عناصر الخطبة
1/ شعائر الله .. فضائلها وأنواعها 2/ وجوب تعظيم ما عظمه الله ورسوله 3/ التحذير من الابتداع أو الغلو في التعظيم 4/ بعض الأخطاء التي تقع في الشعائر المكانية.اهداف الخطبة
اقتباس
تعظيم شعائر الله -تبارك وتعالى- يقتضي تعظيم الله -عز وجل-.. وتعظيم ما جاء عنه في كتابه الكريم.. وتعظيم حرماته وهي كل ما يجب احترامه. وتعظيم شعائر الله فيه أدب مع الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومع أصحابه وآل بيته وتقديم سنته على جميع أقول البشر قاطبة. وليُعلَم أن شعائر الله -تبارك وتعالى- لا يعظمها إلا من عظّم الله واتقاه، وعرفه -تبارك وتعالى-، وقدَّره حق قدره، وهذا أمرٌ لا خلاف فيه بين المسلمين، وكذا كل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبه ربنا ويرضاه، نحمده تعالى ونشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم نلقاه، يبُعْثِرُ مَا فِي الْقُبُورِ ويُحُصِّلُ مَا فِي الصُّدُورِ ، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [النحل:111] وأشهد أن محمداً ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: يقول الله تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
أيها الإخوة: لقد حث الله -تعالى- في هذه الآية على تعظيم شعائره، وجعله من التقوى فما هي شعائر الله؟ قال السعدي -رحمه الله-: "أي أعلام دينه الظاهرة، التي تعبّد الله بها عباده، وشعائر جمع شعيرة بمعنى علامة. وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلف".
ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) [المائدة:2]، فسّر بعض العلماء شعائر الله بأنها أوامره وفرائضه، ومعنى ذلك: أن كل ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما تعبدنا الله -تبارك وتعالى- به فهو من شعائره، فيدخل في ذلك الشعائر الظاهرة والباطنة؛ لأن الدين باطنٌ وظاهرٌ، ويدخل في ذلك الشعائر العملية والشعائر الاعتقادية، ويدخل في ذلك الأركان والواجبات والمستحبات، فكل ما شرعه -تبارك وتعالى- فهو من شعائره، والمسلم مأمورٌ بأن يعظّمها وأن لا يحلها؛ وذلك بأن يمتثل أوامر الله ويجتنب نواهيه، وهكذا يكون التعظيم على هذا المعنى. وقوله: (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) أي: لا تحلوا محرم شعائر الله.
أيها الإخوة: وشعائر الله هي: أمكنة، وأزمنة، وذوات.
والشعائر المكانية هي الأماكن التي عظّمها الله -تبارك وتعالى- وأمر بتعظيمها، وجعلها علامة على أداء عمل من عمل الحج والعمرة، مثل: الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمقام، والصفا والمروة والمشعر الحرام بمزدلفة ومنى والجمار. وحرم مكة والمدينة كليهما معظَّمان، ومن الشعائر المكانية.
ومنها ما يكون مشعراً حلالاً كعرفة والمواقيت المكانية التي يقع عندها الإحرام.
وكل مكان جعله الله علامة على أداء عمل صالح فهو من شعائر الله؛ فالمساجد الثلاثة مكة والمدينة وبيت المقدس من شعائر الله.. وكل مسجدٍ لله أيضاً كما قال -عز وجل-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور:36] فالمساجد من شعائر الله، ورفع الأذان فيها من شعائر الله، وتعظيمها من تعظيم شعائر الله.
وأفضل المساجد هي المساجد الثلاثة التي ثبت عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْها" (متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).
ومن الأمكنة: الكعبة المشرفة وقد جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تعظيم البيت الحرام من الأدلة ما لا يحصى، كما في قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة:125]، وفي قول الله -عز وجل-: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ) [المائدة:97]، وغير ذلك من الآيات، فهي كلها تدل على أن الله -تعالى- قد عظَّم هذا البيت وهذا الحرم وشرّفه على سائر البلدان، وأنه من شعائر الله التي يجب أن تعظم.
