عناصر الخطبة
1/ تعظيم الحرمات من صفات المؤمن 2/ من شعائر الله العظام 3/ حكم المستهين بحرمات الله تعالىاهداف الخطبة
اقتباس
إن المؤمن الحق المقدر من الله الموعود منه سبحانه وتعالى في الجزاء باللحوق بالنبيين والصديقين والشهداء - هو من يعظم حرمات الله وشعائره، يعظمها تعظيم مؤمن بوعيد الله خائف من تحقيقه فيه، مؤمن بوعده، راج تحققه فيه من يعظم حرمات الله وشعائره تعظيماً وإجلالاً ومحبة لله وخوفاً من عقابه ورجاء ثوابه ..
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف:167] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) [النساء:31] ويقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً* وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) [النساء:66-68]
أيها الأخوة المؤمنون: إن المؤمن الحق المقدر من الله الموعود منه سبحانه وتعالى في الجزاء باللحوق بالنبيين والصديقين والشهداء - هو من يعظم حرمات الله وشعائره، يعظمها تعظيم مؤمن بوعيد الله خائف من تحقيقه فيه، مؤمن بوعده، راج تحققه فيه من يعظم حرمات الله وشعائره تعظيماً وإجلالاً ومحبة لله وخوفاً من عقابه ورجاء ثوابه قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:30] وقال: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]
ذلك خبر لمبتدأ أي فرضكم وواجبكم ذلك أي تعظيم الحرمات والشعائر، وتعظيم الحرمات اجتناب المنهيات جملة وتفصيلاً، محرمها ومكروهها وضمن ذلك إقامة الشعائر المطلوبة في الحج، فالأول -والله أعلم-: رمز لاجتناب المنهيات عموماً ويدخل فيها ضمناً فعل المأمورات. والثاني: رمز لفعل المأمورات عموماً ويدخل فيه ضمناً اجتناب المنهيات وللبيان والإيضاح والتذكير -أيها الأخوة- فإن من الحرمات التي أمرنا الله بتعظيمها والوقوف منها موقف المنتذر المزدجر ما جاء في مثل قوله سبحانه: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30]
وقوله: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) [الإسراء:22] إلى قوله: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً* وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً* وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً* وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء:31-34] الآيات.
وقوله سبحانه: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [الأنعام:151] إلى قوله (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153] وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278-279]
وقول رسوله -عليه الصلاة والسلام-: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم.
وإن من شعائره التي أمرنا الله بتعظيمها، وشعائره أعلام دينه وكل شيء فيه أمر أشعر وأعلم به فهو من شعائر دينه، إقامةَ الأمور المطلوب إظهارها وإبرازها وسيادتها في الإسلام وأهمها إقامة العدل بين الناس من والٍ عام أو رئيس خاص أو قاضٍ أو أب وفي ذلك قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58]
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء:135] الآية وإقامة الجهاد في سبيل الله الذي كثيراً ما يأتي في القرآن ذكره بعد الإيمان بالله قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ) [الصف:11] الآية. ولئن كان الصيام كتب علينا بقول الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] فقد كتب الجهاد علينا بقوله سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) [البقرة:216]
وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو مهمة وواجب هذه الأمة وبه عزّها وشرفها وسيادتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110] (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) الآية [التوبة:71] (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج:41]
فاتّقوا الله -عباد الله-، وتجاوبوا مع ما نهاكم الله عنه بالقول بلسان الحال والمقال انتهينا انتهينا، ومع الأوامر كذلك بقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، تجاوبوا بهذا يحقق لكم سبحانه وتعالى ما وعد به في قوله جل ثناؤه: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [الرعد:18]
عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى خلقنا لعبادته ومقتضى العبادة تعظيم الله، وإجلاله وقدره حق قدره، وإن من تعظيمه وإجلاله وقدره حق قدره تعظيم حرماته وشعائره، وإن حال من تتوارد عليه النواهي أمثال ما تضمنته الآيات السابقة ونحوها؛ فلا يحترمها ولا يحرمها حال ماكر مخادع كافر بالله بإجماع الأمة إن استحل شيئاً من هذه المحرمات المعروف تحريمها من دين الإسلام بالضرورة، عاص ضال بارتكابه لها دون استحلال مهدد بالنار والعار والصغار.
قال تعالى في فرائض وحرمات مِنْ حرماته وطاعات مِنْ طاعاته: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:13-14]
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات