عناصر الخطبة
1/الحث على محاسبة النفس 2/التوبة وحاجة الناس إليها 3/فضل تجديد التوبةاقتباس
وقد ارتبطت التوبةُ في أذهان الكثيرينَ بالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وكأنها لا تُناسبُ إلا العُصاةَ والمذنبين, فإنَّ هذا تضييقٌ ليس بصحيح؛ فالتوبةُ ليست لمغفرة الذنوبِ فقط، بل هي بذاتها عبادةٌ جليلةٌ مُستقلةٌ، مُطلوبةٌ من الجميع, الصالحُ والطالح...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي جعلَ في اختلاف الليلِ والنهارِ آيةً وذكرا، وجعلَ هذهِ الدارُ زاداً ومعْبراً إلى الدار الأخرى، والحمدُ للهِ الذي يسَّرَ لمَن شاءَ من عباده الهدى واليُسْرى، وجزاهُم بفضله على الحسنةٍ الواحدةٍ عشراً؛ (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5], وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ولا ربَّ لنا سواه؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا)[الطلاق: 10], وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهُ ورسولهُ، ومصطفاه وخليله، بعثهُ الله للثقلينَ رحمــةً وبُشــراً، مَن صلَّى عليهِ مرةً صلَّى اللهُ عليهِ بها عشراً, اللهم صلِّ وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبهِ الأرفعينَ قدْراً، والأطيبينَ ذكْراً، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّمَ تسليماً كثيراً تترى.
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّ أعظمَ ما يُوصِي به المرءُ أخاهُ في اللهِ، أنْ يتَّقي اللهَ ربَّهُ ومولاهُ؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)[آل عمران: 102]، وسارعوا إلى مغفرةِ ربكم وجنَّاتهِ، وأجيبوا داعيَ اللهِ واسعوا لمرضاتهِ، بادروا زمنكم واستثمروا لحظاتهِ، وتعرضوا لنفحاتِ ربكم ورحماتهِ، وتزودوا ما وسِعكم من طاعاته وعباداتهِ، فما أسرعَ أن يمضي العمرُ وتنقضي أوقاتهُ, اليومَ عملٌ ولا حسابٌ، وغدًا حسابٌ ولا عملٌ، والكيِّسُ الفِطن من دانَ نفسَهُ وعمِلَ لما بعد الموتِ، والعاجِزُ المتواني من أتبعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.
ثم تأمَّلوا -يا عبادَ اللهِ- في الأحوال، وانظروا في العواقِب، فالسعيدُ من لازَمَ طّاعةَ ربه ومولاهُ، ورفعَ أكُفَّ الضراعةِ مخلصاً ودعاهُ، وجدَّ في محاسبةِ نفسهِ وإصلاحِ ما اجْترحت يداهُ، والمخذول مَن ركِبَ سفينَةَ غيِّهِ وهواهُ، وانساقَ مع النفسَ والشيطانَ فاردياهُ؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت: 46].
بالذكرى -يا عباد الله- تلينُ القلوبُ وتخشَع، وتنجَلي غُيومُ الغَفلةِ وتتقَشَع، فطوبى لمن كان لنفسه ناصحاً، وكان عملَهُ كله صالِحاً، ولوجه اللهِ -تبارك وتعالى- خالِصاً, طُوبى لمن تَواضَعَ في غيرِ مذلَّةٍ، وتصدّقَ في غير مَعصيةٍ، واقتدى بأهل العِلم والخَشيةِ؛ (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الرعد: 19].
معاشر المؤمنين الكرام: العاقلُ الموفق من تفكّرَ في مآله، فجدَّ واجتَهدَ في صالح أعمالِه، نظرَ في المصِير فجانَبَ التّقصيرَ، خاف من ذُلِّ المقامِ بين يديِّ الملكِ العلام، فاجتنَبَ الحرامَ وهجرَ الآثام, وللهِ درُّ أقوامٍ إِذا مسَّهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، نظروا في عيوبهم, فاستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون؛ (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)[آل عمران: 136].
من بادرَ الأعمالَ استدركَها، ومن جاهَد نفسَه مَلكَها، ومن سارَ على الطريق سَلكها، ومن طلب التّقوى بصدقٍ أدركها؛ (يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غافر: 39، 40].
ها هي التوبةُ -يا عباد الله- قد فُتِحت لكم أبوابُها, وحلَّ بينكم زمانها وآنَ أوانُها, نعم -أيها الكرام- آن لنا -والله- أَن نجدِّدَ توباتنا، وأن نفِرَّ سِراعا إلى ربنا ومالك أمرنا, فهو القائلُ -سبحانه وبحمده-: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 39], فأدعوكم -أحبتي في الله- ونفسي لأن نفتحَ صفحةً جديدةً مع الله، ولتكن صفحةً بيضاءَ مُشرقة، نبدأها بتوبةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، ونيَّةٍ وعزيمةٍ مُؤكدةٍ موثَّقة، أن لا نفرِّطِ فيه كما فرطنا في الفرص السابقة, فرحمَ الله عبداً سارعَ إلى طاعة ربه ومولاه، واتخذَ قرارهُ عازماً وغلبَ هواه؛ فكان له من عظيم الأجرِ ما تقرُّ به يومَ القيامةِ عيناه؛ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)[الزمر: 56].