أيها الإخوة: أما الشعائر الزمانية فمنها الأشهر الحرم وشهر رمضان. فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى- قد فضّله وشرفه كما قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185]، وكفى بذلك شرفاً وفخراً.
كما أنه -سُبْحَانَهُ وَتعالى- عظَّم الأشهر الحرم فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36]. وقد فسّر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الأشهر الحرم كما في الصحيح من حديث أبي بكرة قال: قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد الفرد وهو رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".
وأما الذوات فمنها الهدي والقلائد..
وعلينا أن نعظّم ما عظمه الله وعظّمه رسوله -صلى الله عليه وسلم- على الكيفية التي أمرا بها دون ابتداع أو غلو في التعظيم.
أيها الأحبة: ومصيبة الأمة بابتداع أعمال يعدونها من العبادة والتقرب إلى الله عند الشعائر المكانية ويقع عندها من البدع ما يفوق الزمانية بمراحل.
فتجد من المسلمين من يعظم أماكن ليست من شعائر الله كما يفعله بعض المسلمين عند قبور بعض الأولياء والصالحين وربما يَصِلُ بعضها بفاعلها حدّ الكفر كدعائهم والطوافِ على قبورهم، والتمسحِ بأضرحتهم والذبحِ عندها، وتقديمِ النذر عندها والاستشفاءِ بتربتها وغير ذلك كثير.
ومن الأماكن التي جعلها جهّال المسلمين من الشعائر وليست منها غار حرى وغار ثور ومواقع كثيرة بمكة والمدينة.
ومن الأخطاء التي تقع في الشعائر المكانية قيام بعض المسلمين بأعمال يتعبدون بها عند بعض المشاعر لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. مثل التمسح بمقام إبراهيم وتقبيلُه أو التمسحُ بحلق أبواب المسجد الحرام والمسجد النبوي أو أعمدتِهما أو الحجرةِ النبوية وغيرها.
أحبتي: تعظيم شعائر الله -تبارك وتعالى- يقتضي تعظيم الله -عز وجل-.. وتعظيم ما جاء عنه في كتابه الكريم.. وتعظيم حرماته وهي كل ما يجب احترامه.
وتعظيم شعائر الله فيه أدب مع الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومع أصحابه وآل بيته وتقديم سنته على جميع أقول البشر قاطبة.
وليُعلَم أن شعائر الله -تبارك وتعالى- لا يعظمها إلا من عظّم الله واتقاه، وعرفه -تبارك وتعالى-، وقدَّره حق قدره، وهذا أمرٌ لا خلاف فيه بين المسلمين، وكذا كل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل جل من قائل: (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف:167]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: مِن الناس مَن لا يبالي بتعظيم حرمةٍ ولا شعيرةٍ، لا في الأشهر الحرم ولا في غيرها من الشهور، ولا في هذا حرم مكة ولا في غيره من الأماكن، فلا يعظمون لله -تبارك وتعالى- مسجداً ولا حرمةً ولا شعيرةً من الشعائر، وهؤلاء قومٌ قد ضرب الله -تعالى- على قلوبهم الغفلة نسأل الله -تعالى- العفو والعافية.
وأهل الوسطية في تعظيم شعائر الله هم أهل الهدى، وأهل السنة هم القوم الوسط الذين عظموا ما عظم الله -عز وجل-، وتركوا ما لم يعظمه الله، واتبعوا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتبعوا ولم يبتدعوا.
ولقد حث لله -تبارك وتعالى- على تعظيم شعائره، وليس أدل على ذلك من قوله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فجعل تعظيم شعائر الله من التقوى، وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن القلب هو محل التقوى كما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "التقوى هاهنا ثلاثاً" وأشار إلى صدره. وإذا خشع القلب واتقى خشعت سائر الجوارح.
أسأل الله -تعالى- أن يرزقنا تقواه وتعظيم شعائره إنه جواد كريم.
التعليقات