عناصر الخطبة
1/ الغفلة وقسوة القلب 2/أسباب قسوة القلوب 3/صلاح القلوب صلاح للأعمال 4/أسباب حياة القلباهداف الخطبة
1/التحذير من الغفلة والاغترار بالدنيا 2/بيان أن قسوة القلب مرضٌ فيمن كان قبلنا 3/ الترغيب فيما يحيى القلب من أعمال صالحةاقتباس
وبتعاهدها بالقرآن وبتوالي الطاعات، وبمجالسة الأخيار، وبتجنيبها المنكرات، مع الرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم نبياً -؛ تصبح القلوب صحيحة سليمة خالية من كل شبهة تعارض خبر الله، أو شهوة تميل إلى ما حرمه؛ بل ومحصنة لا تضرها فتنة ما دامت السماوات والأرض...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على محمد وآله وصحبه وعلى كل من استمع القول واتبع أحسنه.
يقول سبحانه وتعالى: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46] ويقول عن نبيه وخليله إبراهيم عليه ا-لصلاة والسلام- أنه قال: (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:87-89].
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله، وتذكروا أننا في زمن كثيراً ما تصد وتغفل وتلهو فيه القلوب عما ينفعها، وتتبلد المشاعر وتضعف الأحاسيس الإسلامية المطلوبة إلا فيمن شاء الله وقليل ما هم. ولا غرابة فهو زمان مليء بالوسائل العظمى التي تصد وتلهي القلوب عن ذكر الله بمعناه الواسع المطلوب؛ بما فيه الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال واللسان نعم واللسان فقد ورد: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
وتحذيراً وإنذاراً للمسلم من فتن عصره وأخطار واقعه أُمر بأن يسعى دوماً في توقيها والحذر منها، ولا سيما على قلبه الذي هو مناط تكليفه ومصدر حياته المطلوبة وموته المعنوي. يقول سبحانه وتعالى ذاماً وموبخاً من فرطوا في قلوبهم حتى بلغت من الانقفال والقسوة ما بلغت؛ رغم ظهور الآيات أمامها وتتالي العظات عليها: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة:73-74] ويقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43] ويقول: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16].
ويبين لنا سبحانه وتعالى سبب هذا الانقفال والقسوة التي ضربت بأطنابها على قلوبهم بقوله - جل ثناؤه -: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف:5] وقوله: (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) [النساء:155] وقوله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14] بين هذا سبحانه وتعالى إظهاراً لآثار عدله وحكمته، وإنذاراً لنا من الوقوع فيما وقعوا فيه، بل وأمراً لنا لنأخذ بقلوبنا إلى ما تصح وتطيب وتزكو به, كما صحت وتصح وطابت وتتطيب وتزكو قلوب من أثنى الله عليهم بقوله جل ثناؤه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [الرعد:28-29] وقوله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23].
أيها الأخوة المؤمنون: من هذه النصوص وأمثالها يعلم ويتذكر المؤمن أن صفقته الوحيدة في هذه الدنيا التي إن ربحها ربح كل شيء وإن خسرها خسر كل شيء هي قلبه. قال عليه الصلاة والسلام: "إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" رواه البخاري ومسلم.
أيها الأخوة المؤمنون: إنه لن يتحقق للقلوب الحياة والحماية المطلوبتان ما لم تتعاهد بكتاب الله الذي تزداد به القلوب إيماناً وعظة ويقظة، يقول سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2] ويقول: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) [المائدة:83] ويقول: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً) [الفرقان:73] وبتوالي الطاعات: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ) [الفتح:4] وبمجالسة أهل الفضل والتقى والصلاح الذين إذا رؤوا ذكر الله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:28]. وبتجنبها والبعد بها كل البعد عن ارتكاب المنكرات واجتراح السيئات وسبق قول الله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) [النساء:155] وما تضمنه الحديث السابق المبين أن لارتكاب المنهيات والوقوع في المشتبهات أثراً عظيماً في فساد وأمراض وقسوة القلوب عياذاً بك اللهم يا رب.
وبتعاهدها بالقرآن وبتوالي الطاعات، وبمجالسة الأخيار، وبتجنيبها المنكرات، مع الرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً؛ تصبح القلوب صحيحة سليمة خالية من كل شبهة تعارض خبر الله، أو شهوة تميل إلى ما حرمه بل ومحصنة لا تضرها فتنة ما دامت السماوات والأرض وإلا أصبحت والعياذ بالله قلوب شياطين، لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً إلا ما أشربت من هواها. يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- منذراً ومحذراً من عواقب ما يمرض القلوب أو يميتها, ومرغباً في عمل ما به حياتها وصيانتها: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً, فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء, حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً, لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض" رواه مسلم.
فاتقوا الله -عباد الله- واعملوا على إحياء قلوبكم وصيانتها بلزوم طاعة الله وخشية ومراقبته, وادعوا الله كثيراً مخلصين بثبات القلوب وإنارتها.
اللهم نوِّر قلوبنا وقبورنا وطريقنا إليك يا ذا الجلال والإكرام.
التعليقات