أما وقد ارتبطت التوبةُ في أذهان الكثيرينَ بالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وكأنها لا تُناسبُ إلا العُصاةَ والمذنبين, فإنَّ هذا تضييقٌ ليس بصحيح؛ فالتوبةُ ليست لمغفرة الذنوبِ فقط، بل هي بذاتها عبادةٌ جليلةٌ مُستقلةٌ، مُطلوبةٌ من الجميع, الصالحُ والطالح، المحسنُ والمسيء، المذنبُ وغير المذنب، جميعهم مُطالبونَ بالتوبة، وبشكلٍ مُستمر، وفي كلٍّ وقتٍ وحين, تأمَّل قولَ الحقِّ -جلَّ وعلا-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31], وقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: "يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوبُ إلى الله في اليوم مائةَ مرة"، فإذا كان هذا حالُ سيدِ البشر، من غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما الذي ينبغي أن يكونَ عليه حالُ المقصرين أمثالنا؟.
ثم إنَّ التوبةَ -يا عباد الله- من أحبِّ الأعمالِ الصالحةِ إلى اللهِ، ففي الحديث الصحيحِ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ علَى بَعِيرِهِ، قدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فلاةٍ", وإذا كان المؤمنون جميعاً مُطالبون بالتوبة، بنصِّ قولهِ -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)[التحريم: 8], فهذا دليلٌ على شدَّةِ أهميتها، وعلى أنهم جميعاً في أمسِّ الحاجةِ إليها، مثل ما أنهم دائماً بحاجةٍ دائمة إلى طلب الهداية؛ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة: 6], فكما أنَّ المؤمنينَ جميعاً في أمسِّ الحاجةِ إلى طلب الهدايةِ وبشكل مستمر, فهم جميعاً في أمسِّ الحاجةِ للتوبة كذلك.
فجدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم، وتداركوا بصادق الرغبة ما فاتكم، واحذروا الغفلاتِ فإنَّها دركاتٌ، وبادِروا نفيسَ الأوقاتَ واللحظات، واستكثِروا من الطاعات والصالحات، ونافسوا في الخيرات والمكرمات، وتعرضوا للرحمات والنفحات, والجِدَّ الجِدَّ تغنَمُوا، والبِدارَ البِدَارَ أن لا تندَمُوا؛ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)[الزمر: 56].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا مع الصادقين، فَعَلَى قَدرِ الصِّدقِ يَكُونُ الفَوزُ، قال -جلَّ وعلا-: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[محمد: 21]، ولا بد للصدق من دليل عملي: قال -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت: 2، 3].
معاشر المؤمنين الكرام: جدِّدوا توبتكم، وادخلوا على ربكم بقلبٍ نادمٍ مُتألم، ونفسٍ خاضعةٍ مُنكسِرة، لسانُ الحالِ والمقال: إلاهِي ومولاي وسيدي يا رب:
بك أستجيرُ فمن يُجيرُ سِواكـا *** فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكـا
يا غافرَ الذنـبِ العظيـمِ وقابـلاً *** للتـوب، قلـبٌ تائـبٌ ناجـاكـا
يا رب عُدت إلـى رحابـك نادِمـاً *** مُستسلمـاً مستمسِكـاً بعُـراكـا
أدعـوك يا ربِّ لتغفـر حوبتـي *** وتُعينـنـي وتمـدنـي بهـداكـا
فاقبل دُعائي واستجب لرجاوتـي *** ما خابَ يوماً من دعـا ورجاكـا
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم؛ فالتّوبةُ من أعظمِ العباداتِ وأحبِّها إلى الله -جلَّ وعلا-, بل إنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- يفرحُ بتوبتنا فرحاً عجِيباً لا تُستطيع العِباراتُ وصفُه، ففي صحيح مسلم: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ؛ أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ".
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم, فقدوتنا وأسوتنا، وأمامنا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كان يتوبُ في اليوم الواحد أكثرَ من سبعينَ مرةً، وفي رواية: أكثرَ من مائة مرة, والحديث في البخاري.
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم, فربنا العظيمُ الرحيمُ -جلَّ جَلاله- يَنزِلُ في كُلِ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا نزولاً يليقُ بجلاله وكماله، فينادي: "هل من تائب؛ فأتوب عليه؟ هل من مُستغفر؛ فأغفر له؟", وجاء في البخاري ومسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ؛ ليتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسُطُ يدَهُ بالنهار؛ ليتوبَ مُسيءُ الليل, حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها".
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم فربُّنا العفو الغفور يقولُ عن نفسه العلية: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه: 82], ويقولُ -جلَّ وعلا-: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 39], وصحَ عنهُ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ".
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم؛ فالله -تبارك وتعالى- يقول: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 26 - 28].
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم؛ فاللهُ -جلَّ وعلا- يقول: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات: 11]، ويقولُ -سبحانه-: (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[التوبة: 74].
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم؛ فالرب -تبارك وتعالى- يُنادِينا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31], ويكرِّرُ النِداءَ ويُنوعُه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)[التحريم: 8].
جدِّدوا -يا عباد الله- توباتكم وابشروا بالقبول؛ فاللهُ -جلَّ وعلا- يقول: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء: 17], ويقول -سبحانه وبحمده-: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 39], بل إنه -جلَّ وعلا- بكرمه وفضله ورحمته يبدل السيئاتِ إلى حسنات, تأمَّلوا قول ربكم -جلَّ في علاه-: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 70].
فَمَا أَحرَانَا -أحبتي في الله- وما أولانا أَن نَتَّقِيَ اللهَ خالقنا ومولانا, صادقين مخلصين، وَأن نَعُودَ إليه -تبارك وتعالى- نادمين تائبين, خصوصاً وقد أضلنا زمان التوبة والمغفرة والتقوى, بلغنا الله واياكم شهر الخير والهدى، ورزقنا فيه العون والتوفيق لكل ما يحبُّ ربنا ويرضى.
ويا ابن آدم: عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى, والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
التعليقات