عناصر الخطبة
1/فضيلة الرباط في المسجد الأقصى في رمضان 2/الحث على اغتنام شهر الرحمات 3/التحذير من الإفلاس الحقيقي 4/ضرورة الحرص على الإحسان في الصيام 5/التحذير من المساس بحرمة المسجد الأقصى 6/الوصية بحماية الأقصى والرباط فيهاقتباس
فلنحرص -أيها المسلمون الصائمون- على جميع الطاعات، ولنحرص كذلك على الإصلاح فيما بيننا؛ بإصلاح النفوس، وإصلاح القلوب، وإصلاح ذات البين التي جعل الله ثواب القائمين عليها ثوابًا عظيمًا وأجرا كريمًا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، مُعِزّ المؤمنينَ، ومؤيِّد الصادقينَ الصابرينَ، ونشهدُ ألَّا إلهَ إلا هو بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقائدنا، وأسوتنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرَهم، واتَّبَع سُنَّتَهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والراكعين الساجدين الصائمين، بالمسجد الأقصى المبارَك، وفي كل بقعة من ديار المسلمين.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: زحفكم هذا في هذا اليوم المبارَك إلى المسجد الأقصى المبارَك، وفي شهر رمضان المبارَك، يجتمع لكم فيه الفضل من جميع جوانبه؛ فرمضان الكريم مبارك، والمسجد الأقصى موطن الإسراء والمعراج مبارك، ويوم الجمعة الثاني من هذا الشهر الفضيل مبارك، فهنيئًا لجمعكم، وهنيئًا لكم بهذا الصوم الميمون المبارك، وبهذا الزحف الميمون المبارك، هذا الزحف الذي يؤكد -بما لا مجال للشك فيه- بأن للمسجد الأقصى ذرية يغدون إليه ويروحون، وأنَّ للمسجد الأقصى شَعبًا يُحِبُّه ويتعلق قلبُه بهذا المسجد، وأن للمسجد الأقصى حُراسًا أمناءَ، وسدنةً أوفياءَ؛ إنكم أنتم يا أبناء فلسطين الحبيبة.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ونحن على أبواب الثلث الأوسط من شهر رمضان، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، نرجو الله -تعالى- أن نكون جميعًا من الرابحين عند الله، ومن الفائزين بعباداتنا عند الله، ومن الذين تبيض وجوههم يوم يلقون الله -تعالى-، ونعوذ بالله -تعالى- أن نكون أو يكون بعضنا خاسرا يوم القيامة؛ فالخسران المبين هو خسران النجاة يوم القيامة.
ولذلك -أيها الأحبابُ- نبَّهَنا سيدُ الأنام أن نكون من الرابحين في الدنيا والآخرة، وألا نكون والعياذ بالله من المفلسين في الدنيا والآخرة، ولذلك وجهنا بحديثه الشريف الكريم، في سؤال يعلم هذه الأمة مصلحتها الأخروية قبل الدنيوية، فيقول فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- مخاطِبًا الصحابة الكرام: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" فأجاب الصحابة -رضوان الله عليهم- قائلين مما هو ملموس في واقع الناس وحياتهم: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فيأتي الجواب القاطع، والتوجيه الساطع، من الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ليبين للمسلمين كل المسلمين أن الخاسر والمفلس هو كما يقول -عليه الصلاة والسلام-: "الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ قَذَفَ هَذَا، وَشَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيَقْعُدُ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" هذا هو المفلس الحقيقيّ أيها المؤمنون؛ فلنحرص أن نكون من الرابحين عند الله -تعالى-، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 88-89]، فلنأتِ يومَ القيامة بصلاتنا وصيامنا وزكاتنا وسائر طاعاتنا، بعيدة عن إيذاء المسلمين، وشتم المسلمين، وظلم المسلمين، وأكل حقوق المسلمين، حتى نحافظ على رأس مالنا من الأعمال الصالحة، ومن الحسنات التي تقودنا -بإذن الله-تعالى- إلى النجاة في الآخرة، وإلى دار الخلود الجنة عند الله -تعالى-.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: درس عظيم من هدي الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فلنحرص أيها الأحبابُ، أيها الصائمون، أيها المرابطون، أيها الذين شددتم الرحال منذ بواكير هذا اليوم لتَحْظَوْا بطاعة الله، والصلاة في المسجد الأقصى المبارَك، والصلاة فيه كما تعلمون يُضاعَف ثوابُها، كما يُضاعَف ثوابُ كل عمل صالح، ابتغي به وجه الله -تعالى-.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: توجيهات نبينا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- يجب أن تأخذ مجراها ويجب أن نطبقها على أنفسنا، وعلى بيوتنا، وفي مجتمعنا، وننشرها إلى سائر المجتمعات، فاحرصوا -أيها المسلمون- على الأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام وقيام وزكاة وصدقات، وأعمال للخير كثيرة، في هذا الشهر الفضيل، وفي سائر أيام العام؛ حتى نكون من الرابحين، ومن المغادرين لهذه الدنيا برأس مال كبير ورابح، عند الله -تعالى-؛ لنفوز برضوانه -جل جلاله-، ونكون من سكان الجنان، وجنان النعيم، نسأل الله -تعالى- أن يعفو عَنَّا جميعًا، وعن جميع المسلمين، وأن يكرمنا برضوانه، وأن يرضي نبينا -عليه الصلاة والسلام- بنجاة أمته، وربحها يوم لا درهم ولا دينار، بين يدي الله -تعالى-؛ إذ العدالة المطلقة هناك، ويقتص من كل ظالم، فلنحرص أيها الأحبابُ الكرام أن من كان له مظلمة عند أخيه أو لأخيه فليتحلل منها في هذه الدنيا حيث لا درهم ولا دينار، هناك في الآخرة، بل الاقتصاص من الحسنات، فإن نفدت طرحت السيئات والعياذ بالله؛؛ ومِن ثَمَّ كان المصير إلى النار وبئس المصير.
