عناصر الخطبة
1/ عبوديات تزيد في العيد: المحبة والسلام والإهداء 2/ ارتباط الإيمان بالمحبة وازدياد المحبة بالسلام والإهداء 4/ تحريم الإسلام لكل ما يجلب البغضاء 5/ الهدي النبوي في الاهتمام بالهدية 6/ آداب تتعلق بالإهداءاهداف الخطبة
اقتباس
في يوم العيد، وما بعده من الأيام، قويت عبادات عند عامة المسلمين، إحدى هذه العبادات شرط لدخول الجنة، وهي نعيم في الدنيا قبل الآخرة، وازدادت معها عبادة أخرى مرتبطة بها، إنهما عبودية محبة المسلمين، وعبودية السلام.
الخطبة الأولى:
معشر الكرام: في يوم العيد، وما بعده من الأيام، قويت عبادات عند عامة المسلمين، إحدى هذه العبادات شرط لدخول الجنة، وهي نعيم في الدنيا قبل الآخرة، وازدادت معها عبادة أخرى مرتبطة بها، إنهما عبودية محبة المسلمين، وعبودية السلام.
فالمحبة تقوى بالسلام، وطيب الكلام بالدعوات والتهاني، وتنمو المحبة باللقاءات والزيارات، والاتصال والمراسلات، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تَدخُلونَ الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدلُّكُم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحابَبتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكُم" رواه مسلم.
تأمل ارتباط الإيمان بالمحبة: "لا تَدخُلونَ الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا"، ثم أرشد إلى طريقٍ يوصل إليها: "أوَلا أدلُّكُم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحابَبتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكُم".
وما يبين أهمية السلام أنه من أول ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما هاجر إلى المدينة، يقول عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-: لمَّا قدِمَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ انجفلَ النَّاسُ قِبلَهُ، قالوا: قدِمَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فجئتُ لأنظرَ -وكان حينها يهوديا- فلمَّا رأيتُهُ عرفتُ أنَّ وجْهَهُ ليسَ بوجْهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سمعتُهُ منْهُ أن قالَ: "يا أيها الناس، أطعِموا الطَّعامَ، وأفشوا السَّلامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجَّنَّةَ بسَلامٍ".
بل إن السلام من أفضل عبادات الإسلام، ففي صحيح البخاري، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رجلاً سأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: "تُطْعِمُ الطعامَ، وتَقرَأُ السلامَ، على من عَرَفتَ، وعلى من لم تَعرِفْ".
صرنا اليوم –وللأسف!- في الأغلب لا نسلم إلا على من نعرف، بل قد يستغرب بعضهم حين يُسلَّم عليه: أهو يعرفني؟ سبحان الله! متى صار السلام مرتبطا بالمعرفة؟ ونجد بعض الناس فيه خصلة المبادرة بالسلام، وتجد له محبة في قلوب الناس، رغم أنهم لا يعرفونه أحيانا.
ومن الأمور الجميلة المرتبطة بالسلام المصافحة، قال أنس: "كان أصحابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدِموا من سفرٍ تعانقوا"، وفي حديث حسنه بعض أهل العلم: "تَصافحوا يَذهبِ الغلُّ، وتَهادوا تحابُّوا وتذهبِ الشحناءُ".
إخوة الإيمان: والإسلام لم يكتف بأن يشرع لنا محبة المسلم فقط، بل رغبنا في مرتبة عالية لا يكمل إيمان المسلم إلا بها، وهي أن تحب لأخيك المسلم مثل ما تحب لنفسك! يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه" أخرجه البخاري.
تصور لو طبق المسلمون هذا المبدأ الإيماني الكريم: ماذا سيكون حال المجتمع؟ هل يغش أخاه المسلم من عاش هذا الشعور أو يغبنه مثلا؟ هل يترك النصيحة لأخيه المسلم؟ هل سيفرح بزلته مثلا ويشمت به؟ كلا والله.
معشر الفضلاء: حرم الإسلام أمورا عديدة تنقص المحبة وتجلب البغضاء، كالنميمة، والغيبة، والسخرية، وسوء الظن، وبيع الرجل على بيع أخيه، وخطبة الرجل على خطبة أخيه، وغير ذلك.
بل شرع الإسلام أمورا تنمي المحبة وتزيدها، كالسلام، والمصافحة، والهدية، والكلمة الطيبة، والإحسان إلى الأقارب والجيران وعموم المسلمين، بأنواعه بالقول والفعل والمال، فكل ذلك يصب في نهر المحبة.
الخطبة الثانية:
أما بعد: إخوة الإيمان، من العبادات التي تزيد في العيد وفي الأفراح الهدايا، وأظنها في مجتمعات النساء أكثر منها عند الرجال، ولا أدري: أهو بسبب ارتباط الأطفال بهن غالبا، أو بسبب العواطف الفياضة ورِقة المشاعر عندهن؟ وعلى العموم، لا شك أن طبيعة الناس عموما محبة الهدية والفرح بها: (بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) [النمل:36].
وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام- الاهتمام بالهدية قولاً وفعلاً، فعند البيهقي مرفوعا: "تهادوا تحابوا " حسنه الألباني، وفي رواية للترمذي: "تهادوا، فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر". وكان -عليه الصلاة والسلام- يقبل الهدية، ويثيب عليها.
أيها الأحبة: الهدية تصفي النفوس، وتنمي الود، ولا شك أن الهدية بمعناها قبل أن تكون بنوعها وقيمتها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ولو أُهدي إليَّ ذراعٌ أو كراعٌ لقبِلْتُ" أخرجه البخاري.
أيها الأحبة: كنت مرة في سفر، وفي الأسفار يُتبسط في الحديث وبعض الأسرار، فتجاذبنا أطراف الحديث، فأخبرني أنه اعتاد أن يهدي لقريباته هدايا نقدية كل عيد فطر، وقد لمس فرحهم بها وجميل أثرها.
وذكر الشيخ محمد الموسى مدير مكتب الشيخ ابن باز رحمهما الله -تعالى- أن الشيخ ابن باز كان من عادته في عيد الفطر أن يتحف أقاربه وأرحامه بهدية العيد، فكان يوزع على أقاربه من حسابه الخاص مبلغا يتراوح ما بين مائة وستين ومائة وسبعين ألف جنيه، وكان يوزعه على زوجتيه وأبنائه وبناته، وأولادهم، وأزواج بناته، وأخيه، وأولاد أخيه، وبعض أقاربه.
والهدية -معشر الكرام- عبادة؛ لأن الشرع أمر بها، ورغّب فيها، وهي نوع من النفقات المشروعة: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة:215].
فلو أن عند المسلم بعض المال فإن من الطيب أن يجعل منه نصيبا لإهداء بعض أقاربه، ويكون بعض ماله الآخر صدقات.
ولا شك أن على المهدي أن يختار ما يناسب، خصوصا إذا كان المهدى إليه غنيا، فمثلا: سيكون لخاتم الذهب وقع جميل على القريبة بخلاف ما لو أعطاها قيمته، وكذلك لو أهدى ساعة أو عطرا أو مشلحا أو غير ذلك، سيقبله المهدى إليه ويفرح به ولو كان في سعة، بخلاف ما لو كان نقدا.
وبعد: عباد الله، صلوا وسلموا...
التعليقات