عناصر الخطبة
1/عظم حق المسلم على أخيه المسلم 2/الصبر على الفقراء في أوقات الجوائح 3/فضل إقراض القروض وإنظار المعسر 4/من صور تلمُّس حوائج المحاويج 5/فضائل عشر ذي الحجة والأعمال الصالحة فيها.اقتباس
فرحم الله امرأً أنزل الناس منازلهم، وجبر عثرات الكرام. وربما يأتيك ممن وصفنا يطلب قرضًا، وأنت لديك ما يزيد على حاجاتك، فلا تتردد في إقراضه، فالقرض يُحْسَب لصاحبه كل يوم صدقة، حتى وقت السداد، فإن حلَّ وقت السداد ولم يسدّد، حُسِبَ له كل يوم صدقتين...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد فيا أيها المؤمنون: لقد جعل الله المؤمنين إخوةً؛ يعطف بعضهم على بعض، وجعل بينهم حقوقًا يجب أن يؤدّوها لبعضهم حسب قدرتهم، وهذه من آداب الإسلام التي تميّز بها عن المذاهب والقوانين الوضعية، والتي دعت العقلاء من البشر ليدخلوا في دين الله -تعالى-.
وإن المسلمين تَمُرّ بهم النكبات والشدائد، وتعصف بهم الابتلاءات والمِحَن، فمن واجب المؤمن على المؤمن أن يتفقد أحواله، ويقف معه ويسانده، وإنها وإن كانت من حقوق المسلم إلا أن فيها أجرًا عظيمًا لمن فعل ذلك، كما قال -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)[البلد:14]، بل إن القيام بذلك يبيّن صدق إيمان العبد، وصدقه مع الله.
معاشر المسلمين: قد يكون لك عقار يسكن فيها مَن تعطَّل وقت الجائحة، والذين يكون رزقهم باليومية، وحُجِرُوا في البيوت، ثم خرجوا للعمل الضعيف في ظل الجائحة، وأصبح عاجزًا عن سداد الإيجار، فما هو موقفك الآن منه، وأين حقوق المسلم؟
سمعنا بمن عفا عن المستأجرين، ومنهم من أنظرهم حتى يجدوا ما يقضون به ما عليهم، وهذه من خصال الإسلام، ومن صفات الشهامة.
والغالب على من نتحدث عنه، هو ذاك الذي اضطرته الجائحة، فأصبح محتاجًا، والأصل أنه كان مستورًا، ولا يسأل الناس شيئًا، فرحم الله امرأً أنزل الناس منازلهم، وجبر عثرات الكرام.
وربما يأتيك ممن وصفنا يطلب قرضًا، وأنت لديك ما يزيد على حاجاتك، فلا تتردد في إقراضه، فالقرض يُحْسَب لصاحبه كل يوم صدقة، حتى وقت السداد، فإن حلَّ وقت السداد ولم يسدّد، حُسِبَ له كل يوم صدقتين.
قال -تعالى-: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[البقرة:245]؛ وأخرج أحمد في مسنده من حديث بريدة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة"، ثم سمعته يقول: "من أنظر معسر فله كل يوم مثليه صدقة"؛ فقلت: يا رسول الله سمعتك تقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم صدقة"، ثم سمعتك تقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثليه صدقة"؟ قال: "كل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدّين، فإذا حل فأنظره فله كل يوم مثليه صدقة".
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أنه طلب غريماً له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إني معسر. قال: آالله؟ قال: آالله. قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر، أو يضع عنه".
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[التغابن:16]، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحث الصحابة وهم فقراء على الصدقة، فكانوا يذهبون إلى السوق ويكسبون ليتصدقوا.
وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة لتُطْفِئ غضَب الربّ، وتدفع عن العبد ميتة السُّوء"، وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هُرَيْرَة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينْزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكًا تلَفًا".
ومن صور تلمُّس حوائج المحاويج: سداد فواتير الكهرباء والماء، شراء العلاج، دفع دين البقالة، وهكذا -عباد الله-؛ فإن هذه الجائحة ابتلاء وامتحان فجُودوا على أنفسكم، ونحن مقبلون على عشر فضيلة تضاعف فيها الحسنات وتُغْفَر السيئات؛ فجودوا على أنفسكم.
اللهم وفِّقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات ….
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: نحن مقبلون على أيام هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، كما نصَّ على ذلك نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
ولفضلها أقسم الله بها فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر:1-2]، والعمل الصالح مطلق، اعمل ما شئت من الطاعات، وأهمها وأعظمها ما افترض الله عليك، ثم النوافل من كل عمل، كصلاة وصوم، وصدقة وذكر، ونحو ذلك.
فصوموا ما تيسر منها، وآكدها التاسع وهو يوم عرفة الذي يكفّر سنتين من صغائر الذنوب، وقوموا لياليها، وأكثروا من الصدقات، ومن قراءة القرآن، ومن جميع الأذكار، لا تتركوا بابًا من الخير إلا طرقتموه، فلا يدري العبد، أي بابٌ من الخير يُدْخِلُهُ الجنةَ؟
وصلوا وسلموا...
التعليقات