أيها المسلمون، أيها الصائمون: وكلنا نصوم، وكلنا نعمل الخير إن شاء الله؛ لقاء رضوان الله وطاعة الله، فلنحرص على ذلك بالنوايا الصادقة، وبالإخلاص لله -تعالى- الذي لا تخفى عليه خافية، في الأرض ولا في السماء، وليكن رمضان المبارَك هذا الشهر الفضيل شهر عز وشهر عمل وشهر مسابقة في الخيرات، وشهرا نرجو الله -تعالى- أن نكون من المغفور لهم، وأن نكون ممن تعتق رقابهم من النار، كما أخبرنا حبينا الأكرم، ورسولنا الأعظم -صلى الله عليه وسلم-: "وآخره عتق من النار"، فلنحرص -أيها المسلمون الصائمون- على جميع الطاعات، ولنحرص كذلك على الإصلاح فيما بيننا؛ بإصلاح النفوس، وإصلاح القلوب، وإصلاح ذات البين التي جعل الله ثواب القائمين عليها ثوابًا عظيمًا وأجرا كريمًا.
صوموا أيها المسلمون كما أخبر رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سابَّكَ أحدٌ أو شاتَمَكَ فقل: إني صائم، إني صائم"؛ ابتعادًا عن إيذاء الصوم وتنقيص ثوابه، وليكن رائدنا دائمًا ما قاله الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبِه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبِه" أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم؛ حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد، أيها المسلمون، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وأكناف القدس، يا أبناء الديار الإسلاميَّة المباركة، يا رُوَّاد المسجد الأقصى وأحبابه الكرام: في هذه الأيام، وفي هذه الظروف تنطلق دعوات مجرمة، عنوانها وهدفها هو المساس بالمسجد الأقصى المبارَك، من عصابات الاستيطان، والجمعيَّات الوهمية الكثيرة، التي تنتسب إلى هيكل مزعوم لا وجود له في المسجد الأقصى المبارَك، لا بل لا وجود له في أرضنا المبارَكة، وإنَّما هو تخيلات وتوهمات في أذهان أولئك المجرمين المتطرفين، الذين يسعون ليلًا ونهارًا إلى إلحاق الأذى بأبناء شعبنا، وبأرضنا ومقدساتنا، ونحن من علياء هذا المنبر الشريف، نحذر هؤلاء ومن معهم ومن يؤازرهم ويناصرهم بأنكم تتحملون المسؤوليَّة الكاملة عن أي أذى أو أي عدوان يتعرض له المسجد الأقصى المبارَك، جرَّاء هذه الدعوات الظالمة، التي لا تقوم على بَيِّنَة أبدًا.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وما زحفكم الميمون في هذا اليوم إلا شهادة ناطقة، وبرهان واضح ليس للاحتلال وحدَه، بل لكل العالم بأنكم تتمسكون بقدسكم، وتتمسكون بمقدساتكم، وتحبون المسجد الأقصى المبارَك؛ ولذلك جاءت هذه الجموع وهذه الحشود الإيمانية المؤمنة رافدة في رضوان الله، ومتحمسة لإعمار بيت الله، الذي قرنه الله بمسجده الحرام، المسجد الأول في الأرض؛ فكان المسجد الأقصى المسجد الثاني في هذه الأرض.
ونذكركم دائمًا أيها المسلمون، بأن شهر رمضان هو شهر البر والإحسان، وشهر الخير والإيمان، فاحرصوا على التراحم والتكافل وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأيتام والمحتاجين والمعوزين، عسى الله -سبحانه وتعالى- أن يمن علينا في هذا الشهر الفضيل بفرجه العاجل:
يا غارةَ اللهِ جُدِّي السيرَ مُسرِعةً *** في حل عقدتنا يا غارةَ اللهِ
اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام، واجعلنا من عتقائك من النار في شهر رمضان، وامنن علنيا ببركاتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، واختم لنا بالصالحات.
وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
التعليقات