عناصر الخطبة
1/خلق الله للخلق على صنفين ولكل صنف صفاته 2/ظاهرة فتيات: \"البويات\" والمقصود بذلك 3/أهم أسباب استرجال الفتاة 4/وسائل الحد من استرجال الفتاة وعلاج ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
تلكم -أيها المؤمنون- بلية الجنس الرابع تشبه النساء بالرجال، وعكسه موجود، لكنه بصفة أقل بكثير، وهي التي تسمى شهرة: "البويات" ويعنون بها الفتيات المسترجلات؛ لأن أصل هذه الكلمة مأخوذ من تسمية الأولاد باللغة الإنجليزية.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الأحد، العظيم الصمد، الغفور ذي الانتقام الأشد، لا يحوي نعمه عدد، ولا يحصيها من يعدها إلى الأبد، أشهد أن لا إله إلا هو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الصمد: 2- 4].
وأشهد أن محمداً رسوله، وهو خير من تنسك وعَبَد، وأفضل من لله ركع وسجد، كل عمله طاعة إن استيقظ، وحتى إن رقد، رب صل عليه وعلى أزواجه وما نسأ من بنت وولد، وعلى صحبه فقد رضيت عنهم، وهو بهذا قد شهد، وارض عنا بفضلك؛ ففضلك لا يحده حد.
أيها المؤمنون: يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: 1].
آية يرددها الخطباء في معظم خطبهم، فصار أغلب الناس يسمعها، وكأنها لم يؤت بها إلا جرياً للعادة في الخطب، لكننا اليوم سنجعل هذه الآية ونظائرها محور حديثنا في هذه الخطبة -بإذن الله-.
عباد الله: خلق الله الخلق من الإنس، فجعلهم على نوعين: ذكر وأنثى، وأعطى كل صنف خصائص وصفات يتميز بها عن الآخر، وجعل كل واحد منهما مكملا للآخر، فلا يستغني نوع عن نوع.
وبقي الناس راض كل منهم بخلق الله له، حتى وردت علينا من سموم الغرب وآفاتهم ما ورد بلاد المسلمين، فصار المنهزمون فينا يتلقفون ما يأتيهم من سيء ما عندهم، تلقف الظمآن للغيث حين ينزل عليه، فيقْبَلُهُ ويطبقه على نفسه، ويظن أنه قد أتى الحضارة من أعظم أبوابها، وأن لا أحد يعلوه رتبة إلا أولئك الذين زادوا عليه في استهلاك قاذورات ذلك العالم المنحل.
واليوم -أيها الكرام- قد أطلت علينا بلية حادثة، وموضة نابتة، ابتليت بها فئات عريضة من فتياتنا، وعدد من فتياننا، ولولا أن المنبر رسالته المهمة بعد المواعظ هي معالجة ما يقع في المجتمعات من المشكلات، لما تطرقت للموضوع؛ لأن المساجد مهمتها الأولى: (أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [النــور: 36].
لما ذكرت ذلك هنا، ولكنها بلية عمت، وامتلأت بها الجامعات والمدارس والملتقيات وطمت، فكان لا بد لذوي الجهل من التبصير، ولأصحاب البصائر من التذكير.
تلكم -أيها المؤمنون- بلية الجنس الرابع تشبه النساء بالرجال، وعكسه موجود، لكنه بصفة أقل بكثير، وهي التي تسمى شهرة: "البويات" ويعنون بها الفتيات المسترجلات؛ لأن أصل هذه الكلمة مأخوذ من تسمية الأولاد باللغة الإنجليزية.
كما أن هذه التقليعة وردت إلينا منهم جنبنا الله قبائحهم، ومن يجهل هذا الأمر؛ فليسأل بنته، أو زوجه أو أخته، وستخبره بما يجعل الحليم حيرانا.
وهذه الظاهرة هي انعكاس لتمرُّد أنثوي على الفطرة السليمة التي خلق الله عليها الفتاة، فتحاول: "البوية" كلِّ ما تستطيع أن تبْدو بخلاف كونها أنثى؛ حتَّى تقنع من حولَها بأنَّها ليست كذلك، فترتدي الملابس الرجالية، وتقصُّ شعر رأسِها، وتخشن من صوتِها، حتى إن بعضُهنَّ يحلقن لحاهن بالموس، حتَّى تبرز شواربهنَّ أو لحيتهنّ؛ بل وتطلق أُخْرَيات على أنفُسِهنَّ أسماء ذكوريَّة، وغير ذلك ممَّا يُحْسَب على سلوكيَّات الرِّجال والشَّباب، ثم لا تسل بعد ذلك عن توابع هذه التصرفات، إذ يصل بهن الأمر إلى أمور لا تغيب عن أذهان الكثيرين، وبروز هذه الظاهرة ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة لتراكم أسباب كثيرة، منشؤها عوامل أسرية، ونفسية، وغيرها، ففيما يخصُّ الأسرة.
فإنَّ من أهمِّ ما يدفع الفتاة إلى التحوُّل إلى كونها مسترجلة: انشِغال الأُسْرة عن متابعتها ومراقبتِها، والَّذي ربَّما يؤدِّي إلى إحْساس الكثير من الفتَيات بالحرمان من العاطِفة والحنان، وهو ما يكون له ردُّ فعل سلبي على سلوك الفتاة الضعيفة، التي تسعى إلى تقمُّص دَوْرِ الرَّجُل بِما له من صفات قويَّة، وقدرة على الصَّبر والتحمُّل.
