عناصر الخطبة
1/ أهمية سورة الفاتحة 2/ أسماؤها 3/ فضلها 4/ تفسيرها 5/ أهمية استشعار معانيهااهداف الخطبة
اقتباس
وقد أضاف الله تعالى الملك ليوم الدين وهو يوم القيامة يوم يُدان الناس بأعمالهم، أي يُجازون عليها؛ والسببُ في إضافة الملك ليوم الدين أن في ذلك اليوم يظهر للخلق كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأمراء ..
أيها المسلمون: في كل يوم وليلة يصلي المسلمون خمس صلوات فريضةً من الله، ويجب عليهم في كل ركعة من ركعات تلك الصلوات قراءة سورة هي من خير سور كتاب الله، يحفظها جميع المسلمين بحمد الله.
إنها سورة الفاتحة التي امتدحها الله في كتابه، وامتدحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما تضمنته من عظيم المعاني، التي أُودعت أجزل وأخصر المباني.
إن سورةً تبلغ أهميتها أن من تركها في الصلاة بطلت صلاته لحقيقة بالاهتمام، وجديرةٌ بالتعلم، وأهلٌ لأن يدرس المسلمون تفسيرها، ويتفهموا معانيها، ويتواصوا لتحصيل لطائفها وأسرارها.
إن مما يُعاب على المسلم أن يظل سنين طويلة يردد هذه السورة عشرات المرات في اليوم والليلة ومع ذلك لا يحسن تفسيرها، ولا يدري مالمراد منها!.
من أجل ذلك فستكون هذه الدقائق إن شاء الله مليئةً بالحديث عن هذه السورة الكريمة، فيا تُرى ما هي أسماؤها؟ وما هو فضلها؟ ثم ما هو معناها وتفسيرها؟.
أما أسماؤها فكثيرة شهيرة، وأشهرها على الإطلاق اسم الفاتحة؛ لأن كتاب الله افتُتح بها، ومن أسمائها أمُّ الكتاب، وأمُّ القرآن؛ وكذلك تسمى بالحمد، وتسمى بالصلاة، والشفاء، وبالرقية، وأساسِ القرآن، والكافية، والواقية.
وأما فضلُها فقد وردَ به الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المُعلَّى -رضي الله عنه- قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه حتى صليت.
قال: فأتيته، فقال: "ما منعك أن تأتيني؟" قال قلت: يا رسول الله! إني كنت أصلي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألم يقل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) [الأنفال:24]"، ثم قال: "لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد".
قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت: يا رسول الله! إنك قلتَ "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن"! قال: نعم: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".
ما أعظمه من فضل لسورة من قصار سور القرآن لا تتجاوز آياتها سبع آيات كريمات! وما أكرمه من وقت ذلك الذي يُقضى في تعلمها ومعرفة تفسيرها!.
إذن، فهذا هو أوان الشروع في تفسيرها آية آية؛ كي يعلم المسلم معنى ما يردده في صلاته في كل ركعة، وليتلذذ بقراءتها؛ لأنه علم معناها.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [1]: هذه الكلمات الأربع ذات معنى كبير لما شملته من عظيم المعاني، فمعنى "بسم الله" أي: ابتدئ بكل اسم لله تعالى؛ لأن لفظ "اسم" مفردٌ مضافٌ فشمل جميع الأسماء الحسنى.
أما لفظ الجلالة: "الله" فمعناه المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة؛ لما اتصف به من صفات الألوهية، وهي صفات الكمال.
"الرَّحمنِ الرّحيمِ": اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لرسله وأنبيائه، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومَن عداهم فله نصيب منها.
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها الإيمان بأسماء الله وصفاته وأحكام الصفات، فيؤمنون مثلا بأنه رحمن رحيم ذو الرحمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم، فالنعم كلها أثر من آثار رحمته وهكذا في سائر الأسماء.
(الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ) [2]: معنى "الحمد" هو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل فله، الحمد الكامل بجميع الوجوه.
"رب العالمين" الرب هو المربِّي جميع العالمين، وهم مَن سِوى الله، وتربيته لهم بخلقهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء.
(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [4]: "المالك" هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أن يأمر وينهي، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بجميع أنواع التصرفات.
وقد أضاف الله تعالى الملك ليوم الدين وهو يوم القيامة يوم يُدان الناس بأعمالهم، أي يُجازون عليها؛ والسببُ في إضافة الملك ليوم الدين أن في ذلك اليوم يظهر للخلق كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأمراء.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [5]: أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، فتقديم كلمة إياك على نعبد وعلى نستعين يفيد الحصر واختصاص العبادة لله، فكأنه قال: نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك.
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [6]: أي: دلنا وأرشدنا ووفِّقنا إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته، والصراط المستقيم هو معرفة الحق والعمل به، وهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك.
وهذا الصراط هو طريق أهل الإيمان والصلاح، وهو غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود، وغير صراط الضالين الذين تركوا الحق على جهلٍ وضلال كالنصارى.
واعلم -أخي المسلم- أنك إذا قرأت الآيتين الأخيرتين من السورة فإنك قد دعوت الله بدعاء عظيم، فلذلك ناسب أن تقول بعده: آمين. يعني: اللهم استجب.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجَّدَني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" رواه مسلم.
اللهم فاهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها المسلم الكريم: عندما تبدأ في صلاتك فتذكَّر أنك أمام الله تبارك وتعالى، لذا فألزم نفسك بالخشوع، وأجبرها على التذلل والخضوع، ثم سمِّ الله معلناً أنك مستعينٌ به على قراءتك وعلى أداء صلاتك، ثم اشرع في تلاوة السورة الكريمة ذات الآيات العظيمة.
تذكر نعم الله عليك، تذكر أن الله قد أنعم عليك بنِعَم لا تحصى، فنعمة الإسلام، ونعمة الصحة، ونعمة الطعام والشراب، والخير العظيم.
تذكر أن هناك أقواماً من المسلمين يئنُّون على فرشهم في المستشفيات وأنت في صحة وعافية، وتذكر أن هناك العديد من البيوت تعيش أياماً حزينة مليئة بالبكاء والنحيب لفقد أم أو أب أو ولد في سن الصبا أو في ريعان الشباب، تذكر المساجين والمساكين ومن قد أهلكتهم الحروب، ثم عبّر عن شكرك على نعمة الله، ثم أطلقها كلمة عظيمة: (الحمد لله رب العالمين).
ثم أثنِ على ربك بقولك: (الرحمن الرحيم)، ثم مجّده -سبحانه- وقل: (مالك يوم الدين). ثم اعترف بالعبودية والذل والضعف بقولك: (إياك نعبد وإياك نستعين). ثم ادع بالهداية التامة قائلاً: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
إنك إن استشعرت هذه المعاني شعرت بحلاوة القرآن، ولذة العبادة، وأحسست بنعيم الخشوع، ورفعة الخضوع، ووالله أن ذلك لمن أعظم المطالب.
التعليقات