عناصر الخطبة
1/ما هو الصراط؟ 2/حال الناس مع الصراط 3/الناجون من هول الصراطاقتباس
فَإِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاط؛ نَجَوْا مِنَ النَّار؛ وَانْتَقَلُوا إلى الصِّرَاطِ الثَّاني، وَهُوَ أَنَّهُمْ يُحْبَسُونَ على قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّار؛ فَيَتَقَاصُّوْنَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا....
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: هُوَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ الْسَّيْف. إِنَّهُ جِسْرُ الأَهْوَال، وَمَزَلَّةُ الأَقْدَام، والمَحْطَّةُ الأَخِيرَة، مِنْ رِحْلَةِ الآخِرَة، وَمَنْ تَجَاوَزَ هَذِهَ العَقَبَةَ الكَؤُوْد، وَصَلَ إِلى دَارِ الخُلُود؛ إِنَّهُ الصِّرَاط.
وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ على قَدْرِ إِيْمَانِهِمْ وأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ البَصَرِ، وَمِنْهُم كَالبَرْقِ، وَمِنْهُمْ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ كَالفَرَسِ الجَوَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْطَفُ خَطْفًا وَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ، (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم:72].
قال أَبُو مَيْسَرَة: "يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي. أَخْبَرَنَا اللهُ أَنَّا وَارِدُونَ عَلَى النَّارِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّا صَادِرُونَ عَنْهَا".
وَجِسْرُ جَهَنَّمَ: مُظْلِمٌ شَدِيْدُ الظُّلْمَة.
لا يَقْطَعُهُ أَحَدٌ إِلا بِنُورٍ يُبْصِرُ بِهِ.
ويُعْطَى الْعَبْد مِنَ النُّورِ بِحَسَبِ نُورِ إِيمَانِهِ؛ قال ابنُ القَيِّم: "هَذَا النُّورُ بِعَيْنِهِ؛ أَبْرَزَهُ اللَّهُ لِعَبْدِهِ فِي الْآخِرَةِ، ظَاهِرًا يُرَىَ عِيَانًا بِالْأَبْصَارِ"؛ فَمِنْهُمْ: مَنْ يَكُونُ نُورُهُ كَالشَّمْسِ، وَمِنْهُمْ كَالْقَمَرِ، وَمِنْهُمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، وَمِنْهُمْ كَالسِّرَاج، وَمِنْهُمْ مَنْ نُوْرُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، يُضِئُ مَرَّةً، وَيُطْفَىءُ أُخْرَى.
وَيُطْفَئُ نُوْرُ الْمُنَافِقينَ على الجِسْر أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْه، كَمَا طُفِئَ فِي الدُّنْيَا مِنْ قُلُوْبِهِمْ، فَيَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِيْن: قِفُوا وَانْتَظِرُوا (نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ)[الحديد:13]، فَإِذَا انْطَفَأَ نُوْرُهُمْ؛ تَسَاقَطُوا في النَّار.
وإذا رَأَى المُؤْمِنُونَ مَا لَقِيَ الْمُنَافِقُونَ دَعَوْا رَبَّهُمْ خَائِفِيْن: (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم:8].
وَجِسْرُ جَهَنَّم؛ مِنْ أَشَدِّ المَوَاطِنِ رُعْبًا؛ حَتَّى إِنَّ الرُّسُلَ تَخَافُ مِنْهُ، وَكُلٌّ يُرِيْدُ النَّجَاةَ بِنَفْسِه. وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: "اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ"(رواه البخاري ومسلم).
وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُوْمَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا؛ فَلَا يَجُوْزُهُ خَائِنٌ، وَلَا قَاطِعُ رَحِم.
وَعلى حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيْبُ حَدِيْدِيَّةٌ وأَشْوَاك لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا الله، تَخْطِفُ النَّاسَ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ؛ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا"(رواه البخاري ومسلم) قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَة: "يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: نَاجٍ بِلَا خُدُوشٍ، وَهَالِكٌ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَمُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا، يُصَابُ ثُمَّ يَنْجُو".
فَإِذَا عَبَرَ المُؤْمِنُونَ الصِّرَاط؛ نَجَوْ -حِيْنَئِذٍ- مِنَ الأَهْوَال، وقَالُوا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكَ، بَعْدَ إِذْ رَأَيْنَاكَ، فَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا"(رواه الحاكم وصححه)
وَأَوَّلُ مَنْ يُجِيزُ الصِّرَاط هُوَ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- وَأُمَّتُه؛ فَفِي الحَدِيث: "وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا"(رواه البخاري ومسلم)
فَإِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاط؛ نَجَوْا مِنَ النَّار؛ وَانْتَقَلُوا إلى الصِّرَاطِ الثَّاني، وَهُوَ أَنَّهُمْ يُحْبَسُونَ على قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّار؛ فَيَتَقَاصُّوْنَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ حَتَّى إِذا هُذِّبُوا؛ أُذِنَ لَهُم فِي دُخُوْلِ الجَنَّة.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
عِبَادَ الله: مَنْ ثَبَتَ عَلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى جَهَنَّمَ.
وَعَلَى قَدْرِ سَيْرِهِ عَلَى صِرَاطِ الله؛ يَكُونُ سَيْرُهُ عَلَى ذَاكَ الصِّرَاطِ، حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، جَزَاءً وِفَاقًا، (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[النمل:90].
وَمَنْ خَطِفَتْهُ كَلالِيْبُ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ عَنِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيم؛ خَطِفَتْهُ الكَلَالِيبُ على ذَاكَ الصِّرَاطِ، وَأَعَاقَتْهُ عَنِ الْمُرُورِ عَلَيْهِ (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46].
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر، وَاصْرِفْ عَنْهُ كُلَّ شَرِّ، وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.
التعليقات