ومن ذلك أيضًا: انعِدام التَّربية السليمة، والتفكُّك الأسري الَّذي يكون له آثارُه الخطيرة والمدمِّرة على الأبناء ذكورًا وإناثًا، حيث يفقد الأبناء القدْوة الصَّالحة، وصوْت النُّصْح والإرشاد، ويُضاف إلى ذلك بعْض الأخطاء التي يرتكِبُها الوالِدان فيما يخصُّ تعاملهما مع ابنتِهما، خاصَّة إذا كان كلُّ إخوتها من الذُّكور؛ إذ هي تستشعر أي تمييز في هذه المعاملة، وهو ما يكون له دوْره في تنشئة هذه الفتاة وتشبُّعها بالصِّفات الذكوريَّة.
كذلك، فإنَّ الصَّداقات وصُحبة السّوء يمكن أن تكون من العوامل المؤثِّرة لتحوُّل الفتاة إلى "البوية".
كما أنَّ البعد عن الدين والقيم الإسلاميَّة، والتعرض للإثارة الجنسيَّة الدَّائمة - كل ذلك- كفيل بأن يدفع بعْضَ أطْراف هذه الصَّداقات إلى الوقوع في فخِّ الشُّذوذ، والدَّفع بالآخرين إلى الوُقوع في نفْس الفخِّ، في غيبةٍ من الرقابة الأسريَّة التي لا يساورها أيَّة شكوك حول علاقات فتيات بعضِهنَّ ببعض.
ويأتي التقليد الأعْمى والمحاكاة لكلِّ ما تراه الفتيات عبْر وسائل الاتِّصالات الحديثة؛ كالإنترنت والفضائيَّات -عاملاً مهمًّا وخطيرًا لانتِقال هذه الظَّاهرة؛ لأنَّ الغربَ- بِما يُعاني من انْهِيار أخْلاقي -يتعامل مع مِثْل هذه الظَّواهر من منطلق الحرِّيَّة الشخصيَّة، التي لا يمكن للسلُطات أو لأيَّة مؤسَّسات أن تُحاربها وتقف في وجْهِها؛ بل على العكس من ذلك، فإنَّها تعمل على أن تكفل حقَّ مُمارستها وحماية ممارسيها.
أيها المؤمنون: معرفة الأسباب كفيلة بحل نصف المشكلة؛ لكن تَختلف طرق حلها من حالة إلى أخرى بحسب دوافِعها.
فإذا كان التحوُّل نتيجةَ مُحاكاة أو تقليد، فإنَّ الحوار والتَّوعية عبر النَّدوات والبَرامج التلفزيونيَّة -فضلاً عن الوعْظ- كفيلٌ بأن يعود بالكثير من هؤلاء الفتيات إلى السُّلوك الفطري والطبيعي، بعد أن يتمَّ الكشف لهنَّ عن مدى خطورة مثل هذه السُّلوكيات، ومدى مخالفتِها الشَّرعيَّة التي تستوجِب العقاب الدنيويَّ والأخروي الشَّديد.
أمَّا إذا كان التحوُّل نتيجة لأسباب نفسيَّة، فإنَّه يتحتَّم في هذه الحالة اللُّجوء إلى العلاج والتأهيل النفسي، عن طريق متخصِّصين يقومون بالكشْف عن الدَّوافع العميقة في أنفُس المتحوِّلات؛ حتَّى يتمَّ معالجتهنَّ وإعادتهنَّ إلى الحياة الطبيعيَّة، وهو بالطَّبع أمرٌ ليْسَ هيِّنًا؛ إذْ يُمْكِن أن يستغرِقَ وقْتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا.
لكن يبقى أنَّ العلاج الوقائي هو الأهمَّ، في حماية المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة من انتشار مثل هذه الظواهر، وهو العلاج الذي يختلف من مرحلة سِنيَّة إلى أُخرى؛ إذ يبدأ العلاج منذ الطُّفولة التي يمكن أن تظهر خلالَها ملامح الاستِرْجال، فعلى الوالدين: أن يؤكِّدا ومنذ الطُّفولة على المظْهر الأنثوي للطفلة، بطول شعْرِها ولبسها ما يخصها، وتتميز به أنوثتها، والتَّأكيد على لعْبتها بأن تكون بالعرائس ونحوها، والتَّأكيد على تشبيهِها بأمِّها، وأنَّها مثلها من نفس الجنْس، فإنَّ هذا يجعل هويَّة البنت هويَّة أنثويَّة، وبذلك تتطابق مع جنسها، حتى إذا ما جاءت سنُّ المراهقة، فلا بدَّ أن يتمَّ إعْدادها إعدادًا سليمًا لاستِقْبال هذه الفترة، واعتبار أنَّ التَّغيُّرات التي تحدُث لها هي محلُّ فخر لها، ثم مراعاة ملابسها بأن تكون أنثويَّة؛ وبذلك تتأكَّد هويَّتها كأنثى؛ لأنَّها تعرِف وتعلَّمت أن التغيرات جزء من هويَّتها.
أيها المسلمون: وننبه هنا على الوالدين بالعدل بين الأبناء والبنات؛ فإنَّ العدل في التَّعامل بين الذَّكر والأنثى لا يجعل البنت تتوق لئن تكونَ ذكرًا من أجل أن تحصُل على حقوقِها، فهي تحصل على حقوقها بنفْس القدْر الَّذي يحصل عليه أخوها الذكر.
أصلح الله لنا ولكم نياتنا وذرياتنا، وجعلهم قرة أعين لنا، إنه على كل شيء قدير.
التعليقات