماً ومَحكومينَ، واغفر للمُسلمينَ الأحياءِ مِنهُم والميتينَ، اللهمَّ آتنا في الدُّنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عَذابَ النَّارِ.
التعليقات